رائد السينما المصرية

أحمد زكي.. يحقق حلم ماركس

الفنان الراحل أحمد زكي

محمد قعدان (القاهرة)

الفيلم

فيلم البداية «1986» يُقدم محاكاة لمجتمع إنساني بالفهم الماركسي للمجتمع، ويُظهر القِيم والتركيبة الإنسانيّة في علاقة جدليّة بين قِيم الاستغلال والتسلّط مع قِيم التعاون والمشاركة، أحمد زكي رائد السينما المصرية يُنجز المثاليّة الماركسيّة وفق المراحل المُشار إليها في النظرية الماركسيّة، أحمد زكي يمثل دور المثقف الثائر عادل الذي يطمح لتحقيق مجتمع بدون طبقات تسود فيهِ العدالة والمساوة، ولكن جميل راتب يمثل دور الاستغلالي «نبيه بيه»، ومن هنا تنبثق علاقة جدليّة «ديالكتيك» بين عادل المثقف الثائر ونبيه بيه الاستغلالي المتسلط. الفيلم يعبّر بشكل ساطع عن جدالات فلسفيّة- سياسيّة أخرى في غاية الأهميّة، وإشارة للجدال الفلسفي- سياسي عن حاجة المجتمعات لنظام وإدارة أحوال الأفراد بين الفيلسوف توماس هوبس ورؤيتهِ للحالة الطبيعة في المجتمع متوحشة ومرعبة، ومجال تحوّل المجتمع لغابة وقولهِ الإنسان ذئب للإنسان لتبرير الحُكم المُطلق، وعلى نقيضهِ الفيلسوف جون لوك والنظرة الأكثر إيجابيّة للإنسان العقلاني وتشكيل مجتمع في مجال السلام والمساوة. الفيلم يُشير بوضوح إلى النظريّة الماركسيّة والصراع الطبقي في المجتمعات وآليّات السيطرة والاستقرار، وهذا سنطرحهُ ونعطيه اهتمامًا في المقال.

تعريف الطبقات وصِلتها بوسائل الإنتاج

«إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية»*

ماركس يقرر حتميّة الصراعات الطبقيّة الماديّة في المجتمع بناء على قراءة ماركس لمراحل وفترات في التاريخ الإنساني، مثلاً يُشير ماركس إلى روما القديمة والتقسيم الطبقي بين نبلاء، فرسان وعبيد وأيضًا يذكر التقسيم الطبقي في القرون الوسطى بين أسياد، إقطاعيّين وأقنان وهلّم جره، إلا أن ماركس يعلّق تصنيف الطبقات وتعريفها بصِلتها بوسائل الإنتاج. الفيلم يطرح أن مجموعة من المصريين سقطت بهم طائرة في واحة صحراء مصر بينهم الفلاح والعامل والمثقف والطبيبة ورجل الأعمال…، الاستغلالي بينهم هو رجل الأعمال نبيه بيه الذي يُدرك أهمية السيطرة على وسائل الإنتاج التي تتمثل في الواحة ومواردها، رجل الأعمال الاستغلالي نبيه بيه مرتكزًا على ذكائهِ وسلاحهِ يفرض السيطرة على الواحة، فبهذهِ الخطوة المهمة يتم إنشاء الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج، ووفقـًا لماركس هي الطبقة العليا، ومباشرة يتم تعريف باقي المجموعة التي لا تملك وسائل الإنتاج بالطبقة الدنيا، وعندئذ يبدأ الصراع الطبقي بين نبيه بيه «الطبقة العليا» وباقي المجموعة «الطبقة الدنيا».

