الأزمة اليمنية..

جهود هادي لجمع شتات "المؤتمر" الشعبي اليمني

لقاء مخيب للآمال

صالح البيضاني
كاتب وباحث وسياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

أعادت التحركات الأخيرة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، والرامية لاستقطاب التيار الثالث في المؤتمر الشعبي العام الذي تشكل عقب مقتل مؤسس الحزب وأمينه العام في 4 ديسمبر 2017، إلى الواجهة حالة الانقسام السياسي والتنظيمي التي يشهدها الحزب الذي يعتبره الكثير من المراقبين الحاضن الأول لليمنيين غير المنتمين للتيارات والأحزاب الأيديولوجية.

واعتبر خبراء وقياديون في الحزب أن المؤتمر يمر في الوقت الراهن بأخطر مراحله منذ تأسيسه في أغسطس 1982 نتيجة الفراغ الهائل في قمة الهرم التنظيمي الذي خلفه مقتل مؤسسه ورئيسه علي عبدالله صالح وأمينه العام عارف الزوكا على أيدي الميليشيات الحوثية، مما أفضى إلى حالة تشظ غير مسبوقة.

 

مازال حزب المؤتمر الشعبي في اليمن يتخبّط في أزمته الداخلية التي شقّت صفوفه منذ عام 2011 وتغذّت حروبها بين قياداته بصفة أكبر بعد تصفية الحوثيين لمؤسسه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. وعقدت المشهد أكثر خاصة مساعي الرئيس اليمني الحالي (النائب السابق لعلي عبدالله صالح) لرص صفوف الحزب، وتقريب وجهات النظر بين الجناح المحسوب عليه في الداخل وبين جناح  قيادات الخارج الذين توزعت مواقفهم بين مقربين من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وبين من اختاروا الحياد بين التيارين، على مدى الأعوام الأخيرة.

أتت هذه الحالة من الانقسام كانعكاس مباشر للحرب والصراع بين الحوثيين والحكومة الشرعية وتوزع المواقف في واحدة من أعقد حالة اصطفاف سياسي وشعبي عرفها اليمن في تاريخه المعاصر.

رفض فكرة الانصهار

رغم موجات النزوح التي عانى منها حزب المؤتمر منذ اندلاع الاحتجاجات في مطلع العام 2011 مرورا بالحرب، إلا أن الاشتباكات العسكرية والتجاذبات السياسية التي شهدتها صنعاء في أواخر عام 2017 بين المؤتمر والحوثيين والتي انتهت بمقتل علي عبدالله صالح، تسببت في نشوء تيار جديد ومؤثر داخل حزب المؤتمر من الرافضين للانصهار في الشرعية بشكلها الحالي.

ويعتبر الرافضون لفكرة الانصهار أن الهيمنة في الحزب آلت لحزب الإصلاح والمتشبثين في نفس الوقت بوصية علي عبدالله صالح السياسية الأخيرة التي دعت أنصاره لمواجهة المشروع الحوثي في اليمن.

ويذهب العديد من المهتمين بالشأن اليمني إلى أن قدرة أي طرف على استمالة هذا التيار المؤثر ستكون عاملا مهما في تعزيز موقف أي من الفصيلين الرئيسيين في الحزب اللذين تتواجد قيادة أحدهما في الرياض، فيما مازال الفصيل الآخر يصر على البقاء في مناطق سيطرة الحوثيين، خصوصا بالعاصمة صنعاء، خوفا من الميليشيات أو طمعا في تحقيق بعض المكاسب الشخصية.

ومثّل لقاء الرئيس عبدربه منصور هادي، مؤخرا، بقيادات حزب المؤتمر في القاهرة، والذي جاء عقب لقاءات متعددة في الرياض وجدة، محاولة لإعادة ترتيب صفوف الحزب وكسر الحاجز النفسي الذي لا يزال يحول دون التحاق قيادات بارزة في المؤتمر بالشرعية أو مؤسساتها.

لكن، لم يحقق اللقاء اختراقا مؤثرا، في ظل مقاطعة قيادات بارزة في المؤتمر، مقيمة في القاهرة، للقاء ومعارضتها لخطى عبدربه منصور هادي تولي رئاسة الحزب وخلافة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.

وقلل أحد المشاركين، في تصريح لـ”العرب”، من إمكانية أن يكون مثل هذا اللقاء العابر قادرا على إحداث تحول يمكن أن يغير من تمترس الأجنحة في الحزب التي باتت تنتهج سياسات ومواقف متباينة إزاء الكثير من القضايا الفاعلة في المشهد اليمني.

