عدن تنتصر على الحرب بالفن..

"عشرة ايام قبل الزفة" يعيد السينما إلى عاصمة الجنوب

السينما عين على المستقبل

صالح أبوعوذل
كاتب وباحث وسياسي مستقل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومقرها العاصمة عدن

الأحداث والنزاعات المرتبطة بالوحدة في اليمن علاوة على حرب 1994، قضت على المسرح العدني، بعد أن كان لهذه المدينة العريقة الأسبقية على مستوى شبه الجزيرة والخليج في ظهور أول مسرحية سنة 1910، لكن عراقة المسرح في عاصمة اليمن الجنوبي ربما تشفع له بالعودة من جديد.

 انتصرت عدن على الحرب التي افتعلها الحوثيون الموالون لإيران، ورسمت بداية جديدة لعهد جديد بعيدا عن المشهد السياسي الضبابي في البلد. فقد أسدل الستار، صباح الاثنين الـ6 من أغسطس الجاري، عن أول فيلم سينمائي جماهيري.

العودة إلى السينما

أعلن في عدن العاصمة المؤقتة لليمن عن أول فيلم سينمائي جماهيري أطلق عليه اسم “عشرة أيام قبل الزفة”، صوّر وأنتج في المدينة التي تعرضت للتدمير جراء الحرب التي شنها الحوثيون في أواخر مارس من العام 2015، وجسد المعاناة التي عاشها أهالي المدينة خلال الحرب التي توصف بالعدوانية.

قال منتجو الفيلم إنه الأول الذي يتم إنتاجه وتصويره في مدينة عدن، وهو فيلم جماهيري يحاكي واقع وحياة أهالي المدينة العريقة التي دمرت فيها المسارح ودور السينما عقب الحرب الأولى التي شنها نظام صنعاء في العام 1994، بالتحالف مع تنظيم الإخوان المسلمين الذي عمد عقب الحرب إلى إغلاق كل ما له علاقة بالفنون والمسرح والثقافة، والاستيلاء عليها وتحويلها إلى أملاك خاصة بقوى النفوذ العسكري والسياسي والديني.

وأزاح مخرج فيلم “عشرة أيام قبل الزفة”، عمرو جمال الستار عن أول عرض سينمائي جماهيري شاركت فيه نخبة من عمالقة المسرح في الجنوب، بالإضافة إلى مجموعة من الفنانين الشباب والنجوم الصاعدة.

الفيلم تناول قصة المجتمع العدني وتأثره بالأحداث المختلفة التي مرت بها البلاد مؤخرا. شخصيات الفيلم تم تجسيدها من خلال مواطنين عدنيين بسطاء بعاداتهم ولهجتهم المحلية، وتم تصويره في أحياء كريتر العتيقة جنوبي عدن.

وقال مخرج الفيلم عمرو جمال في مؤتمر صحافي عقد في مدينة عدن صباح الاثنين الـ6 من أغسطس الجاري، أسدل الستار فيه عن الفيلم إن “عشرة أيام قبل الزفة” سوف يتم عرضه خلال إجازة عيد الأضحى المبارك. وجاء إنتاج الفيلم في أعقاب رفض قنوات يمنية إنتاج مسلسلات محلية عدنية، بدعوى عدم امتلاكها إمكانيات تمويل إنتاجها.

على الرغم من تميز اللهجة العدنية المحببة لدى شريحة واسعة من اليمنيين في الشمال والجنوب، إلا أن القنوات اليمنية رفضت إنتاج أي مسلسل عدني خلال شهر رمضان الماضي، الأمر الذي ربما ولد التحدي لإنتاج أول فيلم سينمائي، في أول توجه نحو إعادة صناعة السينما في عدن العريقة.

صناعة السينما والدراما أصبحت ثقافة عامة لدى شريحة واسعة من الناس في عدن ومحافظات الجنوب المحررة من الحوثيين، الأمر يبدو أنه محاولة لرفض العنف الذي يصدر إلى المدينة.

الفن رغم الحرب

مع أجواء عدن الحارة جراء الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، ينهمك السيناريست مروان علي مفرق في كتابة نص مسلسل محلي يناقش قضايا اجتماعية في المدينة التي كان لها السبق على مستوى الجزيرة والخليج في ظهور أول مسرحية سنة 1910.

