الحرب في اليمن..

تحليل: من هم المحاربون الحقيقيون للإرهاب في جنوب اليمن

جندي من قوات الحزام الأمني على متن مركبة عسكرية في الطريق نحو أبين لقتال القاعدة - وكالات

سلمان صالح
مراسل ومحرر متعاون مع صحيفة اليوم الثامن

نشرت وكالة "أسوشيتد برس" تقريرا تعاطت معه قطر بشكل واسع في اطار حربها الإعلامية ضد جيرانها، وهي الحرب التي يقول سياسيون إن الدوحة تخوضها نيابة عن طهران، صاحبة احلام "الخليج الفارسي".

وزعم التقرير الذي اعده صحافي حوثي يدعى محمد الديلمي زار الدوحة مؤخرا ضمن فريق اعلامي حوثي ابرزهم مدير قناة المسيرة الحوثية إبراهيم الديلمي "إن التحالف العربي الذي تقوده السعودية عقد تحالفات مع تنظيم قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية"؛ الامر الذي اثار موجة جدلا واسعاً.

 (اليوم الثامن) تقصت خفايا واسرار التقرير وما ورد فيه من مزاعم، وتضع تساؤلا عرضاً فيما اذا تبقت هناك مصداقية لهذه الوكالات والمنظمات الدولية، ام أنها اصبحت اداة بيد من يدفع أكثر؟.

وقالت وكالة "أسوشيتد برس" في تقرير وصف بأبنه نتاج استراتيجية قطرية بين الحوثيين والإخوان "إن التحالف العربي جند عناصر من القاعدة ضمن قوات الحزام الأمني"، وهي قوات متخصصة في مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن.

التقرير أعده الصحافي الحوثي محمد الديلمي الذي تشير المصادر إلى انه زار الدوحة ضمن فريق اعلامي حوثي بينهم قريبه ابراهيم الديلمي رئيس مجلس ادارة قناة المسيرة الحوثية، حيث زعم ان الامارات الشريك الفاعل في التحالف العربي عقت صفقات مع عناصر تنظيم القاعدة، الأمر الذي اثار حالة من السخرية.

وقال مسؤولون أمنيون في قوات الحزام الأمني بأبين لـ(اليوم الثامن) "إن قوات الحزام الأمني وبدعم واشراف إماراتي تمكنت من تطهير كامل تراب أبين من أي جماعات مسلحة إرهابية حاولت زعزعت أمن واستقرار عروس البحر العربي".

وأكد مسؤولون وزعماء قبائل "أن العمليات الأمنية في أبين تمكنت من ضبطت عناصر خطيرة، متورطة في هجمات إرهابية".

وكانت محافظة أبين قد سقطت كليا بالتزامن مع سيطرة الحوثيين الموالين لإيران على الجنوب اليمن، وهي السيطرة الحوثية التي دامت لنحو أربعة اشهر انتهت بطرد الانقلابيين من المحافظة إلى بلدة مكيراس الحدودية، غير ان أبين ظلت تعيش فراغا أمنيا، أستمر حتى أواخر العام 2016م، حين بدأت قوات التحالف العربي تدعم معركة تحرير المحافظة وتأمينها من العناصر الإرهابية التي تقود السعودية قائدة التحالف انها جماعات إرهابية تمولها الدوحة، ضمن حربها ضد جيرانها الذين يقودون حربا لكبح جماح إيران في السيطرة على الخليج العربي.

وسخرت قطر كل جهودها لدعم الحوثيين والجماعات المسلحة في الجنوب، في سبيل افشال التحالف العربي الذي كانت جزءا منه قبل ان تتم مقاطعتها قبل أكثر من عام.

ودحضت معلومات وتقارير صحافية سابقة تلك المزاعم التي وردت في تقرير المنظمة، فيما أكد تحقيق ميداني أجرته "اليوم الثامن"، بالنزول إلى أبين عدم صحة تلك المعلومات، حيث أكد زعيم قبلي في أبين ان لا صحة لوجود أي صفقات.. مشيرا إلى أن أبين عانت الأمرين من العناصر المسلحة وأنها أول من هب لمحاربة هذه الجماعات في العام 2011م.

وأضاف الزعيم القبلي في حديث لمندوب الصحيفة "نحن في أبين أكثر من دفعنا ثمن الصراع في اليمن، ومن أبرز أدوات الصراع هذا عناصر ما يطلق عليها بأنصار الشريعة، وهي مجموعات مسلحة بعضها ينتمي الى قبائل ابين والبعض الاخر من محافظات يمنية وأجانب، لكن نستطيع التأكيد ان أبين اليوم ترفض الإرهاب، وترفض الانخراط في مشاريع لم تجلب لنا سوى الدمار والقتل".

