إيران ترد على لسان نصرالله..

رسالة نصرالله تمهد الطريق أمام روسيا لتقديم التنازلات

إشعار إيراني لم يحن بعد

بيروت

استخدمت إيران حزب الله اللبناني من أجل تأكيد أن لا رغبة لديها في الانسحاب عسكريا من سوريا. وجاء الردّ الإيراني على الدعوات الأميركية والإسرائيلية إلى الانسحاب من سوريا عن طريق الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي قال في خطاب ألقاه، الأربعاء، في بيروت إنّ حزبه باق في سوريا “حتى إشعار آخر” وذلك على الرغم من تراجع حدّة القتال.

وربط في الخطاب، الذي ألقاه عشية إحياء ذكرى عاشوراء، بين البقاء عسكريا في سوريا ورغبة النظام السوري في ذلك، في الوقت الذي بلغ فيه التصعيد مع إسرائيل مرحلة جديدة بحديث نصرالله عن صواريخ دقيقة وصلت إلى حزب الله، وتأكيد إسرائيل أنها لن تسكت على التلميحات التي وردت في خطابه وحملت تهديدا إيرانيا مباشرا لها.

وفي خطاب متلفز أمام المئات من مناصريه في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزبه، عشية إحياء الطائفة الشيعية ذكرى عاشوراء، قال نصرالله “نحن باقون هناك حتى بعد التسوية في إدلب والهدوء في إدلب (..) باقون هناك حتى إشعار آخر”.

وأوضح أن “هدوء الجبهات وتراجع التهديدات سيؤثران بطبيعة الحال على الأعداد (المقاتلين) الموجودة” لافتا في الوقت ذاته إلى أن ارتفاع العدد أو انخفاضه مرتبط “بالمسؤوليات وبحجم التهديدات والتحديات”.

وذكرت مصادر سياسية أن السبب الذي يدعو إيران إلى تفادي الإعلان علنا ومباشرة عن رغبتها في البقاء عسكريا في سوريا يكمن في عدم رغبتها في إفشال مهمّة الوسطاء الذين كلفتهم بالسعي لدى الولايات المتحدة من أجل تحسين العلاقات معها. وكشفت أن على رأس هؤلاء الوسطاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيلتقي قريبا على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة كلا من الرئيس دونالد ترمب والرئيس الإيراني حسن روحاني.

وكشفت هذه المصادر أن إيران بعثت برسالة إلى ماكرون عبر شخصية عالمية التقت الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه الثلاثاء الماضي. وتضمنت الرسالة دعوة إلى فرنسا كي تطلب من ترامب تفادي المزيد من التصعيد مع إيران.

من جهة أخرى، ذكرت المصادر نفسها أن الهدف من إعلان نصرالله رفض الانسحاب من سوريا، مع ما يعنيه ذلك من إصرار إيراني على البقاء عسكريا فيها، يستهدف طمأنة الجمهور الشيعي في العراق ولبنان خصوصا.

وقالت إن إيران، التي تشعر بقلق على مستقبل ميليشياتها في لبنان والعراق في حال قبلت الانسحاب من سوريا، تريد تأكيد أنّ المحور الذي تتزعمه في المنطقة لم ينهزم. ولاحظت المصادر تشديد نصرالله في خطابه على هذه النقطة بالذات إذ قال “إن إسرائيل تعرف أن محور المقاومة عائد أقوى من أي زمن مضى”.

واتسم خطاب الأمين العام لحزب الله بلهجة تحدّ استهدفت التغطية على اهتزاز صورته في الأوساط الشيعية اللبنانية. وظهر ذلك من خلال تشديده على أهمّية مكافحة الفساد في لبنان واعترافه في الوقت ذاته بحصول حالات فساد في بيئة حزب الله نفسها. وذكر في هذا المجال أن الحزب كافح هذه الحالات من دون ضجة وذلك “تفاديا للتشهير” بعائلات المتورطين بالفساد.

واعتبرت المصادر السياسية في بيروت أنّه على الرغم من أنّ نصرالله حرص على حضور المئات من مناصريه مناسبة إلقائه لخطابه عبر شاشة كبيرة ورفع هؤلاء قبضاتهم بين وحين آخر مرددين شعار “لبّيك نصرالله”، فإن الارتباك بدا على وجه زعيم حزب الله.

وأعطت هذه المصادر دليلا على ذلك اضطراره إلى التطرّق إلى ممارسات لم يسبق له أن أتى على ذكرها مثل التجارة بالمخدرات أو تبييض الأموال، وهي ممارسات يتهم الشيعة العاديون واللبنانيون عموما حزب الله باللجوء إليها من أجل جني الأموال وتمويل حربه في سوريا بعدما خفت المساعدات المالية الإيرانية المباشرة.

ووصفت إيران الاتفاق بأنه نتاج لـ”دبلوماسية مسؤولة”، لكن خطاب نصرالله أظهر مدى “الاستفزاز″ الذي يسيطر على طبقة صنع القرار في طهران من هذا الاتفاق.

ورسالة نصرالله بالبقاء في سوريا، بعد أيام قليلة من تبلور الضغوط الغربية على روسيا في شكل اتفاق ينهي ضمنيا الوجود الإيراني في شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية، ويمهد الطريق أمام تقديم روسيا تنازلات أكبر باتجاه السماح لإسرائيل بتصعيد وتيرة استهدافها للمصالح والميليشيات الإيرانية في سوريا.

وأقلق ذلك طهران كثيرا، خصوصا بعد سرعة رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاحتواء الموقف مع إسرائيل، بعد إسقاط الدفاعات السورية طائرة استطلاع روسية، الثلاثاء، واتهمت وزارة الدفاع الروسية طائرات إسرائيلية، كانت تقوم بعملية في اللاذقية، بالتسبب في إسقاطها.

وعلى الفور رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على نصرالله ملوحا بخيار الحرب ضد إيران. وقال نتنياهو في مراسم أقيمت في مدينة القدس لإحياء ذكرى الجنود الذين قتلوا في حرب عام 1973 مع مصر “علينا أن نبذل كل جهد ممكن من أجل تجنب الحرب، ولكن إن فرضت الحرب علينا، سنتحرك بكل قوتنا ضد أولئك الذين يريدون القضاء علينا”.

وأضاف “إيران تقود اليوم تلك القوى في الشرق الأوسط، وهي تمارس عدوانا يدعو على الملأ إلى تدمير إسرائيل، من واجبنا الدفاع عن أنفسنا من هذا الخطر وسنواصل القيام بذلك”.

وكانت إسرائيل من بين أكثر القوى ارتياحا لاتفاق إدلب بين أنقرة وموسكو.

ويقول مراقبون إن تصريحات نصرالله توحي بأن “إيران تبعث برسالة مختلفة إلى روسيا عن تلك التي تريد إيصالها إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن في النهاية إيران تعلم أن كل طرف فيه رابحون وخاسرون، وهي الطرف الوحيد الخاسر من اتفاق إدلب”.

وأضافوا أن “تصريحات نصرالله تكشف بوضوح نوايا إيران لتخريب هذا الاتفاق”.