سياسة القطيع الطائفي..

لوكيربي.. ضحية للسياسة الدولية والإرهاب الإيراني

السعي إلى إشاعة الخراب وصناعة أسبابه

حامد الكيلاني

نثق تماما في الأخطاء الطارئة عندما تدخل الأزمات إلى صالة الطوارئ وردهات الإنعاش، لفتح نوافذ أو على الأقل مسارب بالإمكان أن تتحرك منها الانسدادات لتحريك الإرادات المنغلقة عند هذا الطرف أو ذاك. فالمتغيرات والانعطافات تحتاج إلى تبرير وفرض ضغوط، بعضها ربما لإنقاذ ماء الوجه، أو دعم جهود تعبيد الطريق لإلقاء تبعات هزيمة ما والقبول بها كأمر واقع، ليصبح الهروب إلى الأمام أو حتى إلى الخلف ضمن مرمى التحليلات العقلانية وأقنعة الحكمة.

إيران وضعت الشعوب الإيرانية وشعوب المنطقة وشعوب العالم منذ استلام الخميني للسلطة في فبراير 1979 تحت إرهاب بمستويات مختلفة وأحيانا متناقضة، لخلط الأوراق واقتناص الأهداف الصغيرة والمتوسطة للوصول إلى هدف أكبر سعت إليه دائما في إشاعة الخراب وصناعة أسبابه، بتجنيد الآلاف كأفراد أو جماعات لخلق أرضية واسعة تستقر عليها في خاتمة مطاف فكرة تصدير رؤيتها القائمة على مخيلة تنسجم مع وحشية إعلانات تنظيم الدولة وما انتهت إليه من عدم احترام للحياة البشرية.

الخميني والمرشد خامنئي من بعده، أرادا إخراج ماردها من ظلام القمقم بتعويلهما على الولاء المطلق لجموع غفيرة تم استلابها بالتدين الشعبوي، لتحقيق مآرب تم التخطيط لها ببراغماتية متناهية يمرر من خلالها النظام مشروعه السياسي والقومي الذي يرتكز على حجة المظلومية التاريخية والأحقية في تولي الحكم، وتطبيق الأحكام الخاصة لإقامة دولة عدله الإلهي.

هذا المنطق لن يكون إلا بإحداث هزات وارتدادات عنيفة في الأرض العربية، حيث الوعاء الذي يضمّ تاريخ الإسلام والمسلمين، ويضم أيضا تنوعهم واجتهاداتهم وأحداثهم، ومن تلك الأحداث ما يخضع للانتقاء من ولاية الفقيه وتجتهد على النفخ فيه بصرف الأموال على استعراض غوايتها الطائفية لتعبر الحدود والآفاق الإقليمية لتأسيس قواعد لمشروع عالمي يرتكز على الاستفادة من طروحات النظم السياسية والاجتماعية الحديثة في دول العالم.

الخميني عقل مدبر وضع قواعد الإرهاب والتطرف لمعرفته بأسرار عناصر المختبرات المذهبية ومدى تفاعلها في العقل الجمعي المدجن وأثرها في النفوس، مع علمنا أن الخميني تعايش مع المدن العراقية والإيرانية كما تنقل في تحصيله وتدريسه الفقهي، وقرأ جيدا وخبر كوامن جاذبية الانشداد إلى الكتل الطائفية التي لا تجيد سوى الإصغاء وتنفيذ ما يصدر عن المرجع. الخميني جمع أيضا بين مهمة المرجع والسياسي المضطهد وقائد الثورة “الإسلامية”.

الأخطاء الطارئة تحصل ومؤخرا بأخطاء متسلسلة وصدف متتالية أُسقطت الطائرة الروسية “اليوشن 20” وعلى متنها 15 من الخبراء الروس في مجال الرصد والكشف والتجسس الجوي؛ لكن من نتائج السقوط إعادة ترتيب الملفات أو قلب المعادلات أو شحن العاطفة الوطنية والقومية.

مع ذلك هنالك قوى دولية تغتنم السكتات القلبية المفاجئة أو الجلطات الدماغية، كما فعلت إيران في استثمار الهجوم على منصة الاستعراض العسكري في الأحواز والذي جاء قبل أيام فقط من إلقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث حلقت من فمه عبارات السلام ومحبة الإنسانية وانتشرت معها في القاعة أحزان نظامه على ضحايا الإرهاب في كل مكان، ومنها ما أصاب مواطنيه، داعيا العالم إلى مساندة جهود نظامه في محاربة الإرهاب.

