صالح الكويتي تألم أكثر من فاغنر..

خيبات سياسية تفسد الفن والموسيقى

لن يتراجع الوله بالحان صالح الكويتي

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

لن يشعر المؤلف الموسيقي ريتشارد فاغنر في رقاده لو تسنى له أن “يعرف” أن الإسرائيليين يحاصرون موسيقاه ويعدونها من بين المحرمات التي تصنف ضمن كراهية السامية! بقدر الألم الممضّ الذي كان يشعر فيه الموسيقار العراقي اليهودي صالح الكويتي وهو يستمع من دكانه الصغير في تل أبيب إلى الإذاعة العراقية تبث ألحانه بصوت زكية جورج وسليمة مراد وعفيفة اسكندر، من دون اسمه المحظور حتى رحيله عام 1986.

بالأمس اعتذرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية عن بث مقطوعة موسيقية من أوبرا ريتشارد فاغنر “غسق الآلهة” لكون مثل هذا الأمر يعد من المحرمات والأخطاء التي لا تغتفر عند بث مؤلفات الموسيقي المفضل لأدولف هتلر.

ومع أن الجدل على بث والاعتذار لاحقا عن مقطوعة “غسق الآلهة” لم يعد ذا أهمية بغير كلام المحامي جوناثان ليفني رئيس جمعية فاغنر في إسرائيل بقوله “نحن لا نذيع آراء هذا المؤلف الموسيقي، وإنما نذيع موسيقى رائعة ألفها”.

وأضاف ليفني الذي كان أبوه أحد الناجين من الهولوكوست “من يريد ألا يستمع إلى الموسيقى، فليسكت المذياع”. فمن يعتذر اليوم لصالح الكويتي العراقي الذي دوزن الوجع والحنين ورحل من دون أن ترحل بغداد عن وجدانه، ما تفعله إسرائيل اليوم مع فاغنر هو كما كانت تفعله بغداد وهي تسقط اسم صالح الكويتي من أغانية التي كانت تدور في الإذاعة العراقية ليلا ونهارا.

تسنى لي أن استمع إلى أكثر من عشر ساعات مسجلة بصوت صالح الكويتي وفرها لي شلومو نجل الموسيقار الراحل وأنا أحاوره عن سيرة أبيه الضائعة بين العراق وإسرائيل.

لم يتأس صالح الكويتي عن كل ما كان يستعيده في الذاكرة من أيامه الآفلة في العراق، بغير الألم وهو يستمع إلى المذيعة العراقية تقدم “الهجر مو عادة غريبة” أو “أنا من أقول آه” بجملة اللحن من التراث العراقي، بينما أغنية “تآذيني” تجمع كل أذى السنين عندما يسقط اسم صالح منها، فمن لزكية جورج بالقلب الرؤوم الهائم كي يسمعها. كان يتساءل بحسرة لماذا؟ أنكم يا أهلي في العراق تريدون قطع نبضي بحذف اسمي من ألحاني، ويقارن نفسه بالحان ناظم نعيم إلى صوت ناظم الغزالي، ويقول هو هاجر إلى أميركا وبقي اسمه على ألحانه في العراق وأنا أرغمت على الهجرة إلى إسرائيل وأزيل اسمي من ألحاني.

يا لخيبات السياسية عندما تفسد الفن، وتجعل من الموسيقى الهائمة شعارا سياسيا هزيلا، تريد إسكات الحلم الذي ينبض في أرواحنا ومعاملته كمنشور رث يحرض على الانقلاب العسكري! ويا لخيبات السياسة أينما كانت هنا أو هناك، عندما تتطفل على الفن وتصنفه معها أو ضدها.