 يتصبب العرق من جبينه، فالتيار الكهربائي يشهد انقطاعات متواصلة منذ بداية الصيف. يضع مروان القلم جانبا، ويستريح على المقعد، فيما يقول “حتى وإن انتهينا من تأليف المسلسل، سنواجه صعوبة في الحصول على تمويل لإنتاجه، فليست هناك قنوات لديها الرغبة بتمويل وإنتاج أي مسلسل عدني”.

مروان الشاب الثلاثيني الذي سبق له أن ألف العديد من المسلسلات والمسرحيات التي لاقت صدى واسعا، وأبرزها مسلسل “فرصة أخيرة” الذي ناقش عملية الاستيلاء على المصانع التي كانت تعد أهم مصادر الدخل لدولة اليمن الجنوبي قبل الوحدة، ويشرح المسلسل عملية إقصاء الموظفين وإجبارهم على بيع المصانع والوظائف، حتى أصبحت أملاكا لقوى نفوذ يمنية شمالية.

يقول مروان “لا نريد إقحام السياسة في الفن، نحن في عدن لنا طابعنا الخاص، نريد دراما تناقش قضايا المجتمع، سوف نكافح بكل ما نملك من أجل أن تعود لعدن مكانتها وعراقتها”.

يؤكد مروان، وهو أيضا مساعد مخرج فيلم “عشرة أيام قبل الزفة”، أن هناك مشاريع سينمائية قادمة سوف تعيد لعدن مكانتها كمدينة تعايش وسلام، تنبذ العنف وتحضّ على السلام.

ويكشف مروان عن الانتهاء من كتابة سيناريو فيلم يعرض الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها الحوثيون بحق سكان عدن ومنها عملية استهداف النازحين في رصيف السياح بمدينة التواهي خلال محاولتهم الهرب من قذائف الحوثيين صوب البريقة في أقصى غرب المدينة عن طريق البحر، في مطلع مايو 2015.

ويطمح مروان إلى صناعة سينما حديثة تواكب صناعة السينما في بعض البلدان العربية والعالم، فهناك العديد من الأفكار لأفلام وثائقية وسينمائية سيتم إنتاجها متى توفرت الإمكانيات لذلك. مؤكدا أن عراقة المسرح في عدن وحب الناس للدراما والسينما المحلية يعدان عاملين مساعدين في أن تستعيد عدن مكانتها التاريخية.

صناعة السينما سوف تساهم في النهوض بعدن اقتصاديا، ودعم مثل هكذا مشاريع سوف يعود بالفائدة على المدينة وأهلها

 ويؤكد السيناريست أن صناعة السينما سوف تساهم في النهوض بعدن اقتصاديا، وأن دعم مثل هكذا مشاريع سوف يعود بالفائدة على المدينة وأهلها الذين عانوا الأمرين خلال ربع قرن.  ويقول “إن غياب الوعي الفني عرقل إنتاج الكثير من الأعمال”. مؤكدا أن الفن هو سفير البلد إلى العالم.

 وعرفت عدن المسرح في العام 1910، بأول عمل مسرحي أطلق عليه “يوليوس قيصر”، وهو أول عمل مسرحي على مستوى شبه الجزيرة العربية والخليج، أعقبته مسرحيات أخرى عام 1947 من أداء وتمثيل عدني، ثم ظهرت مباشرة عدد من المسرحيات الناقدة ذات المضمون الاجتماعي والسياسي النقدي ضد الاستعمار لأمتنا العربية، إثر عرضها زجت السلطات البريطانية بعدن الممثلين الذين أدوها في السجون، وفي عام 1957، كما يؤرخ عميد المسرح الراحل فيصل بحصو، ظهرت فرقة “مصافي عدن للتمثيل”.

ولا تزال العديد من المسرحيات التي صورت في عدن تتداول إلى اليوم ومنها مسرحية “التركة”، التي ألفها الكاتب والأديب المخضرم سعيد عولقي، وقام ببطولتها الفنان الراحل عبدالله المسيبلي وسالم العباب وقاسم عمر وآخرون.

ويعتقد مهتمون أن الوحدة اليمنية وحرب 1994، قد قضتا على المسرح العدني، لكن عراقة المسرح في عاصمة اليمن الجنوبي السابق ربما تشفع له بالعودة من جديد، وما فيلم “عشرة أيام قبل الزفة” إلا بداية لمشاريع أخرى تعيد لعدن وجهها الحقيقي.