أما بشأن أبرز ما دار في اللقاء، فقد أشار المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن برنامجه تضمن فقرة وحيدة تمثلت في كلمة مكتوبة للرئيس منصور هادي، اتسمت بلهجة تصالحية والدعوة إلى تجاوز الخلافات التي عصفت بالمؤتمر.

محمد علي علاو: أبرز شروط نجاح أي خطوة تصالحية إخلاص النوايا
محمد علي علاو: أبرز شروط نجاح أي خطوة تصالحية إخلاص النوايا

ولفت المتحدث إلى أن عددا من أبرز قيادات المؤتمر المتواجدين في القاهرة والذين ينتمون للصف الأول للحزب امتنعوا عن حضور اللقاء في مؤشر على عدم وجود تنسيق مبكر أو تطمينات كافية من قبل منظمي اللقاء.

وأضاف أن الأمين العام المساعد سلطان البركاني، كان أبرز من حضروا اللقاء من قيادات المؤتمر، بينما خلت القائمة من أسماء أخرى ذات ثقل، إلى جانب مشاركة قيادات سابقة من التي استقالت من الحزب في عام 2011 واتخذت موقفا مناوئا لسياساته إلا أنها تحاول اليوم العودة مجددا لتصدر المشهد في المؤتمر، وهو الأمر الذي عادة ما يثير استياء وحفيظة قطاع كبير من قواعد الحزب ويجعلهم يتبنون موقفا متشددا في العادة إزاء جهود التقارب مع التيار الذي يقوده منصور هادي.

وينظر جزء كبير من القاعدة الشعبية للمؤتمر إلى التيار الذي يقوده عبدربه منصور هادي بأنه لا يمثل رؤية المؤتمر التي تكونت خلال السنوات الأخيرة الماضية في خضم التحولات المتسارعة في بنية الحزب السياسية والشعبية بعد 2011.

وصفت مصادر سياسية مطلعة اللقاء بأنه كان بمثابة جس نبض من قبل عبدربه منصور هادي ومحاولة لإعادة التواصل المقطوع مع قطاع واسع من قيادات وقواعد المؤتمر بصفته رئيسا لليمن وليس رئيسا للحزب، حيث تجنبت الجهة المنظمة للقاء إضافة صفة الرئيس عبدربه منصور هادي كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام في اللافتة الرئيسية التي تم رفعها في القاعة والاكتفاء بصفته الرسمية كرئيس للجمهورية.

وحول خلفيات اللقاء ودلالاته في ما يتعلق بمسيرة المؤتمر الشعبي العام، قال عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر محمد علي علاو في تصريح لـ”العرب”، إن أعضاء المؤتمر لا يعارضون خطوات الرئيس عبدربه منصور هادي التصالحية داخل المؤتمر بصفته رئيسا للدولة، مستدركا “لكن نعتقد أن الخلاف كبير وأن أبرز شروط نجاح أي خطوة تصالحية إخلاص النوايا وألاّ يتم خلال هذه الفترة أي استهداف إعلامي أو سياسي من قبل الرئيس أو قيادات مؤتمر الخارج لقيادات الداخل حاليا وتحت أي ظرف”. وأضاف “كما يفترض عدم الحديث حاليا عن وضع قيادة المؤتمر الحالية بالداخل حتى يتم ترميم خلافات قيادات الخارج”، مشيرا إلى أن أهم نقطة مطلوبة لترميم الخلافات هي أن يرفع الرئيس عبدربه منصور هادي العقوبات الأممية عن السفير أحمد علي عبدالله صالح ويسارع لترتيب وضع تنظيمي لائق به وأيضا بوالده المؤسس وكذلك نجل الأمين العام الراحل عوض عارف الزوكا، تكريما لهما ولوالديهما.

واعتبر علاو أن “كل ذلك سيسهل مهمة التصالح الداخلي بنسبة كبيرة، علاوة على ترتيب وضع تنظيم لائق بالسفير بداخل المؤتمر وكل ذلك سيسهم في حلحلة الكثير من مشاكل الداخل وأيضا سيجسد التسامح ووحدة الصف الوطني لاستعادة اليمن خلف قيادة الرئيس عبدربه منصور هادي”.

