مكتبة الإسكندرية..

20 دولة تحتفي بالكتاب كمثير بصري

حالة من "الشغب الفني"

ناهد خزام

يشارك في الدورة الثامنة لبينالي كتاب الفنان، التي تستضيفها مكتبة الإسكندرية حتى السابع من أكتوبر الجاري، 50 فنانا مستقلا يمثّلون أكثر من عشرين دولة مختلفة. وتشهد دورة هذا العام عرض مجموعتين فنيتين دوليتين هما مجموعة مشروع “كتاب الكوميديا الإلهية” الذي شارك فيه عشرة فنانين من دول مختلفة تحت إشراف الإيطالي بابلو سباتيني، ومجموعة دار نشر “لاديان فرانسيز” المختصة بإصدار الكتب يدوية الصنع.

وتتميز دورة هذا العام من بينالي كتاب الفنان بزيادة عدد المشاركين فيها مقارنة بالدورات السابقة، وتعدد الاتجاهات الفنية والأساليب في معالجة الفكرة المطروحة. ونحن هنا أمام حالة من “الشغب الفني” كما يصفها البيان المصاحب للعرض، وهو شغب فني يحاول الوصول إلى أقصى ما يمكن طرحه من أفكار إبداعية، فكل فنان من الفنانين المشاركين في هذه الدورة هو فنان مشاغب ومتمرد، على مستوى الأفكار والخامات والأساليب.

ويقول البيان “بينالي خيال الفنان هو فرصة للمولعين بالتجريب والمغامرة الفنية، خاصة أن الفن والكتاب يرتبطان معا في تاريخ الحضارات الإنسانية بالتدوين والتوثيق، فمنذ البداية كانت الفنون هي وسيلة الإنسان الأول للتوثيق والتدوين والتأريخ، وبعد ظهور الكتابات استمرت العلاقة الوثيقة بين الفن والتدوين بمختلف الحضارات، وتنامت وتنوعت أساليب استخدام الفنون في علاقتها بالنصوص، خاصة مع ظهور الطباعة”.

ويعد مصطلح كتاب الفنان في تاريخ الفنون الحديثة، مصطلحا جديدا نسبيا وإن كان اسمه يدل على أنه ببساطة كتاب قام بعمله فنان ما، وهو الحال في أحيان كثيرة، ولكن في الواقع قد يتجاوز هذا المفهوم تلك الحدود الضيقة إلى أبعاد أخرى أرحب.

ويُعنى بينالي كتاب الفنان بتصور العلاقة بين الفنان والتطبيق الذي قد يتمثل في “كتاب فني” يقترب في شكله من شكل الكتاب المتعارف عليه بصفحات ورقية بها رسوم ونصوص قد تكون من وحي خيال الفنان نفسه. وقد يكون كتاب الفنان معبّرا عن إبداعات متأثرة بنص أدبي كلاسيكي أو معاصر لكاتب تأثر به الفنان فأوحى له إبداعا بصريا زاوجه مع كلمات هذا النص، ومن الممكن أيضا أن يتمثل كتاب الفنان هنا في الاستخدام البصري لإيقاع وشكل الحروف والكتابة فقط، دون الاهتمام بالمعنى والمضمون، فتكون الأهمية للوقع المرئي، أو ككتاب تحمل صفحاته رموزا مترابطة تحكي قصة ما أو غير مترابطة يؤدي تلازمها إلى إيصال حالة معيّنة نظمها الفنان؛ لتعكس إحساسه الداخلي، أو أن يستخدم الفنان كتابا بالفعل كخامة لعمل فني، كما فعلت الفنانة الدنماركية مالون ديتريتش في عملها ثلاثي الأبعاد الذي يعتمد على كتاب حقيقي تم تحويله إلى كتاب منحوت.

وقد يستخدم الفنان أيضا طريقة التجميع لخامات وعناصر متعددة ويكوّن منها مجموعة يضعها في سياق، حيث تعطي شكلا بصريا ثابتا أو متغيرا، يريد به الفنان مداعبة خيال المتلقي؛ فيتصوّر ويحسّ الحكاية وراء هذا العمل مثلما يوحي به، كعمل الفنانة الأميركية باميلا سبيتزمولر المكوّن من قصاصات من الأوراق وأغصان الشجر الجافة والكتب الصغيرة المجمّعة في وعاء من الزجاج؛ كأنه عالم غامض قائم بذاته ومنفصل عن الواقع.

ومن بين الأعمال اللافتة أيضا في هذا البينالي يأتي عمل الفنانة المصرية هبة خليفة التي تجمع فيه بين الرسم والصورة الفوتوغرافية، إذ تحاول خليفة من خلال عملها سرد سيرة ذاتية لجانب من حياتها اليومية وعلاقتها بالآخر.

والصور التي تقدّمها هبة خليفة لا ترصد واقعا بصريا بقدر ما ترصد حالة داخلية، وتعبّر عن مشاعر وأحاسيس شخصية مرتبطة على نحو ما بما يدور خارج نطاق ذاتها من أحداث، لذا فهي تصنع الصورة ولا تبحث عنها، لا تنتظر المشهد، بل تجمع شتاته من بين ما يحيط بها، مستعينة بصورتها تارة وبطفلتها الصغيرة أو أختها تارة أخرى، ومن هناك تعيد خليفة صياغة الصور والأشكال والملامح لتخرج لنا في النهاية بمنتج جديد ومختلف على هيئة قصاصات ورقية بدت كأنها منزوعة من دفتر أو كتاب.

أما الفنانة الأرجنتينية مونيكا ألفرادو، فقد حوّلت مجموعة من الأوراق الملونة المنزوعة من صفحات أحد الكتب إلى فراشات وطيور وأسماك، هي ترسم على سطح الورق بعد طيّه جيدا، ثم تعيد توظيف الشكل مع الفراغ المحيط، لتتحوّل صفحات الكتاب إلى كائنات محلقة تمثل الحياة على سطح الأرض.

ويعرض الفنان المصري محمد بنوي عمله تحت عنوان “رسالة الغفران”، وهو أشبه بصفحات كتاب يضم رموزا وعلامات مصنوعة من قطع صغيرة من الخشب على أسطح تم طَلاؤها باللونين الذهبي والفضي. أساليب كثيرة ومختلفة تتجاور معا في هذا الحدث الفني الذي بدا أشبه ما يكون بساحة لطرح الأفكار والخيالات التي تراود الفنانين، ليبقى مفهوم كتاب الفنان منفتحا على التأويل والتحديث ومثيرا بصريّا ملهما غير مغلق بأطر محدودة.