تعبير عن الإطباق الإيراني..

انتخابات "الجهاد الإسلامي".. إدارة إيرانية كاملة

حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

علي الأمين

زياد نخالة أمينا عاما لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، خلفا لرمضان عبدالله شلح الذي يعاني من غيبوبة، ومن وضع صحي متدهور، بحسب مصادر فلسطينية مطلعة ومتابعة. انتخب نخالة وهو من القيادات العسكرية المقيمة خارج فلسطين، في دمشق تحديدا، ويذكر أن عملية الانتخابات تمت في ظل تشكيك في شروطها الديمقراطية، وسط اتهامات من قبل بعض المنتمين إلى حركة الجهاد بأن نتائج الانتخابات هي تعبير عن الإطباق الإيراني الكامل على الحركة.

جدير بالذكر أنّ مؤسس حركة الجهاد فتحي الشقاقي قضى نتيجة عملية اغتيال نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي في جزيرة مالطا أثناء عودته من ليبيا عام 1995 والتي كانت آنذاك تحت الحصار الدولي. في سنواته الأخيرة كان الشقاقي حسب مصدر قريب من “الحركة” في حالة صدام مع إيران التي كانت تدعم ماليا هذا التنظيم، وكان الشقاقي يواجه قبل استشهاده محاولة إيرانية لشق حركة الجهاد وتشكيل مجموعة منها باسم حزب الله فلسطين، ويضيف المصدر أنّ الضغط على الشقاقي في ذلك الحين كان عبر تشكيل لوبي إيراني داخل الحركة لابتزازه، لذا كان ردّ الشقاقي عبر توثيق وتعميق العلاقة مع السودان لا سيما القيادي الإسلامي الراحل حسن الترابي، وحتى مع ليبيا، التي استشهد أثناء العودة من رحلة إليها، وهي رحلة كانت بغرض الحفاظ على العلاقات مع معمر القذافي، وبغاية فتح نافذة على العرب وعدم إبقاء بيض حركة الجهاد في السلة الإيرانية.

بعد استشهاد الشقاقي تمّ انتخاب الأمين العام رمضان عبدالله شلّح في العام 1995خلفا له، ويعود لشلح بحسب المصدر وضع “الحركة” تحت العباءة الإيرانية، قال مقولته الشهيرة “إذا اقترب منهم تيسير الخطيب خطوة (أحد القيادات المقربة من إيران بالحركة آنذاك) سأقترب منهم مئة” فقطع العلاقة مع ليبيا التي كان الشقاقي متحمسا لها، وكذلك فعل مع السودان وأبقى أوراق الحركة بالكامل في قبضة الإيرانيين الذين سيطروا تماما على الحركة أو ما تبقى منها بعد انهيارها مؤسساتيا وتنظيميا.

هيمن رجال إيران وتحكموا مباشرة بقناة فلسطين اليوم، الناطقة باسم الحركة التي تنقل مباشرة ودائما، خطب أمين عام حزب الله حسن نصرالله بما يعكس موقفا متبنيا لكل خيارات الحزب، لا سيما تلك المتصلة بتدخله العسكري في سوريا من جهة، والتدخل في البلاد العربية الأخرى من جهة ثانية، فيما لا تبث هذه المحطة خطب الشيخ رائد صلاح على سبيل المثال، لا سيما تلك التي يدافع فيها عن المسجد الأقصى. كما نجح الإيرانيون في خلق قناة اتصال مباشرة مع الجناح العسكري لحركة الجهاد في الداخل، عبر زياد نخالة، والمسؤول العسكري أكرم العجوري، وهو الأمر الذي كان يرفضه الشقاقي حتى اليوم الأخير في حياته.

مع دخول رمضان شلح في غيبوبة منذ شهور سعى الإيرانيون بحسب المعلومات، لتنصيب زياد نخالة أمينا عاما، وأرادوا مخرجا شكليا لتحقيق ذلك واصطدموا بثلاثة معوقات. أولا المطالبة المستمرة بعقد مؤتمر عام للحركة يناقش كل المرحلة الماضية، منذ انعقاد المؤتمر العام الأول والأخير في ظل قيادة فتحي الشقاقي عام 1992، ورفض رمضان شلح بعد ذلك عقد أي مؤتمر، وحتى قام بحل مجلس الشورى المركزي المنتخب من قبل مجالس الشورى المنتخبة في الداخل.

ثاني المعوقات، طموح محمد الهندي للقيادة وهو أحد مؤسسي الحركة ورغبته في خلافة شلّح، واعتباره أن نخالة غير جدير بالمنصب. أما ثالثها فهو المطالب الإصلاحية التي يمثلها الشيخ نافذ عزام في غزة، وهو أحد المؤسسين الأوائل وأقربهم إلى الشقاقي.

تمّ تجاوز النقطة الأولى، أي فكرة المؤتمر والحديث عن الظروف وصعوبة عقد المؤتمر لدواع أمنية ولوجستية، علما أن شلّح كان قد قال قبل سنوات وحسب مصادر فلسطينية قريبة من الجهاد إنّ عقد مؤتمر وانتخابات في التنظيم، سيؤدي إلى تفجير وانقسام الحركة، كما يحدث في دول العالم الثالث. وتمت الاستعاضة عن المؤتمر قبل أيام، بإجراء انتخابات شكلية في سوريا ولبنان، وعدم إجراء انتخابات في الضفة الغربية والسجون الإسرائيلية، لكن بقيت عقدة الانتخابات في غزة، حيث يتركز التنظيم مع صعوبة كبحها أو إجراء انتخابات معلبة.

