الهروب إلى الأمام..

اتهام دول خليجية بإسناد هجوم الأحواز في إيران

تشييع الجنرال في الحرس الثوري حسين منجزي الذي قتل في هجوم الأحواز

طهران

يستمر المسؤولون الإيرانيون في إطلاق التصريحات المثيرة التي يحاولون من خلالها حرف الأنظار عن المسؤولية المباشرة للسلطات في ما وصلت إليه البلاد من أوضاع اجتماعية قاسية وغضب واسع في الشارع الإيراني، فضلا عن لجوء الأقليات إلى الكفاح المسلح لتحصيل جزء من مطالبها.

وقال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الاثنين، إن المهاجمين الذين قتلوا 25 شخصا في عرض عسكري مولتهم السعودية والإمارات وإن إيران “ستعاقب بشدة” من يقفون وراء الهجوم.

ونقل الموقع الرسمي لخامنئي عنه “بناء على التقارير، هذا العمل الجبان نفذه أشخاص جاء الأميركيون لمساعدتهم عندما حوصروا في سوريا والعراق ومولتهم السعودية والإمارات”.

كما اتهم حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الولايات المتحدة وإسرائيل بالتورط في الهجوم وقال إن عليهما توقع ردّ مدمّر من طهران.

وبلغ الارتباك الإيراني مداه عندما ناقض علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي كلام خامنئي بالمطالبة بالحوار مع دول المنطقة، في خطوة تكشف أن القيادة العليا التي يفترض أن تدير الأزمات بالحكمة وبعد النظر تنساق وراء الشعارات.

وقال علي شمخاني إن إيران بحاجة للتحدث إلى جيرانها لتجنب المزيد من التوتر.

وأضاف “من الضروري أن نعي تماما ونزيد من حواراتنا البناءة لتحييد مؤامرات الأعداء الذين يريدون إشاعة الشكوك والخلاف بين دول المنطقة”.

ويعتقد محللون أن إيران تستثمر هجوم السبت الدامي ليس للبحث عن حلول تساعد على إقامة حوار بناء مع ممثلي الأقليات وتشجيعهم على إلقاء السلاح، ولكن بإحداث حالة من الضجيج الإعلامي بهدف توظيفه في محاولة للخروج من أزمتها السياسية والاقتصادية العميقة عبر توجيه الاتهامات للجميع.

وأشاروا إلى أن اتهام الولايات المتحدة أو السعودية بالوقوف وراء كل مشكلات إيران أصبح أمرا مثيرا للسخرية، وأنه لم يعد يقنع الإيرانيين الذين ظلت تهمة العمالة للخارج سيفا مسلطا على رقابهم لعقود من عمر ثورة الخميني، لكنهم استفاقوا أخيرا وبدأوا بتحدي الثورة وقيمها ومراجعها وصاروا يتهمون خامنئي نفسه بالتسبب في تفقير الشعب عبر صرف عائدات النفط في الحروب بدل صرفها لتحسين أوضاع الناس.

ومن الواضح أن خطة السلطات في تشتيت الانتباه عن وضعها الاجتماعي والاقتصادي القلق فشلت سريعا لأن خطاب المؤامرة لم يعد يغري بالتصديق في الداخل، خاصة أن وعود الثورة لم يتحقق منها شيء منذ أكثر من أربعين عاما، ولم ير الإيرانيون غير الحروب، كما أن هذا الخطاب لن يجلب أي تعاطف دولي في ضوء التورط الإيراني في النزاعات المختلفة التي تعيشها المنطقة.

وتساءل مراقبون إن كان اتهام الولايات المتحدة أو دول الجوار بالوقوف وراء هجوم السبت سيمنع هجمات أخرى في المستقبل لمقاتلين من الأحواز والأكراد، وهل أن ذلك سيمنع الأقليات الأخرى من أن تتحرك لتدافع عن حقوقها في دولة تتصدى للمطالب بالعنف والأحكام القضائية القاسية.

مراقبون: الأولى بالمسؤولين الإيرانيين التعاطي مع الهجوم باعتباره ردا مباشرا على انسداد أفق الحوار بين الحكومة ومعارضيها بدل الهروب إلى الأمام

واستغربوا الزج بالإمارات في قضية الهجوم لمجرد تغريدة على تويتر تعبر عن موقف شخصي لأستاذ جامعي متقاعد، وتتناسى إيران الدعم الإماراتي لها في أزماتها المختلفة.

ونفت أبوظبي أي صلة لها بالهجوم واتهمت إيران بشن حملة ضدها. وقال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تغريدة على تويتر إن “التحريض الرسمي ضد الإمارات في الداخل الإيراني مؤسف ويتصاعد عقب هجوم الأحواز في محاولة للتنفيس المحلي”.

ويرى المراقبون أن الأولى بالمسؤولين الإيرانيين التعاطي مع الهجوم باعتباره ردا مباشرا على انسداد أفق الحوار بين الحكومة ومعارضيها بدل الهروب إلى الأمام و”أعداء الثورة”، مشيرين إلى أن الاعتراف بالحقيقة هو نصف الحل، وطالما أن طهران تفسر كل أزماتها بنظرية المؤامرة، فإنها لن تتوصل إلى أي حل، وسيزداد الوضع سوءا.

ويقول هؤلاء إن المسلحين الذي نفذوا هجوم السبت الدامي استنسخوا أسلوب إيران وأدواتها في المنطقة، أي اعتماد العنف الدموي دون مراعاة أي ضوابط خاصة ما تعلق بوجود مدنيين، وهو ما تمارسه إيران في سوريا، وتمارسه الميليشيات التابعة لها في لبنان واليمن والعراق دون ضوابط، وبفتاوى تحض على قتل الأبرياء.

ولن تجني إيران من اتهامها لبعض جيرانها بإسناد هجوم الأحواز سوى المزيد من العزلة، وعلى العكس، فهي تساعد في إنجاح العقوبات الأميركية ضدها بدل البحث عن سند إقليمي يمكن أن يخفف عنها ذلك الحصار الذي قد يستمر طويلا هذه المرة.