فهد دهشوش: أتوقع أن يلملم المؤتمر جراحه ويستعيد أنفاسه
فهد دهشوش: أتوقع أن يلملم المؤتمر جراحه ويستعيد أنفاسه

ويشير علاو إلى أن نجاح أي محاولات للتصالح تعتمد على “إظهار احترام مكانة رموز وقيادات المؤتمر بالداخل باعتبارهم حاليا رهائن لدى الحوثيين وعدم الإساءة لهم أو النقاش حول أي مناصب قيادية حاليا داخل الحزب باعتبار أن الوضع مؤقت وقيادة الداخل تحافظ على كيان الحزب برغم قساوة الظروف المحيطة بهم، حتى استعادة اليمن الجمهوري، وبعد ذلك يمكن الاحتكام للوائح تنظيمية داخلية ناظمة وملزمة للجميع”.

توجس من التحالف مع الإسلاميين

يرى عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر أن تحركات عبدربه منصور هادي يجب أن تركز على “التفاهم مع قيادات المؤتمر بالخارج في الوقت الحالي على برنامج عمل وطني للتحرك تكون أبرز خطوطه العريضة عدم تكرار تجربة التحالف والشراكة الفاشلتين بين المؤتمر مع أي من حركات الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني إلى جانب رفض أي جهود يقودها بعض المنتسبين إلى تلك الحركات الإسلاموية كما لوحظ أخيرا بالقاهرة أو صنعاء”، لأنهم كما يقول علاو “يتفقون سرا على تدمير المؤتمر وتقسيم اليمن طائفيا عبر اتفاق سري خميني إخواني بتمويل قطري واضح للعيان ومنذ زمن بعيد”.

وتتهم قيادات بارزة في المؤتمر الشعبي العام جماعة الإخوان في اليمن بمحاولة التأثير على مجريات إعادة توحيد الحزب، عبر الزج بعناصر مقربة منها فكريا، للعودة إلى المؤتمر والانخراط في تكويناته،
بعد أن وجهتهم في أثناء الاحتجاجات الشعبية في العام 2011 بالانضمام لموجة الاستقالات التي ضربت الحزب والتي علق عليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح بقوله إن “الحزب تطهر من المندسين الذين كانوا في صفوفه”.

وتأتي محاولات الإخوان في سياق حملة موازية تقوم بها الجماعة الحوثية في صنعاء والتي عملت من خلال الضغط على قيادة المؤتمر المتواجدة في صنعاء لإصدار قرارات لتمكين موالين للحوثيين في قمة الهرم القيادي في الحزب.

ويفضل تيار ثالث في حزب المؤتمر تتواجد معظم قياداته في القاهرة، انتظار التحولات القادمة في المشهد اليمني والتركيز على وحدة المؤتمر والتعامل بحسن نية خصوصا مع قيادات المؤتمر المتواجدة في صنعاء على اعتبار أن قرارها مختطف من قبل الحوثيين، وفي نفس الوقت تبني الخطاب المعادي للميليشيات الحوثية الذي انتهجه مؤسس المؤتمر في آخر ظهور له قبل مقتله على أيدي الحوثيين.

ويعمل هذا التيار وفقا لمصادر سياسية على اتباع سياسة أكثر مرونة تجاه التحالف العربي والشرعية على قاعدة محاربة الانقلاب، لكنه يبدي تحفظا شديدا في ذات الوقت تجاه أي تقارب حزبي مع جناح عبدربه منصور هادي من دون أن يتم ذلك التقارب في إطار صفقة سياسية واضحة المعالم ومكتملة التفاصيل.

فهد طالب الشرفي: أكبر خطر يتهدد المؤتمر محاولة الحوثيين والإخوان اختراقه
فهد طالب الشرفي: أكبر خطر يتهدد المؤتمر محاولة الحوثيين والإخوان اختراقه

وبخصوص توقّعاته لمستقبل المؤتمر في ظل التحولات الحالية علّق القيادي في الحزب وعضو اللجنة العام فهد دهشوش متوقعا في تصريح لـ”العرب” “أن يلملم المؤتمر جراحه ويستعيد أنفاسه ليتصدر مجددا النضال في مرحلة التحرر وإعادة بناء الدولة وتعزيز قيم التعايش والسلام وإعادة الديمقراطية والجمهورية وترسيخ الوحدة الوطنية والعبور لمستقبل أفضل لليمن”.

وفي رؤية تبدو أكثر واقعية وصرامة لقراءة مستقبل المؤتمر الشعبي العام، يتوقع القيادي في الحزب فهد طالب الشرفي، أن يستمر وضع الحزب على حالة التشظي من دون أن ينفرط عقده كما يتوقع البعض.