تم منع إجراء انتخابات لمنصب أمين عام حركة الجهاد، واختارت إيران زياد نخالة وأكرم العجوري لقيادة حركة الجهاد، مع أنه بشكل فعلي، لم تجر انتخابات في الضفة الغربية، ولا في السجون كما تفعل حماس

الهندي اعتبر نفسه مؤهلا لخلافة شلّح، لكنه واجه انتقادات بسبب علاقته الحميمة مع حركة حماس، وقيل له إنّ القرار الإيراني حاسم لجهة اختيار نخالة، ولن يتم السماح بإجراء انتخابات على منصب الأمين العام من الأساس، فوافق على مجاراة التيار والقبول بالأمر الواقع، مقابل السماح له بالترشح عن الخارج وليس الداخل، مع توفير بعض المكاسب الشخصية والتنظيمية له، منها الحديث عن تعيينه نائبا للأمين العام وتكليفه بعض المهام السياسية التشريفية.

مع حل معضلة الهندي بقيت عقدة الشيخ عزام الذي أصر على الترشح لمنصب الأمين العام حتى ليلة الانتخابات، وتحدث عن أجندة إصلاحية للحركة ومراجعة للمرحلة السابقة، مع تشديده على الاستئثار والفساد خاصة في بنية الحركة في غزّة تحت قيادة الهندي، واقترابه من حماس وقيادتها.

عزام رفض كل الوساطات، وأصر على الترشح لمنصب الأمين العام في مواجهة نخالة، فتدخل الجناح العسكري للحركة بأوامر من الخارج للضغط عليه، بحجة أن انتخاب أمين عام من الداخل سيزيد من الأعباء عليه وسيعسر حمايته أمنيا وسيكون هدفا سهلا للاحتلال الإسرائيلي، لكن هذه الذريعة كان الرد عليها أن قائد حركة حماس ومسؤول مكتبها السياسي يعيشان في غزة.

في مجريات الانتخابات وإدارتها، تمّ تكليف أنور طه مسؤول قناة “فلسطين اليوم” بقيادة اللجنة الانتخابية، وهي القناة الممولة والمدارة إيرانيا، ولأن طه أيضا مرشح للانتخابات، ما وضع علامات استفهام من داخل الحركة على نزاهة واستقلالية العملية الانتخابية في سوريا ولبنان.

وبحسب المصادر نفسها فقد تمّ إجراء انتخابات صورية للمكتب السياسي بعد حسم منصب الأمين العام. وتنقل المصادر التي واكبت الانتخابات أنه شارك فيها موظفون وحتى مرافقون في لبنان وسوريا، فيما تم منع قادة من الرعيل الأول مثل المحامي إبراهيم أبومر وطلعت العمصي (الضبع) من المشاركة في الانتخابات خشية الترشح وبعثرة الأوراق، لذا وبحسب المصادر نفسها فقد تمّ ترتيب الإعلان عن فوز نخالة بمنصب الأمين العام بالتزكية، وترتيب الفائزين في الخارج حسب ما هو مخطط مسبقا، وعقدت التحالفات بحيث يأتي أكرم العجوري أولا، ثم محمد الهندي ثانيا، وأنور طه ثالثا، وعبدالعزيز المينياوي رابعا، وهم من فازوا بالمراتب الأربع المخصصة للمكتب السياسي بالخارج رغم أنهم جميعا من غزة.

أمّا الضفة الغربية فلم تجر فيها انتخابات ولم يتواجد أي ممثل عنها في المكتب السياسي، علما أنّ الناطق باسم الجهاد داوود شهاب قال وهو يعلن عن النتائج في غزة، إن الانتخابات أجريت في “الضفة” والسجون وحتى مناطق 48، وهو ما فضح “الكذبة كلها” حسب المصادر المتابعة لما يجري داخل حركة الجهاد.

بقيت عقدة الانتخابات في غزة مع صعوبة تمريرها كما حصل في لبنان وسوريا، فتمّ التحالف ضد عزام باعتباره الصوت المعارض لتحالف الخارج، وتجرأ على الترشح لمنافسة نخالة، وتمّ ترتيب أوراق وتقديم إغراءات مالية لشطبه ولاستبعاده من المكتب السياسي، إلاّ أنّ ذلك لم يكتب له النجاح، ورغم أنه لم ينل المرتبة الأولى إلا أنه فاز بعضوية المكتب السياسي مع داعمين له.

الخلاصة أنه تم منع إجراء انتخابات لمنصب أمين عام حركة الجهاد، واختارت إيران زياد نخالة وأكرم العجوري لقيادة حركة الجهاد، مع أنه بشكل فعلي، لم تجر انتخابات في الضفة الغربية، ولا في السجون كما تفعل حماس، حيث قيل إن الهندي سيتولى المسؤولية عنهما تحت إشراف النخالة والعجوري، والانتخابات جرت فعليا في غزة، مع محاولات غير ناجحة لمعاقبة المعارضين وإخراجهم من الهيئات القيادية.