فصلا للغو..

هل يمكن لشمس الصيف أن تحمل المبدعين على الكتابة

عندما تشتد حرارة الشمس هل الكتابة ممكنة (لوحة للفنانة غلناز فتحي)

أحمد رجب

كان طه حسين يرى الصيف فصلا للغو وليس للجد، أيضا اعتاد نجيب محفوظ أن يجعل الصيف للتأمل والتفكير في رواياته التي يكتبها في الخريف والشتاء، على العكس منهما نجد ألبير كامو مثلا يفضل الكتابة صيفا ومثله كيتس ورامبو، فهل هناك ارتباط بين تغيّر فصول السنة والحالات الإبداعية والمزاجية لدى المبدعين؟ توجهنا بالسؤال إلى عدد من المبدعين.

كل الأوقات صالحة
لا يربط الروائي محمد جبريل بين تغيّر الفصول وملاءمتها للحالة المزاجية والإبداعية لدى الأديب، ويقول “من جهتي أكتب في فصل الصيف والشتاء حسب الفكرة، حاولت أن أكتسب عادة الكتابة اليومية، لكن بصراحة أخفقت في الإبداع المنتظم كما كان يفعل أستاذنا نجيب محفوظ. حاولت أن أرتب نفسي للكتابة في مواعيد محددة، ثم تبيّنت أنه من الصعب أن أحدد وقتا للكتابة. وتبقى كل الأوقات صالحة ما دام التهيّؤ للكتابة قائما”.
وتقول الروائية سهير المصادفة “ظروف عملي لم تدع لي فرصة التمتع بتلك الرفاهية. فأنا أنتهز أي فرصة مواتية للكتابة صيفا أو شتاء، كذلك لا أعتقد أن الأديب بوسعه الحصول على فترة راحة، فهو لا يعرف متى سيباغته الإلهام. عادة أكتب في الشتاء كما قد أكتب في الصيف، لكن قد أتوقف عن الكتابة فجأة لأسباب تتعلق بالعمل الإبداعي وليست مرتبطة بتغير فصول السنة”.
ويقول الروائي إبراهيم عبدالمجيد “في الكتابة لا فرق عندي بين صيف وشتاء”، فهو في الشتاء يختار الكتابة في مكان دافئ تحت إضاءة مبهرة، وفي الصيف يدخل حجرة مكتبه بعد منتصف الليل ومعه علبة السجائر وفنجان القهوة، ويكتب حتى طلوع النهار، يستمع إلى الموسيقى الهادئة، “فالمهم عندي الليل والموسيقى، فقد اعتدت على الكتابة بعد منتصف الليل، خصوصا بعد إقامتي في القاهرة التي أكره نهارها فجعلته للنوم، بينما الليل كله للكتابة، أحب أن يزورني الفجر وأنا أكتب، سواء في الصيف أو الشتاء”.
وتقول الروائية والشاعرة السورية نجاح إبراهيم “الكتابة تَتتابع في كل الفصول وفي كل الأوقات. ولا يمكنني أن أرد النبع عن الجريان، فالفكرة تأتي على حين غرة، فأحتفي بها فلا وقت معيّنا أخصصه لهذا الاحتفاء. فبالكتابة أتنفس والتنفس يكون كل حين وليس في وقت دون آخر، كما أنني بالكتابة أدافع عن حقي وهذا لا يكون في فصل دون فصل”.
ويتفق مع الرأي السابق الروائي المصري مصطفى البلكي، فيقول “الكتابة حياة، لذلك فالحياة المكتملة هي التي توجد خطا مستقيما يمتد في اتجاه واحد، لو تمّ وحدث قطع في لحظة ما، سيكون القادم مضطربا، ولا يحدث فيه أن يسمع الكاتب ذلك الصوت الذي ينمو بداخله ليقول له: أنت بخير، وتلك القطعية لا يصبح للتأمل فيها أي وجود، ومهما سمعنا من أقوال بأن بعض المبدعين يحددون أوقاتا معيّنة للكتابة، فهذا لا يعني أنه كان في قطيعة مع الكلمة ومع العالم الذي أوجده، فمن جلس ليكتب عاش قبل هذه اللحظة زمنا مارس فيه فعل التأمل والتكوين”.