الخطأ الذي تتحمل نتائجه الدول الكبرى هو إسقاط نظام الشاه، على علاته، فبرحيله تفشت الفتنة المذهبية وتعززت بالإرهاب الإيراني

إيران لم تكتف بالتحقيق والتدقيق، إنما وجهت 6 من صواريخها الباليستية إلى مواقع في محيط مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية؛ مرت الصواريخ فوق سيادة العراق بسلام، وكذلك الطائرات الإيرانية المسيرة، كما تمر الطائرات العسكرية أو حتى المدنية المحملة بالسلاح والعتاد والميليشيات والمسافرين من المدنيين.

دوغلاس بويد، بكتابه عن تفاصيل تحقيقات إسقاط الطائرة بوينغ 747 فوق قرية لوكيربي الاسكتلندية، أعاد إلى الواجهة معلومات موثقة قدمتها المقاومة الإيرانية وشخصيات إيرانية خرجت عن طوق النظام الأمني القمعي لتدلي بشهاداتها عن معلومات دقيقة بشأن الدور الإيراني، والخميني تحديدا، في الإعداد لمسرح الجريمة التي أودت بحياة 270 من ركاب طائرة الإيرباص وطاقمها وبينهم 11 من سكان القرية.تحملت ليبيا النتائج لسنوات ودفعت المليارات لتعويض أهالي الضحايا، لأن الإعداد الإيراني للجريمة استغل الصراع بين معمر القذافي والولايات المتحدة وتصاعده بالضربة الجوية على طرابلس وبنغازي، وكذلك معرفة نظام الملالي بشخصية القذافي الذي وقف إلى جانب النظام الإيراني “الإسلامي” في حربه ضد العراق ومساندته له بالمال والعتاد وصواريخ سكود، وأيضا درايته بميوله وتوظيف تلميحاته، رغم النفي الليبي المتكرر لعلاقتهم بحادثة لوكيربي تجنبا للمزيد من الضغوط الدولية.

أبدت ليبيا استعدادها للمساومة والتفاوض بما يعزز من مكانتها في أفريقيا أو باعتبار زعيمها أحد المناوئين للهيمنة الأميركية. الولايات المتحدة من جانبها عمقت هذا التوجه للنيل منه أو للتقرب من إيران لأسباب ظلت مستمرة ولها علاقة بالحرب الإيرانية العراقية وما تلاها من نتائج كارثية انتهت بالاحتلال الأميركي للعراق وتقاسم النفوذ فيه مع إيران.

الخطأ الذي تتحمل نتائجه الدول الكبرى هو إسقاط نظام الشاه، على علاته، فبرحيله تفشت الفتنة المذهبية وتعززت بالإرهاب الإيراني الذي زلزل المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك المتوجة بحماقة وهياج الثور الأميركي الذي تخبط في استرداد كرامته، بعد أن أخطأت بوصلته باحتلال العراق وإعادة الحياة لإرهاب النظام الإيراني لتكملة ما بدأ به الخميني.

مع فتح ملف لوكيربي، إن حصل، نعود إلى كيفية تجرع الخميني السم بقبول قرار 598 بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الصادر سابقا من مجلس الأمن ووافق العراق عليه أثناء صدوره، فما يعتبر تحليلات كان في الحقيقة معلومات عن أخطاء طارئة ارتكبتها المدمرة “فينسنز” بالقرب من مضيق هرمز، ونتيجة لصدفة أخطاء متلاحقة في منطقة اشتباكات عسكرية سقطت طائرة الركاب المدنية الإيرانية إثر ضربة صاروخية راح ضحيتها 398 راكبا. لكن الطائرة كانت على غير موعد، بما يعني أنها تورطت أو تم توريطها في عمل أريد منه أن يحفظ ماء وجه الخميني في الداخل الإيراني وأمام المجتمع الدولي بعد هزائمه المذلة في الأشهر الأخيرة من الحرب على العراق.

اعتذار الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان عن “الخطأ” لذوي الضحايا مع التعويضات، وكذلك ما صدر من مجلس الأمن عن ضرورة إنهاء الحرب المسؤولة عن التوتر الممتد إلى المنطقة، مهدا للخميني فرصة الرضوخ كعادة نظامه للمظلومية ليتجرع “السلام” مع العراق بذاكرة استعدناها بسحنة وجه روحاني وهو يتحدث عن مظلومية نظامه، بما يتعرض له من عقوبات رغم سعيه للسلام والأمن ومحاربة الإرهاب.

النظام الإيراني لا يرى سببا لغلق القنصلية الأميركية في البصرة، ولا يرى ثورة شباب البصرة العراقيين من أهلنا في الجنوب على سياسة القطيع الطائفي، لأنه توقف عند نقطة انطلاق المارد الطائفي من القمقم، ولا يريد أن يصدق أن الاحتجاجات في إيران ستضع المارد الإرهابي في قفص الإدانة وتحاسبه على جرائمه وإباداته وتمويله للإرهاب.