اختبار السياق الزمني..

مسودّات الأدباء بعد رحيلهم

محطّات متناثرة (لوحة: إبراهيم بريمو)

هيثم حسين

إلى أيّ حدّ تعبّر كتب بعض الأدباء التي تصدر بعد رحيلهم عن شخصيّاتهم الحقيقيّة؟ هل يحقّ للورثة أو القيّمين على إرث الأدباء نشر الأعمال التي لم يتمكّن أصحابها من نشرها في حياتهم، أو تلك المسوّدات التي لم يودّوا نشرها، أو كانوا مسكونين بنوع من التردّد حيالها؟

يفتح الحديث عن الكتب التي صدرت لأدباء بعد رحيلهم الباب واسعا أمام تساؤلات كثيرة عن وجوب نشر كلّ ما خطّه الراحلون، ولا سيّما إذا كانوا من مشاهير لهم بصماتهم وحضورهم المكرّس في تاريخ الأدب، وهل يكون الكتاب الذي يصدر للأديب بعد رحيله معبّرا عنه كما يجب، وبخاصّة أنّه يكتمل في غيابه، ويبقى متّسما بالنقصان من بعده، لأنّ صاحبه لم يضع عليه توقيعه ولم يعطِ موافقته النهائيّة على إطلاقه..
ربّما يقول بعضنا إنّ ما يخطّه الكاتب ويحتفظ به بين أوراقه قد يكون مادّة خاما يبقيها لحين توظيفها في مشروع من مشروعاته الأدبية التي يخطّط لها، وأنّه حين لم يسعفه الوقت بإنجازها، بقيت تلك الموادّ بصيغتها الأوّلية التي تحتاج إلى مراجعة الكاتب نفسه وتصقيله النهائيّ لها ليخرجها بحلّتها التي يريدها.
وربّما يقول آخر إنّ الكاتب لا يكتب إلّا بعد تخمّر للفكرة وتعتّق لها، وحين يسطّرها على أوراقه ويحتفظ بها، فإنّه في قرارته يكون قد هيّأها للنشر، أو تجاوز فيها مرحلة المسوّدة الأولى، وركنها في مكان ما بانتظار العودة إليها، ولأنّ الرحيل داهمه، فإنّ على ورثته والقيّمين على نتاجه إكمال رسالته، وإيصالها إلى القرّاء، وعدم التكتّم عليها أو حجبها لأنّها ليست ملكا لهم، بل هي جزء من تاريخ صاحبها الذي هو بدوره جزء من تاريخ الأدب في زمنه.
نتاجات المشاهير الأخيرة التي قد تصدر بعد موتهم تكون فرصة للناشرين لتحقيق مكاسب من ورائها، كما أنّها فرصة للقرّاء للاطلاع على المزيد من قبل الراحلين
لا يخفى أنّ الكتب التي تصدر بعد رحيل أصحابها تكون عرضة للتشكيك من قبل البعض، ولا سيّما من أولئك الذين ينظرون بقدسيّة إلى كتّابهم الراحلين، والذين قد تنتابهم الخيبة أو الصدمة حين يطّلعون على نتاج ربّما يكون هزيلا، لأنّه يكون في صيغة مسوّدة، أو يكون تجميعا لمحطّات متناثرة من حياة أصحابها أو متفرّقات من أوراقهم المحفوظة في أدراج مكتباتهم.
قد يقع القارئ والباحث في جدال عن أحقية نشر أوراق الأدباء الراحلين أو مسوّداتهم أو لا، لكن ما يثير الانتباه هو أنّ بعض الأعمال الأخيرة قد تكون من الأعمال الأولى التي كانت ضائعة وتمّ العثور عليها، وهنا يكون الدارس أمام اختبار السياق الزمني، وقراءة العمل بعين معاصرة، من دون إهمال ملابساته وما إذا كان صاحبه راضيا تمام الرضا عنه بصيغته تلك، أم أنّه كان ينوي إدخال تعديلات عليه..
لا يخلو الأمر من جانب تسويقيّ وتجاريّ، ذلك أنّ نتاجات المشاهير الأخيرة التي قد تصدر بعد موتهم تكون فرصة للناشرين لتحقيق مكاسب من ورائها، كما أنّها فرصة للقرّاء للاطلاع على المزيد من قبل الراحلين، وهنا يكون تقاطع الفائدة والانتفاع بين الناشرين والقرّاء والدارسين، لكنّ السؤال الذي يظلّ معلّقا والذي يبقى موضع اجتهاد وتأويل هو ما رأي الأدباء الراحلين في أعمالهم التي نشرت بعد موتهم؟ وهل تعبّر عنهم كما يجب أم أنّها تعبّر عن ناشريهم وورثتهم أكثر منهم؟