الرأي العام..

حريات صحافية أم أخبار كاذبة؟

التعبير على نبض الشارع

طاهر علوان

ليس جديدا الحديث عن الحريات الصحافية والحق المكفول دوليا في التعبير ونقل المعلومات، حق الصحافي في امتلاك المعلومة وحق المتلقي والرأي العام في الوصول إليها.

الصحافة هنا عندما يتعلق الأمر بدورها في التغيير وكونها سلطة رابعة مؤثرة وليس وجودا ذيليا وهامشيا كما هو الحال في العديد من البلدان العربية.

وإذا انصرفنا قليلا باتجاه تلك الأدوار الخطيرة التي تضطلع بها، اليوم وغدا فثمة بلدان عربية غارقة نظمها السياسية في الفساد بينما تطالع صحفها وكأن مظاهر الفساد التي يتحدث عنها الشارع تقع في كوكب آخر، الحريات الصحافية هنا ستمس المقدسات أو أمن الدولة أو تحرض الرأي العام، هذا هو التفسير الجاهز والمباشر.

في أوضاع كهذه لا خيار أمام الصحافة سوى أن تطور أدواتها وتنهض بمسؤولياتها، لكنها في العالم العربي غالبا هي صحافة مذعورة، السلطات تراقبها عن كثب وتحاسبها على الكلمة والسطر والعبارة فما بالك بالصحافة الاستقصائية التي تفضح الخراب والفساد.

كنت أتابع مثلا تطورات الأحداث في العراق، جيل شاب غاضب وشعب كامل خرج إلى الشارع للمطالبة بأبسط الحقوق والقضاء على الفساد في بلد غارق في الفساد المالي والإداري، لكن أين هي الصحافة التي تكمل المهمة؟

أين هي الصحافة التي تواكب الرأي العام وتنزل إلى الشارع بطريقتها؟ أين هي المقالات والتغطيات الاستقصائية التي تفتح ملفات الفساد وتصبح صرخة تكمل صرخة الشعب؟

لكنها واقعيا صحافة لا تحتمل مثل هذه الأدوار، صحافة إذا نشرت شيئا سيعد أخبارا كاذبة وفبركات صحافية مدفوعة من الخارج ومن جهات مدسوسة، فلا حقوق صحافية ولا حريات.

لأن الحكومات المتعاقبة لم تكن يوما معنية بالحفاظ على السلطة الرابعة ولا احتضنت ولا دافعت عن مهنة الصحافة.

ولهذا شاع في ذلك البلد جر الصحافيين إلى المحاكم وترهيبهم وطلب مبالغ ضخمة منهم على سبيل التعويض بسبب مقالات نشروها أو وجهات نظر جريئة عبروا عنها واتهامهم بترويج قصص كاذبة.

إذا نحن نتكلم عن نوع آخر من الصحافة، التي لا تخضع للترهيب والتخويف والمصادرة، ننتقل إلى صورة مقابلة ليس من باب المقارنة بل في استقصاء وظيفة الصحافة لجهة حرية الصحافة والأخبار الكاذبة.

بالأمس اجتمع ناشر نيويورك تايمز مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكان اجتماعا احتجاجيا بامتياز.

ناشر الصحيفة كما صرح بذلك لوكالات الأنباء ذهب إلى البيت الأبيض ليعترض على اتهامات الرئيس باتجاه الصحافة بأنها مصدر للأخبار الكاذبة.

يقول الناشر، إن السبب الأساسي لموافقته على هذا اللقاء كان التطرق إلى القلق إزاء اللهجة المناهضة للصحافة التي يستخدمها الرئيس.

وأضاف “قلت له إن تعبير الأنباء الكاذبة غير صحيح ومؤذ، إلا أنني أبديت قلقا أكبر إزاء وصفه الصحافيين بأعداء الشعب”. وإن بعض الأنظمة تستغل اللغة التي يستخدمها الرئيس لتبرير قمعها للصحافيين، مضيفا “حذرته من أن ذلك قد يعرض أرواحا للخطر، ويؤذي قيم الديمقراطية، ويؤثر على التزامنا بالدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحافة”.

الصورتان من بيئتين صحافيتين واجتماعيتين مختلفتين تماما لكنهما تلتقيان في نقطة واحدة وهي التهمة الجاهزة للصحافة بترويج الأخبار الكاذبة وبذلك يجري ابتسار الحريات الصحافية في التعبير عن الرأي إلى أدنى مستوياتها.

لا شك أن أجندات الساسة بصفة عامة بحاجة إلى أن تمضي إلى نهاياتها وما على الصحافة سوى السمع والطاعة في بعض البلدان.

لكن الصورة لن تكتمل إلا بحصول المواجهة بين الصحافي والسياسي عندما يتعلق الأمر بأداء الصحافة دورها كاملا وعندما تعيش تحت سقف الحرية في التعبير لكنه سقف مبالغ فيه في نظر السياسي هنا أو هناك.