من اليمين واليسار..

أردوغان المكروه يسير في حقل ألغام بألمانيا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان

وكالات

يزور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ألمانيا آملاً في إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها. لكن، مجلة "إكونوميست" البريطانية، ترى أنه لا تزال هناك مسائل معقدة تتعلق بتجاوزات تركية في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن تردي الاقتصاد التركي، ما يصعب مهمته خلال الزيارة الوشيكة لبرلين.

ركود كبير قد يدفع أردوغان لإعادة التفكير في التزامه بصفقة تمنع مـئات الآلاف من اللاجئين السوريين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي

وتذكر المجلة بنصب منظمي مهرجان فني أقيم في بلدة فيسبادن الصغيرة على ضفاف الراين، تمثالاً بارتفاع أربعة أمتار لرجب طيب أردوغان في ساحة المدينة في نهاية أغسطس (آب) الأخير، قائلين إن الهدف هو الدعوة لنقاش حول الرئيس التركي وحرية التعبير. وحققوا وحقق هؤلاء شيئاً من هدفهم. فقد أضاء سكان من المدينة شموعاً قرب التمثال، ووضعوا لافتة تحمل عبارة "الحرية للإعلام" عند قدمي أردوغان. وامرأة على التمثال، وكتب عليه آخرون عبارات مسيئة. ومن ثم دارت سجالات بين أتراك مؤيدين لرجل تركيا القوي، ومعارضين أكراد. وخوفاً من مزيد من الاضطرابات، أمر عمدة المدينة رجال إطفاء بإزالة التمثال، بعد يوم واحد فقط على نصبه.

احتجاجات وشيكة
وحسب المجلة، قد تواجه الشرطة الألمانية احتجاجات أكبر عندنا يحط أردوغان في برلين يوم 28 سبتمبر(أيلول) مدشناً أول زيارة لألمانيا منذ أربع سنوات. ومن المعروف أن ألمانيا حليف لتركيا في الناتو، وأكبر شريك تجاري لها. ولكن أردوغان لم يغب عن الساحة السياسية في ألمانيا التي تحتضن حوالي 3 ملايين شخص من أصول تركية، وحيث صوت ثلثاهم لصالحه في استفتاء مثير للجدل عام 2017، ومن ثم عند إعادة انتخابه بعد عام. وأثارت نتيجة الاستفتاء وانتخاب أردوغان صدمة في ألمانيا، لأن الكره لهذا الرجل يعد من الأشياء القليلة التي توحد بين جميع الأسر الألمانية.

 ويتهمه كل من اليسار وحزب الخضر بارتكاب تجاوزات هائلة في مجال حقوق الإنسان، وخاصة في المنطقة الكردية في جنوب شرق تركيا. كما يبدي اليمين المتطرف استياءه من دعم أردوغان لبناء مساجد في ألمانيا. ولا يخفي الوسطيون بقيادة المستشارة أنجيلا مركيل وحزبها الديمقراطي المسيحي امتعاضهم من نمط القومية الإسلامية التي يعليها أردوغان، فضلاً عن قمعه للمنشقين عن إرادته.

تدهور علاقات
وتشير المجلة لوصول العلاقات بين ألمانيا وتركيا إلى درجة الحضيض في العام الماضي. وانتهى الأمر بسجن ما لا يقل عن 30 ألمانياً في تركيا، في إطار موجة من الاعتقالات تلت المحاولة الانقلابية الفاشلة. وبعد منع مسؤولين ألمان لوزراء أتراك من تنظيم حملة انتخابية لصالحه عبر ألمانيا، سبههم أردوغان بالنازيين.

بناء الجسور

وبرأي "إيكونوميست"، يبدو أنه لم يعد الآن أمام أردوغان خيار سوى إعادة بناء جسور أحرقها. فاقتصاد ألمانيا على شفا ركود كبير. وفقدت الليرة أكثر من 40٪ من قيمتها في مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري، بما يمثل كابوساً لمصارف وشركات تركية مثقلة بديون بالعملة الأمريكية. واقترب معدل التضخم في تركيا إلى 18٪ ويبتعد اليوم مستثمرون أجانب عن تركيا.

وأما العلاقات مع أمريكا فهو الأسوأ منذ أكثر من أربعين عاماً، وقد فاقم منها اعتقال تركيا لقس أمريكي، وقرار أردوغان شراء منظومة دفاع صاروخي روسي، ودعم البنتاغون لأكراد في سوريا. كما أن التقارب مع روسيا ليس ثابتاً، رغم صفقة أخيرة تمنح تركيا بعض الوقت لتجنب مجزرة في محافظة إدلب المجاورة لحدودها.

نتيجة لكل تلك التطورات، يرى مصطفى نائل آلكان، أكاديمي لدى جامعة غازي في أنقره "يحتاج أردوغان لاستعادة العلاقات مع ألمانيا، لأن تركيا بحاجة لشريك تثق به".

حاجة مماثلة
وترى المجلة أن ألمانيا بحاجة أيضاً لتطبيع علاقاتها مع أنقره ومنع كارثة اقتصادية في تركيا. فإن ركوداً كبيراً قد يدفع أردوغان لإعادة التفكير في التزامه بصفقة تمنع مـئات الآلاف من اللاجئين السوريين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.

وبالفعل تلطفت لهجة أردوغان وأصدقائه من الصحفيين حيال ألمانيا، وأطلق سراح صحفيين ألمان. وبدأ مسؤولون في أنقرة يتحدثون عن بداية جديدة في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت ذاته، عارضت حكومة أنجيلا ميركل القرار الأمريكي فرض عقوبات اقتصادية ضد تركيا، وأوضحت أن انهيار الاقتصاد التركي ليس في مصلحة أحد.

لكن المجلة تبرز حاجة تركيا الماسة لإجراء إصلاحات اقتصادية جذرية لمواصلة محادثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن قوانين أوروبية جديدة تتعلق بحرية السفر والتعريفات الجمركية. ولا يبدو أنه لدى أردوغان نية بإجراء مثل تلك الإصلاحات.