تفاؤل في غير محله..

تركيا تخسر أمريكا.. ولا تربح روسيا!

الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان

حتى وقت قريب، كانت تركيا تعد مثالاً لدولة حليفة للناتو، ولكنها باتت اليوم أشبه ببعبع وسط دوله. وترتفع بازدياد أصوات، من داخل تركيا وخارجها، تتساءل عما إذا كان الوقت قد حان للخروج من الحلف.

لا تعد روسيا ولا إيران حليفاً طبيعياً لتركيا، و لن أنقرة لا تستطيع تجاهلهما

ويشير سليم سازاك، باحث تركي، وطالب دكتوراه في العلوم السياسية لدى جامعة براون الأمريكية، إلى آراء من يتجاهلون تلك الهواجس باعتبارها مجرد زوبعة في فنجان. وكان من أبرز هؤلاء الكاتب خليل كارافيلي، الذي كتب مؤخراً في مجلة "فورين بوليسي"، معتبراً تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقطع علاقاته مع الولايات المتحدة بمثابة جعجعة فارغة لا أكثر، وهي نتيجة ضغوط من تحالفه الانتخابي، وأن أنقره ستفعل كل ما بوسعها لاستعادة تلك العلاقة.

تفاؤل في غير محله
إنه، حسب كاتب المقال، تحالف في غير مكانه، لأن الناتو بات محل خلاف لدى أصدقاء أردوغان وخصومه على حد سواء. كما أظهرت استطلاعات للرأي بأن 18٪ فقط من الأتراك راضون عن سياسة الولايات المتحدة، فيما يعتبر 72٪ منهم أنها تمثل خطراً كبيراً على بلدهم. وأصبح تحالف الناتو عرضة للانقسام، ويتطلب إنقاذه عملاً دؤوباً وصبراً وجهوداً كبيرة.

جزء من المشكلة
ويرى كاتب المقال إن أردوغان يمثل جزءاً من تلك المشكلة. وبعدما كان مفضلاً لدى الغرب، يقيم اليوم علاقات وثيقة مع بعض من أسوأ زعماء العالم، وأصبح يشبههم. وقد ضعفت المؤسسات الديمقراطية التركية، وتراجعت الحريات، وتوثقت علاقات تركيا بروسيا أكثر من أي وقت مضى، في ظل وصول العلاقات مع الولايات المتحدة إلى الحضيض، فضلاً عن توترها مع باقي دول أوروبية عدة.

أزمة قديمة
ولكن، باعتقاد كاتب المقال، ترجع أزمة تركيا مع الغرب لتاريخ أسبق من عهد أردوغان. وهو ما أذكى لهب حرائق بدأت منذ بعض الوقت.

وانضمت تركيا لعضوية التحالف الغربي من باب الضرورة. فقد سادت، بين أوساط اليسار واليمين التركي، مشاعر جفاء حيال الناتو. كما كانت استراتيجية الحلف، حتى في أفضل الأوقات، متناقضة بدرجة ما مع هواجس تركيا الأمنية. وخلال الحرب الباردة، اقتصر الدور الذي خصص لتركيا على التضييق على البحرية السوفييتية في البحر الأسود، ومحاصرة قوات حلف وارسو بمحاذاة الخاصرة الجنوبية للناتو، وكنقطة انطلاق لقوة مضادة للاتحاد السوفييتي.

تعديل الصورة
ومع نهاية الحرب الباردة، رأت أنقره وجوب تعديل تلك الصورة. وعندها اعتقد الرئيس تورغوت أوزال أن تركيا قادرة على إثبات جدارتها كحليف، وأنه سيكون لها كلمة أقوى في كيفية رسم الولايات المتحدة السياسات في المنطقة. بعدما أصبحت زعيمة القطب الأوحد في العالم.

ونتيجة له، كان أوزال من أشد الداعمين لعملية عاصفة الصحراء، وفتح قاعدة إنجرليك الجوية أمام جنود أمريكيين، بل نقل 100 ألف جندي تركي من الحدود مع بلغاريا إلى الحدود العراقية.

خسارة
إلا أن تركيا تكبدت خسائر عوضاً عن أن تحقق مكاسب. فقد أدى حظر أمريكا الطيران فوق شمال العراق لتحويل تلك المنطقة إلى دولة كردية حقيقية بحماية الطيران الأمريكي والبريطاني. كما أصبحت المنطقة نقطة انطلاق لهجمات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي.

وبالنظر لأكثر الجوانب المثيرة للجدل في السياسة الخارجية التركية، الوجود العسكري في سوريا، وصفقة S-400 لشراء نظام دفاع صاروخي روسي، فهي تهدئ من بعض هواجس أنقره الأمنية.

ويقول الكاتب إن واشنطن وحلفاءها سمحوا، منذ عشرات السنين، لعناصر من حزب العمال الكردستاني(بي كي كي) بالتحرك بحرية في دولهم، ولم يدركوا إلا بعد حين، أن بي كي كي معادٍ أيضاً للناتو فأدرج اسمه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.

أبعاد هائلة
إلى ذلك، يحذر كاتب المقال من خطر ابتعاد تركيا عن الغرب، ويرى أنه سيكون خطأ جيوسياسياً ذا تداعيات هائلة.

وفي الوقت نفسه، لا تعد روسيا ولا إيران حليفاً طبيعياً لتركيا، كما يدرك عدد من المسؤولين في أنقره، وكما أشار إليه كارافالي في مقاله. لا تستطيع تركيا تجاهل تلك الدول، لكنها لن تكون سعيدة في صداقتهم.