فصل الموت
يقول القاص المصري شريف صالح “في الصيف أميل إلى التوقف عن الكتابة، وأظن للمسألة جانب مزاجي أو ذاتي، فرغم أني أدرّب نفسي على الكتابة في الصباح لكني أفضل الليل أكثر كما أفضل فصل الشتاء على سائر الفصول، ويقال إن المرء يميل إلى فصل وﻻدته وهذا صحيح تماما معي إلى درجة أنني أعتبر الشتاء فصل الحياة والصيف فصل الموت”.
كذلك الكاتبة الفلسطينية بشرى أبوشرار لا تكتب صيفا، وتقول “إبداعيا الصيف فصل موات، لم أسأل نفسي يوما أين تذهب مني الحروف حين يقترب يوليو من كوكبنا ومن أين تأتي إليّ من جديد والكون عاصف، ماطر يستنيم على صقيع الوقت، أستعيد ذاتي من صقيع الوقت، ألوّن منه حروفي، أنثرها لتحوط كوني كما قوس قزح، ألونها من روح نوات تسكنني ولا تغادر أرهف السمع حين تدق الريح على زجاج نافذتي، ألملم حكايات لم تكتب بعد من أوراق خريفية تصير قلادة تسكن روايةً من ربيع وخريف وشتاء”.
كائنات صيفية
على العكس من كل هؤلاء يقول الروائي العراقي محمد حياوي “الصيف عندي هو موسم الكتابة والإحساس بسطوة الطبيعة التي تبدأ دورتها الجديدة في فصل الربيع ثم الصيف حين تأتلق الشمس الساطعة وتبتكر البراعم الجديدة تفتحها، وحسب سكوت فيتزجرالد، فإنّك إذا ما رغبت بأن تبدو الأشياء أكثر رومانسية أكتب عن فصل الصيف، أما كارل كورت فيعتقد أنّ أجمل الأوقات في السنة هو ما بعد ظهيرة صيفية، لأنها تمنحنا المزيد من الضوء للقراءة. وفي عالمنا العربي، حيث تبالغ الشمس في سطوعها ويوغل البحر في تصعيد رطوبته ويلتهب إسفلت الشوارع ويحتدم البحث عن بقع الفيء الرحيم تحت الأشجار المتناثرة هنا وهناك، فالأمر مختلف تماما. وعندما كنت صغيرا كان الصيف فصلي المفضل للقراءة. نعم بالنسبة إليّ الصيف الساخن ضرورة حتمية لإنضاج الأفكار وتبخّر الصور في عوالم الخيال المطلق. وفي المحصلة، فإن شبح فتاة متطفلة وسط صيف واحد في الماضي كان كافيا لأسري إلى الأبد وتحويلي إلى كائن صيفي تُعذّبه الكتابة”.
ويعترف القاص المصري سمير الفيل بأن الكتابة تتأثر بالفصول. ويضيف “الصيف بالنسبة إليّ هو فصل الكتابة، والسبب بمنتهى الوضوح هو ذهابي إلى شقة لنا في مصيف رأس البر. تخرج الأسرة للسباحة أو للتنزه، وأبقى بمفردي في الشقة لأكتب. هكذا أنجزت مجموعاتي القصصية الثلاث الأخيرة ‘شمال.. يمين’، ‘صندل أحمر’ و’جبل النرجس”. أنا أحمل حقيبتي وفيها مسودات قصصي الجديدة، أجلس قرب البحر لأستنشق اليود، ولأحنو على شخصياتي المسكينة، وحين يتطاير الورق أجري للملمته قبل أن يصيبه البلل؟”.