وأضاف "يمكنكم النزول ورصد ما دمرته الحرب مع القاعدة، هنا في العاصمة زنجبار دمر نحو 12 ألف منزل، كانت قوات مهدي مقولة، تقصف مساكن المدنيين، عوضا عن قصف مواقع القاعدة"؛ مقولة قائد عسكري شمالي موال للانقلابيين.

في الطريق صوب ملعب الشهداء، ملعب رياضي أنشئ قبل الوحدة اليمنية، يشير الزعيم القبلي الذي اخذنا بسيارته الخاصة، هنا دارت مواجهات بين قوة من الأمن اغلب عناصرها محليون من أبناء أبين وأخرون شماليون وجنوبيون، يشير نحو سنترال اتصالات، هنا قاتل ثلاثة شبان من أبناء ردفان بشراسة في مواجهة العناصر الإرهابية، لكن عملية سقوط ابين بيد تلك الجماعات، كانت انتقامية، عقب اختلاف الأطراف اليمنية في صنعاء، او ما عرف بثورة الشباب.

تابع بالسير في ازقة المدينة التي تبدو كقرية ريفية لم يطلها أي اعمار منذ عقود، "سقوط ابين بيد القاعدة، كان بطريقة مسرحية، بل كانت عناصر من الأمن الشمالي والقوات الشمالية هي من ساهمت في اسقاط العاصمة زنجبار وتشريد أهلها".

أوقف السيارة ثم أشار بيده إلى فتحة في الأرض، من هنا كانت امدادات القاعدة تصلهم من قيادة اللواء في الجهة الشرقية، هذا اللواء الذي هو السبب الرئيس في تدمير ابين بالإضافة الى قوات مهدي مقولة، فهذا اللواء يقوده جنرال عسكري موالي للجنرال علي محسن الأحمر نائب الرئيس اليمني الحالي والذي يعد أحد أبرز محركي العناصر الإرهابية في اليمن منذ أكثر من 30 عاما بداية من أفغانستان وإلى اليوم".

ويضيف "لو تلاحظ ان الناس هنا تعاني من أزمة نفسية، هنا الناس تعرضت للقهر والقتل والتدمير، هنا في العاصمة والبلدات الريفية قتل الناس على الطرقات دمر كل شيء في ابين نحن نتعرض لمؤامرة كبيرة ودولية".

وعن محاربة الناس لهذه الجماعات، يقول أبينيون إن القبائل انتفضت ضد هذه الجماعات المسلحة وذلك في اعقاب التعدي على المواطنيين وقتلهم وسحلهم في الشوارع.

في الطريق إلى جعار، هنا قتل العشرات من شباب البلدة الريفية المجاورة للعاصمة زنجبار، الجميع غير راض عن حكم السلطة المحلية، فالقبضة الأمنية التي فرضتها قوات الحزام الأمني لا تكفي، الناس تريد خدمات.

عبر مواطنون عن امتنانهم لدول التحالف العربي في دعم مشاريع المياه والكهرباء ومحاربة الجماعات الإرهابية، لكنهم يسخرون من أداء السلطات المحلية التي يترأسها الجنرال أبو بكر حسين سالم.

جعار كان إمارة إسلامية اطلق عليها وقار، لكن في الأونة الأخيرة باتت مؤمنة بشكل جيد من قبل أبناء البلدة الريفية الذين انخرطوا في صفوف قوات الحزام الأمني.

وقوات الحزام الأمني قوات جنوبية أنشأت في اعقاب التحرير للمحافظات الجنوبية من مليشيات الحوثي الانقلابية، لكن هذه القوات تتعرض لحرب إعلامية وسياسية شعواء يدير جزء من هذه الحرب محسوبون على حكومة الرئيس اليمني الانتقالي عبدربه منصور هادي، في محاولة لتفكيك هذه القوات التي حققت انتصارات كبيرة ضد القاعدة في عدن وحضرموت ولحج وشبوة وأبين.

وسعت حكومة هادي التي يتحكم فيها تنظيم الإخوان الموالي لقطر إلى تقديم رسالة إلى مجلس الأمن تصف قوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية بأنها قوات عسكرية خارج سيطرة الدولة، ناهيك عن صدور تقارير وصفت بالمسيسة، اتهمت هذه القوات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانشاء معتقلات سرية، وهو ما نفت لاحقا وزارة الداخلية اليمنية.

