حقيقة تاريخية فاقعة..

رسائل إيرانية وأميركية بالحبر السري

حرب بين دولار ترامب وريال الخميني

إبراهيم الزبيدي

إن مشكلة القادة الإيرانيين الكبار، دينيين وعسكريين وأفندية، تكمن في أنهم لا يقرأون التاريخ، ولا يتعمقون في دراسة الجغرافيا، ولا يرون سوى وجوههم في المرآة، ولا يسمعون إلا غناءهم في الحمّام.

فالعالم من حولهم شيء، والعالم في عقولهم شيء آخر مختلف تماما وليس له وجود حقيقي على أرض الواقع الملموس.

والمؤكد أن غرور القوة قد أخرجهم من حالة الوعي إلى اللاوعي، وأعمتهم عنصريتهم وطائفيتهم عن الطريق القويم، حتى صاروا مُصدقين بأن دولتهم قد أصبحت هي الأقوى والأكبر، وأن ميليشياتهم في العراق وسوريا لبنان واليمن أصبحت هي القوة الصاعقة الماحقة التي أرعبت أميركا، وجعلتها تتردد وتفكر ألف مرة قبل أن تتورط في "أم الحروب"، أو أن "تعبث بذيل الأسد".

ولابد أنهم هنا ناسون أو متناسون حقيقة تاريخية فاقعة تقول إنهم ما تمكنوا من دخول العراق إلا متغطّين بالعباءة الأميركية، وإلا بعد ما سمحت لهم أميركا بالدخول لكي تتوكأ عليهم، وتهش بهم على غنهما، ولها فيهم مآرب أخرى. فهُم، حتى الساعة، لا يستطيعون تعيين رئيس أو وزير أو سفير أو حتى غفير إلا حين ترضى سفارة العم سام في بغداد، وتعطيهم ضوءَها الأخضر الثمين.

وفي سوريا كانوا ومازالوا يتدثرون بالراية الروسية الحمراء، و"يجاهدون" لنصرة الإسلام وآل البيت بصواريخ بوتين وطائراته وجنوده. وكثيرا ما نقلت لنا الأخبار أن أهمَّ ضباطهم وقادة جيوشهم يتساقطون صرعى كالعصافير لو رفع الرئيس الروسي غطاءه عنهم، مرة، لو قضت بذلك أجندتُه المصلحية الخاصة وتفاهماته مع أميركا وإسرائيل، وهم صاغرون.

وآخر ما طيره قاسم سليماني من تهديد، قوله: إن "على الرئيس دونالد ترامب أن يعلم أننا في انتظاره"، وقوله، أيضا، مخاطبا الرئيس الأميركي: "قد تبدأ أنتَ الحرب، لكنْ نحن من سيُنهيها".

ولو كانت هذه الصواريخ الكلامية الحارقة صادرة عن الصين أو روسيا، مثلا، لهان الأمر، ولقلنا إنه القضاء والقدر، وسوء الطالع الذي أوقع ترامب في شر أعماله.

ولكن حين تصدر من دولة ولدت صغيرة، وظلت صغيرة وتبقى صغيرة، مهما امتلكت من صواريخ وميليشيات وعصابات إرهابية مسلحة، خصوصا وهي في عز ضيقها الاقتصادي والأمني والاجتماعي والعسكري والصناعي والزراعي والمائي والنفطي، فتلك مسألة تدعو إلى الضحك ثم إلى البكاء.

وتُذكرنا تهديدات سليماني هذه بالراحلين صدام حسين ومعمر القذافي والرئيس البنمي مانويل نورييغا حين بالغوا كثيرا في العزم على تحويل أميركا إلى دولة من دول العالم الثالث والعشرين، ثم انتهوا كما كان مقدرا لهم أن ينتهوا به في طرفة عين.

وليس ذلك لأن أميركا هي طرزان العصر الوحيد لتفعل ما تريد، متى تريد، وأين تريد، بل لأن أية دولةٍ من دُولنا المنتمية للعالم المُسيَّر بالفتاوي والتداوي بالكي وبول البعير تبقى ريشة في مهب رياح الأقوياء.

ومن اللازم هنا أن نُذكر بنظريةٍ أطلقها روبرت ماكنمارا حين كان وزير دفاع جون كيندي عام 1962 تقول "لنجعل الاتحاد السوفييتي قلعة مسلحة، ولكن لا تملك الزبدة".

وها هي الدولة الإيرانية في عهد الولي الفقيه اليوم تستورد الحديد والنحاس والرصاص، وتستأجر الخبراء والعلماء، وتبحث عن الماء والدواء والغذاء. فألا يحق لنا أن نطلب من حسن روحاني أن يقول لنا بأي وجه يتحدى ويهدد بـ "أم الحروب"؟

والشيء بالشيء يذكر. فمن يستمع إلى المقربين من دوائر القرار الأميركي، عن كثب، وبعيدا عن الصحافة والإذاعة والتلفزيون، يتردد في تصديق جدية الرئيس الأميركي في خنق النظام الإيراني حتى النفَس الأخير، ويعتبرُ لهْوَه على موقع تويتر واحدا من فنون المساومات في التجارة والمقاولات.

ويُرجِّح المتبحرون في علم التشفير السياسي أن تكون هناك أشياءُ أخرى وراء سطور رسائل التهديد المسافرة، ذهابا وإيابا، بين العاصمتين، ولكن مكتوبة بالحبر السري لا يستطيع رؤيتها إلا المنجمون.

أما الذي لابد أن يكون، وسوف يكون، فهو حلٌ واحد لا حل سواه. فما لم يَعرف النظام الإيراني حده ويقفْ عنده، ويلتقطْ خشبة الإنقاذ التي مدها له ترامب، وما لم يأتِ إلى طاولة المفاوضات حاسرا وبلا نياشين ولا هراوات ولا مسدسات، فيومُه أسوَد وغدُه أسود، وعلى نفسها جنت براقش. هل تعرفونها؟