إنشاء حزام أمان في المنطقة..

الإمارات وباكستان توسّعان آفاق عملهما المشترك

رئيس وزراء باكستاني جديد يحاول الاستفادة من تجربة أثبتت فعاليتها

أبوظبي

تضمّن تأكيد الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، لدى اجتماعه الخميس، مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على تطوير علاقاتها مع باكستان على مختلف الصعد، رسالة طمأنة للمسؤول الباكستاني الذي تسلّم حديثا مقاليد الحكم في بلده، ليتولى بذلك مسؤولية جسيمة لا تخلو من مصاعب في ظلّ تعقيدات اقتصادية، وتوتّرات سياسية وأمنية يعود بعضها لعلاقة الصراع المتواصل مع الهند، والأوضاع الملتهبة في أفغانستان المجاورة، ويعود البعض الآخر لتنافس قوى عالمية على باكستان ذات الوزن والموقع الاستراتيجيين.

ومن الجهة المقابلة لم يخل توجّه خان إلى كل من الإمارات والسعودية في أول زيارة خارجية له كرئيس للوزراء من رسالة ثقة بالبلدين وما يمكن أن يقدّماه لإسلام أباد من دعم ومساعدة، بما يقوّي موقفها السياسي والاقتصادي ويساعدها على الصمود بوجه مساومات قوى دولية تتنافس عليها لكن ليس من دون أثمان باهظة وتنازلات مؤلمة سيتعين عليها تقديمها.

ويمكن لباكستان أن تجد الطريق ممهّدة لشراكة مثمرة ومتعدّدة الأوجه مع دولة الإمارات، ليس فقط لثرائها واستقرارها، ولكن أيضا بفعل منظورها السياسي القائم على ربط الحركية التنموية والازدهار الاقتصادي بالاستقرار الاجتماعي والأمني والسياسي.

وفي علاقاتها مع كثير من دول المنطقة، حرصت الإمارات على تكوين حزام من الاستقرار بالمساعدة في تحريك عجلة التنمية فيها، وهو ما ينطبق على باكستان ذات الأهميّة في استقرار المنطقة، وخصوصا في توازنها في ظلّ ما تبديه إيران من طموحات للتمدّد والهيمنة.

وبحث الشيخ محمّد بن زايد مع الضيف الباكستاني “سبل تعزيز علاقات التعاون بين الإمارات وباكستان إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”.

ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية عن الشيخ محمّد بن زايد تعبيره، خلال جلسة المحادثات التي عقدها مع رئيس الوزراء الباكستاني في أبوظبي، عن ثقته بـ”أن الزيارة ستعطي دفعا قويا للعلاقات الإماراتية الباكستانية إلى نطاقات أوسع”.

وقالت الوكالة إنّ الجانبين استعرضا خلال المحادثات “مجالات التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف القطاعات والصعد بما يضمن تحقيق تطلعات البلدين وشعبيهما إلى آفاق أرحب وأشمل من التعاون والعمل المشترك. كما استعرضا التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية ومجمل القضايا التي تهم البلدين وتبادلا وجهات النظر بشأنها”.

وأكّد الشيخ محمّد بن زايد على “سياسة دولة الإمارات الثابتة في ترسيخ قاعدة علاقاتها مع الدول الصديقة والتي تقوم على مبادئ الثقة والاحترام المتبادل والتفاهم وخدمة المصالح المشتركة والعمل من أجل السلام والتنمية، وتعزيز قيم التعايش والتسامح على المستويين الإقليمي والعالمي”، فيما أكّد عمران خان من جهته حرص بلاده على تعزيز علاقات الصداقة والتعاون المشترك مع دولة الإمارات بما يضمن مصالح البلدين والشعبين على مختلف الصعد.

كما أكد الجانبان في ختام محادثاتهما حرصهما المشترك على تعزيز التعاون والتنسيق بينهما في المجالات كافة بما يعزز العلاقات والشراكات الثنائية التي تخدم التنمية والتقدم والازدهار في البلدين. وشددا على أهمية مضاعفة جهود المجتمع الدولي لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار والتعايش المشترك لدول المنطقة وشعوبها منددين بالتطرف والعنف والإرهاب بأشكاله وصوره كافة.