وحررت قوات النخبة بدعم من القوات الإماراتية مدينة المكلا العاصمة الإقليمية لحضرموت التي احتلها تنظيم القاعدة، فيما يقول مسؤولون إن احتلال المكلا تم بتوجيه من الانقلابيين في صنعاء.

ونهب التنظيم المليارات من عائدات الموانئ وغيرها من الاستثمارات، غير ان عملية عسكرية اطلق عليها الفيصل انهت سيطرة التنظيم.

واعلن مسؤولون في قوات النخبة ان نحو 800 عنصر من القاعدة قتلوا في تلك العملية التي اشترك فيها إلى جانب قوات البرية طيران عسكري قصف مواقع وتحركات التنظيمات.

وفي مطلع مارس من العام 2018م، أطلقت قوات الحزام الأمنى بدعم من قوات التحالف العربى عملية “السيل الجارف”، لتطهير بلدتي (المحفد) و (وادى حمارا) آخر معاقل الجماعات الإرهابية فى محافظة أبين من جيوب وأوكار مسلحى عناصر تنظيم “القاعدة".

وأكدت وسائل إعلام دولية "أن قوات الحزام الأمنى نفذت خطة عسكرية محكمة شملت حملات دهم للعناصر والجيوب الإرهابية فى محافظة أبين اليمنية، فى إطار استمرار عملية “السيل الجارف” فى ملاحقة عناصر التنظيم بمديرية (المحفد) والتى تعد أكبر معاقل “القاعدة” فى أبين، حيث كانت هناك معسكرات تدريبية فى جبال المنطقة للتنظيم.

البيان أشار إلى أن العملية أسفرت عن مقتل قيادى “القاعدة” الملقب بـ”أبو محسن باصبرين” بعد مواجهات مع قوات الحزام الأمنى، وتكبيد العناصر الإرهابية خسائر فادحة فى العتاد والأرواح، بالإضافة إلى إلقاء القبض على عنصرين خطيرين ضمن قائمة المطلوبين، كما تمكنت القوات من اقتحام المواقع التى كانت تتحصن بها عناصر تابعة لتنظيم القاعدة فى مديرية المحفد ووادى حمارا الواقع فى محافظة أبين وتطهيرها.

“السيل الجارف” تعد العملية الثانية ضد عناصر القاعدة في اليمن بعد عملية “السيف الحاسم” التي انطلقت يوم 18 فبراير الماضي، تحت قيادة التحالف العربي، ضد تنظيم “القاعدة” بمديرية الصعيد بمحافظة شبوة جنوب اليمن، والتي أسفرت بعد ساعات من انطلاقها عن سيطرة قوات النخبة الشبوانية المدعومة من التحالف العربي، على كامل منطقة “شبوة”.

وسبق عملية السيل الجارف عملية عسكرية في حضرموت، حيث تمكنت  قوات النخبة الحضرمية  من تحرير “وادي المسيني” في محافظة حضرموت شرق عدن بعد طرد تنظيم القاعدة منه، حيث كان التنظيم يسيطر على الوادي، ويتخذ منه مكانا للتدريب وانطلاق عملياته إلى مدن حضرموت وشبوة التي يربطها وادي المسيني.

ووفقًا لدراسة حديثة صادرة عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، للمؤلف عمر بشير الترابي تحت عنوان “الجهود غير العسكرية لمواجهة الإرهاب في اليمن”، نشر في 26 فبراير 2018، فإن ظروف عديدة أسهمت في تعقيد ملف نشوء القاعدة من جهة والحوثي من جهة أخرى في اليمن ولما جاء التدخل العربي في اليمن وجد نفسه أمام مشكلة مركبة إذا رأى الانتظار لحلها.

وتقول الدراسة أن التحالف العربي في اليمن يؤمن بقيمة الجهود غير العسكرية في ترجيح كفة ميزان النصر أو الهزيمة على الأرض، لضمان استقرار اليمن وتحقيق الأمن الإقليمي؛ إذ اكتسبت دول التحالف من سيرتها في مكافحة الإرهاب خبرةً تجعل اهتمامها بالتماسك المجتمعي وتحقيق الرضا الشعبي وحراسة الدولة، أولوية تمضي باتساق مع الجهود العسكرية لدحر هذا التنظيم الإرهابي أو ذاك.