وأضاف الشرفي في تصريح لـ”العرب” “رغم الأزمات العميقة التي يمر بها حزب المؤتمر إلا أنه يظل الصيغة الأكثر ملاءمة لمستقبل اليمن شريطة أن تؤول قيادته عقب الحرب إلى قيادات ووجوه جديدة باعتبار أن القيادة في الحزب أصبحت أكبر ثغرة تركها علي عبدالله صالح ومن الصعب سدها في ظل هذه الظروف والانقسامات”.

ويرى أن أكبر خطر يتهدد المؤتمر اليوم يتمثل في محاولة الجماعة الحوثية والإخوان اختراقه أو احتواءه، لكن وكما يقول، بعض قيادات المؤتمر وأغلب قواعده مازالوا يقفون عائقا أمام هذه المساعي.

ويرجع الشرفي أسباب صمود الحزب في هذه المرحلة الحرجة إلى طبيعة المؤتمر التي تشبه إلى حد كبير واقع اليمن اليوم، حيث يعانيان من أزمة قيادة ولكن العمق التاريخي والاجتماعي يحول دون انهيارهما بشكل كلي.

وأضاف “لكل هذه الأسباب لا أتوقع أن يتعافى المؤتمر قبل أن يتعافى اليمن لأن هناك تلازم كبير بين الحالتين؛ فالمؤتمر هو أشبه شيء باليمن المتنوع، المعقد، المتشابك والسهل الممتنع، لذلك يجب أن ننطلق في تفكيرنا لإنقاذ المؤتمر من قاعدة أننا نبرمج لإنقاذ اليمن وإلا فلن ننجح ونحتاج كتلة تاريخية بمشروع وطني يكون المؤتمر أرضيتها للانطلاق لإنقاذ اليمن وإن فعلنا هذا فبإمكاننا أن نقول إننا نخطو لإنقاذ المؤتمر باليمن واليمن بالمؤتمر”.

من جهته، يرى الباحث السياسي اليمني نجيب غلاب أن المؤتمر تلقى ضربات متلاحقة ومازالت مساعي تفكيكه وصولا إلى تهديم بقائه أهم أهداف الأحزاب الأصولية ومنظومات الربيع العربي، حيث ترى الجماعة الحوثية المؤتمر خطرا كبيرا على مستقبلها كما يراه حزب الإخوان الأقوى شعبيا والقادر على تحجيم تغلغلها في الدولة والمجتمع وتراه القوى الأخرى كخطر منافس لها.

نجيب غلاب: المؤتمر مازال حتى اللحظة بلا رؤية ودون مشروع جامع
نجيب غلاب: المؤتمر مازال حتى اللحظة بلا رؤية ودون مشروع جامع

وأكد غلاب أن هناك إجماعا غير معلن داخل الجماعات والتكوينات الطامحة على ضرورة تهميش وإضعاف المؤتمر، ويتبنى البعض لتقييد هذا المشروع سياسة قائمة على تدميره من داخله ومحاصرته وعزله وتشويه صورته، حيث يحمّله الإخوان كل ما جرى لتبرئة أنفسهم والحوثية كذلك لإسقاط صورته داخليا وخارجيا.

وعن أبرز المشاكل التي تواجه المؤتمر في الساحة اليمنية أوضح غلاب أن “مشكلة المؤتمر تكمن في أنه الحزب الوحيد الذي لا يمتلك ميليشيا وتأثيره على الجيش والأمن أصبح شبه منعدم وقوته مرتبطة بالاستقرار وكلما حضرت الدولة ستجد المؤتمر أكثر ثقة بوجوده وبمستقبله”.

كما يعاني المؤتمر اليوم، وفق غلاب، من مشكلة معقدة وهي “محاولة الاستيلاء على تركته وهذا يفسر الصراع عليه ومن أجله وضده، فبينما تعمل قوى المؤتمر المنقسمة على توظيفه باتجاهات ضيقة انتهازية تسعى الحوثية والإخوانية إلى استتباعه وتحويله إلى جناح تابع وقناع جديد لتنفذها”.

واعتبر غلاب أن المؤتمر مازال حتى اللحظة بلا رؤية وبلا مشروع جامع، مضيفا أن “مستقبل المؤتمر يرتبط بالتحول القادم فهو موجود وبقوة وتثبيت أركان الدولة بشكل طبيعي سيمكنه من استعادة عافيته، أما في ظل واقع الأخونة والحوثنة الجارية على قدم وساق فسيصبح أجنحة ملحقة لتغطية الجريمة”.