مسلسل كويتي..

"خذيت من عمري وعطيت" يتتبع مصائر شخصياته بين حقب زمنية مختلفة

"خذيت من عمري وعطيت".. عن الحب والتضحية

ناهد خزام

تبدأ أحداث المسلسل الكويتي “خذيت من عمري وعطيت” للكاتبة عامرة الحزيمي والمخرج حمد البدري في منتصف الثمانينات، وتدور أحداثه حول أسرة سلطان وزوجته سهيلة وطفليهما خالد ودلال، وهي أسرة صغيرة تعاني من استهتار الأب ومغامراته الطائشة التي تصل به حد التخلي عن زوجته وأبنائه وإلقائهم في الشارع.

وتتابع أحداث المسلسل ما تعرضت له هذه الأسرة والتحديات التي واجهتها منذ ذلك التاريخ، مرورا بفترة التسعينات إلى أن تصل بنا الأحداث إلى الوقت الراهن. ويلعب البعد التاريخي دورا مؤثرا في سياق الأحداث وفي تطور الشخصيات أيضا، فالبدايات تختلف عن النهايات، وتتغير طبيعة الشخصيات وتتأثر بعوامل الزمن والخبرة والأحداث التي تمر بها من دون مبالغة أو استخفاف.

ويعرض مسلسل “خذيت من عمري وعطيت” حاليا على قناة “أو إس إن ياهلا” الإماراتية، ويشارك في بطولته كل من النجمة الكويتية صمود الكندري ولمياء طارق ومحمود الشراح وهبة الدري وعبدالإمام عبدالله وانتصار الشراح، إضافة إلى مجموعة متميزة من نجوم ونجمات الخليج العربي.

وبعض نجوم المسلسل يقتصر ظهورهم على بضع حلقات قليلة لكنها مؤثرة في السياق العام للعمل، فالنجمة هبة الدري على سبيل المثال ينتهي دورها عند الحلقة الرابعة، إضافة إلى النجمين عبدالإمام عبدالله وانتصار الشراح اللذين لا يستكملان بقية الحلقات ويغيبان في منتصف الأحداث، وثمة أدوار أخرى لنجوم لا تتعدى مساحتها بضع حلقات كدور الفنان حمد العماني وسعود بوشهري.

وفي المسلسل تتزوج الأم الشابة سهيلة (هبة الدري) من ابن خالها يعقوب (حمد العماني) رغم معارضة والدته، ولا تمر سنوات قليلة على هذا الزواج حتى يموت الزوجان في حادث مأساوي ليتركا خلفهما أربعة أبناء. تتولى الأخت الكبرى دلال (صمود الكندري) الاهتمام بإخوتها الصغار وتحاول رعايتهم هي وشقيقها خالد (محمود الشراح) بعد أن تخلت عنهم جدتهم أم يعقوب (انتصار الشراح) وطردتهم من بيتها.

أحداث كثيرة ومتلاحقة يحملها لنا النصف الأول من المسلسل، أحداث ممزوجة بالحنين والرومانسية والضغينة والغيرة والطمع، فالشخصيات هنا طبيعية تحمل خصال الخير والشر أحيانا، باستثناء الأم سهيلة وابنتها دلال فهما الشخصيتان الوحيدتان بين شخصيات العمل اللتان تتمتعان بقدر زائد من التسامح مع الآخرين، رغم قسوة الصدمات التي تعرضت لهما.

الشخصية الرئيسية هنا هي شخصية دلال التي تؤدي دورها الفنانة صمود الكندري، وهي الأخت الكبرى التي تحتضن إخوتها وتحاول التغلب على الصعاب التي تواجههم قدر الإمكان، وهي شخصية هادئة الطباع، استطاعت صمود الكندري التعبير عن سماتها الرئيسية ببراعة.

وتتعرض دلال للكثير من الصدمات، فالشخص الذي ارتبطت به (هيثم بدر) يتزوج أقرب صديقاتها إليها، وهي فرح التي تلعب دورها الفنانة لمياء طارق، وحين تنسى الأمر ويميل قلبها إلى شخص آخر يموت هو أيضا في حادث قبل عقد قرانهما، ولا تنتهي الصدمات التي تتعرض لها دلال عند هذا الحد، فهي تواجه أيضا سيلا من نكران الجميل والجحود من قبل أقرب الناس إليها.

مسلسل “خذيت من عمري وعطيت” عمل لا تنقصه الحبكة الدرامية، كما أنه لا ينطوي على مبالغات زائدة عن الحد، على مستوى أداء الممثلين أو على مستوى
الأحداث والمشاهد نفسها، والانتقالات بين المشاهد تبدو سلسة ومتناغمة، كما أن الحوار بين الشخصيات يحمل قدرا من النضج، وإن لم يخل من بعض الاستعراض المسرحي.

ويمثل العمل ككل مباراة فنية بين النجوم المشاركين فيه، وهنا لا بد من إبراز الحضور اللافت للفنانة هبة الدري وكذلك الفنان عبدالإمام عبدالله ومحمد العجيمي الذي قام بأداء دور سلطان، وهو دور معقد ومتناقض.

ومن بين الأدوار اللافتة أيضا يطالعنا دور غنيمة الذي أدته ببراعة الفنانة انتصار الشراح، وهو دور ينتقل من حال إلى حال خلال الأحداث، فهي خلال الجزء الأول من المسلسل تمثل دور الأم التي تخاف على أسرتها وتتمنى لابنها زواجا ناجحا، لذا فهي تقف ضد زواجه من امرأة مطلقة، كما تقول.

البعد التاريخي يلعب دورا مؤثرا في سياق أحداث المسلسل وفي تطور شخصياته، حيث تختلف البدايات عن النهايات

وينكسر قلب غنيمة بوفاة ابنها يعقوب، لكنها لا تتخلى عن صلابتها وقسوتها تجاه دلال وإخوتها، بل وتحمّلهم مسؤولية ما حدث لابنها، ومع ذلك تتحول شخصية غنيمة بعد مراجعات وتبدأ في رؤية الأمور على حقيقتها، وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبموتها يفقد المسلسل أحد أضلعه المؤثرة.

هذه الانتقالات السلسة بين الخير والشر والسلوكيات المتناقضة تكاد تطغى على جميع شخصيات العمل، نراها مثلا في دور خالد شقيق دلال الذي يؤدي شخصيته الفنان محمود بوشهري، والذي يسير على نفس خطى أبيه سلطان في ممارسة التحايل على الناس، ولا يسلم منه حتى أقرب الناس إليه، فهو يتحايل على إخوته وزوجته.

ويحمل خالد طباعا متناقضة ومتقلبة، فهو يبدو في غاية الحنو أحيانا، وفي أحيان أخرى ينقلب إلى شخص بلا قلب أو مشاعر. هذا النموذج يتكرر أيضا مع شخصية فرح التي تؤديها الفنانة لمياء طارق والتي لم تتردد في الزواج من عادل وهي تعرف مدى العلاقة التي تربط بينه وبين دلال.

وفي أطوار أخرى من شخصية فرح نراها تؤدي دور المرأة المنكسرة التي تحاول الحفاظ على أسرتها من التفكك. دور فرح هو أحد الأدوار الرئيسية في المسلسل، وهو دور مرسوم بعناية أيضا، ويستحق عودة الفنانة لمياء طارق إلى الدراما بعد انقطاع دام أكثر من ثلاثة أعوام.