كما تحدثت الدراسة عن أهمية تفكيك التركيبة الإرهابية داخل الأراضي اليمنية كحل جذري لإستئصال التنظيم، وأشارة إلى انطلاق مبادرات كبيرة في الجنوب اليمني، وفي بعض الجزر السياحية. والموانئ، والمدارس، والمنح، كلها محطات خُلقت عبرها وظائف ومصادر للأمل. أغلب هذه المبادرات انطلق من رؤية عروبية ومبادرات أخلاقية صرفة.

وأيضًا اتّسق مع استراتيجية تقليل الغضب الشعبي، وتفكيك مصادر الاحتقان، ومنح الأمل للشباب، وتقديم ما يمنعهم من الانسياق وراء التيارات العنفية.

وانتهت الدراسة إلى أن اليمن يحتاج لمساعدات عاجلة، وأي جهود تصب في اتجاه تخفيف عناء الإنسان هناك يجب دعمها وتسهيلها وتقديمها في إطارها المناسب. ولا يوجد أهم من مجالات الصحة والتعليم والغذاء، وهي المجالات التي سارعت الإمارات إليها، فوجدت الإشادة والتقدير.

 ما يمكن إدراكه من هذه الرحلة أنّ كل الجهود العسكرية وغير العسكرية للإمارات، تتلاقى في نيتها وسلامة طويتها مع طموحات المواطن اليمني الذي يأمل الخلاص من سهام الواقع المزري وجماعات الإرهاب القاعدي والحوثي.

وعلى النقيض من ذلك، تقف قوى يمنية وإقليمية في مساندة التنظيمات الإرهابية، وفي طليعة هذه القوى تقف قطر الراعي الرسمي لتنظيم الإخوان الذي يعتبر تنظيم القاعدة أحد اجنحته المسلحة، وهو ما ناقض نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" التي زعمت عن وجود صفقات ابرمتها قوات الحزام الأمني مع عناصر القاعدة، وهو ما لم يسبق الاشارة اليه في أي تقارير محلية، غير ان ما يمكن الاشارة اليه او التأكيد عليه هي صفقات التبادل بين القاعدة والحوثيين، حيث تفيد مصادر عديدة ان عناصر القاعدة تمكنوا من الافراج عن قيادات بعضها اعتقل قبل العام 2011م، وظلت في السجن الى ان تم الافراج عنها مقابل الافراج عن قيادات حوثية أسرت خلال الحرب في محافظات البيضاء وتعز وشبوة.

وأطلق الحوثيون في صفقة شهيرة سراح أكثر من 100 عنصر من تنظيم القاعدة بينهم قيادات مطلع العام الجاري، فيما كانت وسائل إعلام إخوان اليمن وأبرزها قناة بلقيس التي تبث من تركيا قد شككت في جدية الحرب على القاعدة.

وعبرت القناة في تقرير للإعلامي ياسين التميمي عن استغرابها من عملية الانهزام السريع لعناصر القاعدة، قبل ان يصدر تقرير وكالة أسوشيتد برس ليزعم عن وجود صفقات بين القوات الأمنية وعناصر القاعدة، وهو التقرير الذي أعده احد الصحافيين الحوثيين عقب زيارته لقطر.

ولم يشر التقرير الى عقوبات الخزانة الأمريكية التي فرضت عقوبات على مسوؤلين بارزين في تنظيم الإخوان ابرزهم محافظ الجوفي والبيضاء وقيادات عسكرية مقربة من نائب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.

ويرى مسؤولون أمنيون إن الحرب المناوئة التي تقودها قطر لدعم التنظيمات الإرهابية في الشمال والجنوب، لن تحقق لقطر مبتغاها، فالمقاطعة والادلة التي قدمتها الدول الداعمة لمكافحة الارهاب كفيلة بأن دفع قطر للرضوخ وترك عملية تمويل الارهاب في المنطقة.

وتقاطع دول عربية هي السعودية والامارات ومصر والبحرين، الدوحة المتورطة في تمويل الارهاب في المنطقة العربية واليمن على وجه التحديد، فيما تمضي الدوحة في نشر تقارير تشكك في جدية الدولة هذه في محاربة الإرهاب، لكن عقوبات الخزانة الأمريكية ربما تؤكد الطرف الاقليمي الذي يسعى لتمويل الإرهاب واستخدامه في ضرب الاستقرار في جنوب اليمن والمنطقة العربية برمتها.