وكان مراقبون قد رأوا في زيارة رئيس الوزراء الباكستاني الجديد للسعودية والإمارات مسعى لاكتشاف تجربة البلدين في الموازنة بين تحالفهما العميق مع الولايات المتحدة، وإقامة علاقات متنامية مع الصين، بينما تمر باكستان بتعقيدات اقتصادية وجيوسياسية قائمة على تنافس استراتيجي بين واشنطن وبكين في منطقة جنوب آسيا.

وتواجه باكستان أزمة اقتصادية ناتجة عن اتساع عجز ميزان المعاملات التجارية بمقدار 43 بالمئة ليصل إلى 18 مليار دولار، بينما قفز عجز الموازنة إلى 6.6 بالمئة. ودفع ذلك إسلام أباد إلى التفكير في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لاقتراض ما بين 8 و12 مليار دولار ضمن حزمة إنقاذ، مع التراجع السريع في احتياطات باكستان من النقد الأجنبي.

مساعدة باكستان على ضمان استقرارها في إطار خلق توازن بالمنطقة يمنع تغوّل إيران ويحدّ من طموحاتها للتمدّد

لكن حكومة خان ألمحت أنها قد تتجه إلى مصادر تمويل أخرى، منها الاقتراض من طرف ثالث. وتمثل زيارة خان للسعودية والإمارات استكشافا لإمكانية الحصول على مساعدات وقروض، لكن في نفس الوقت دراسة تنويع باكستان علاقاتها، منذ قطع واشنطن مساعدات عسكرية بأكثر من 250 مليون دولار، بسبب سياسات إسلام أباد، التي قالت واشنطن إنها مزعزعة لاستقرار أفغانستان المجاورة.

لكن أفغانستان ليست المشكلة الوحيدة في علاقات البلدين، إذ تخشى الولايات المتحدة من نجاح الصين في تطبيق ما تسميه دبلوماسية “حزام الديون” التي عكست خطط استثمار صينية تقدر بنحو 60 مليار دولار لتعزيز البنية التحتية في باكستان، ضمن مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير) التي يتبناها الرئيس شي جين بينغ.

وتخشى الولايات المتحدة من عدم قدرة باكستان على سداد هذه الديون، وهو ما يمنح الصين نفوذا حاسما على مقدرات البلد الاستراتيجية في شبه الجزيرة الهندية.

وتشبه هذه السياسة الصينية سلوك القوى الإمبريالية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي دأبت خلالها على إغراق الدول الفقيرة بالديون، ثم توظيف عدم قدرتها على سداد هذه الديون في السيطرة على هذه الدول واحتلالها، إما عسكريا وإما اقتصاديا.

وخلال زيارته لإسلام أباد في 5 سبتمبر الجاري، طرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مبادرة على خان تشمل مسارين. المحور الأول يتضمن تغيير سياسات باكستان في أفغانستان، خصوصا سلوك الاستخبارات الباكستانية التي تقول واشنطن إنها تدعم حركة طالبان وجماعة حقاني.

ويضغط المسار الآخر على مخاوف حكومة خان من الارتهان إلى الصين بشكل حصري، وبدلا من ذلك تنويع مصادر الاستثمار، وهو ما يمنح الولايات المتحدة الفرصة لإبقاء باكستان ضمن محورها الاستراتيجي في المنطقة.

وتقول مصادر إن واشنطن وعدت بإعادة المساعدات العسكرية مرة أخرى إلى باكستان، كما قدمت ضمانات بتشجيع حلفائها في المنطقة من أجل مساعدة إسلام أباد في الأزمة الاقتصادية الحالية، دون اللجوء إلى صندوق النقد.

ويتسق العرض الأميركي مع مخاوف ظهرت في تقرير استراتيجية الدفاع الأميركية لعام 2018، الذي قال إن “الصين تسعى لإقامة قواعد عسكرية في باكستان، ودول أخرى تتمتع بعلاقات وثيقة معها في المنطقة”.

وبين عامي 2012 و2016، وقعت الصين صفقات عسكرية مع دول شبه القارة الهندية بقيمة 8 مليارات دولار، ذهب معظمها إلى باكستان.