البنية الفوقيّة والقاعدة الماديّة

«الفئة الدنيا في المجتمع الراهن، لا يمكنها أن تنهض وتنتصب، بدون أن تنسف البنية الفوقية»*

 

البنية الفوقيّة تحتوي بداخلها كل العناصر الاجتماعية التي هي خارج المجال الاقتصادي المادي مثل الدين، الأيديولوجيا، السياسة، الإعلام، الدولة، المؤسسات.. إلخ. البنية الفوقيّة يتم تركيبها وتشكيلها لخدمة مصالح الطبقة العليا المُتحكمة في وسائل الإنتاج، لتثبيت سيطرتها على وسائل الإنتاج، والبنية الفوقيّة أيضًا تخلق وعيًا زائفـًا لضمان الاستقرار الطبقي في المجتمع. فيلم البداية يعطي اهتمامًا لهذهِ الخطوات المركزيّة لتشكيل البنية الفوقيّة من قِبل الطبقة العليا، رجل الأعمال نبيه بيه بعد امتلاكه للواحةِ ومواردها التي هي بمثابةِ وسائل الإنتاج بدأ مباشرة بتشكيل «المؤسسة الأمنيّة»، وبدأ بإقناع العامل لكي يساعدهُ على حفظ أمن أملاكهِ وترتيب الأعمال الشاقة للمجموعة وتنظيمها؛ فالعامل يلتزم دائمًا للحفاظ على مصالح نبيه بيه «الطبقة العليا»، وأيضًا نبيه بيه بدأ بإنشاء «صحيفة» في سياق تذمر المجموعة «الطبقة الدنيا» من الأعمال الشاقة، ووظيفة «الصحيفة» للحفاظ على مصالح نبيه بيه «الطبقة العليا» من خلال بثّ أفكار وإيجابيات عن نبيه بيه «الطبقة العليا»، وفي سياق شخصيّة المثقف الثائر عادل على الظلم والاستغلال والمناداة بالمساواة، فيكون ردّ رجل الأعمال نبيه بيه لإيقافهِ بوسائل قانونيّة فيتم تشكيل «المؤسسة القضائية»، وكلّ وظائِفها القاضي، المحامي والمدّعي مُرتكزة فقط على رجل الأعمال «نبيه بيه»، وبذلك تكون «مؤسسات» الواحة في خدمة مصالح الطبقية العليا.

الثورة

«عندما يقترب الصراع الطبقي من الحسم، تتخذ عملية التفسّخ داخل الطبقة السائدة، وداخل المجتمع القديم بأسره، طابعًا عنيفـًا وحادًا، إلى حد أنّ قسمًا صغيرًا من الطبقة السائدة يَنسلخ عنها وينضمّ إلى الطبقة الثورية، إلى الطبقة التي تحمل بين يديها المستقبل»*

الطبقة الدنيا لكي تتحرر من تسلط الطبقة العليا واستغلالها عليها بداية الإدراك بالصراع الطبقي في المجتمع وتشكيل وعي حقيقي موضوعي للعلاقات الماديّة في المجتمع، وعلى أساس ذلك يتم بناء النضال والثورة على الطبقة العليا عبر نسف البنية الفوقيّة وتحقيق المساواة والمشاركة لكل الأفراد. المثقف الثائر عادل يبرز في إطار خلق الإدراك للصراع الطبقي، وتسلط رجل الأعمال نبيه بيه «الطبقة العليا» واستغلاله لجميع الأفراد، وهذهِ الخطوة الأولى لكي تكون قاعدة ثوريّة وإمكانيّة تغيير الواقع، فبذلك تبدأ الطبقة الدنيا فعليًّا بنسف البنية الفوقيّة، «الصحيفة» تم إغلاقها بعد أن فقدت وظيفتها الطبقية الحفاظ على مصالح نبيه بيه «الطبقة العليا»، وأيضًا «المؤسسة القضائية» تمّ إهمالها وعدم اعتبارها ثم كسر حُكمها، البنية الفوقيّة التي تبقت هي «المؤسسة الأمنية» التي تمثّلت بالعامل بجلبهِ ليكون جزءًا من الثورة، بعد ذلك تحققت ثورة المجموعة الطبقة الدنيا إنجازها بإسقاط الطبقة العليا وإعلان المساواة بين الأفراد.