تحليل القضية في إطار عربي..

مناقشة قضية المواطنة والهوية الوطنية في الأردن

د. مجد الدين خمش بروفيسور علم الاجتماع والسياسات الاجتماعية

عمان

يعمل هذا الكتاب - لصاحبه د. مجد الدين خمش – بروفيسور علم الاجتماع والسياسات الاجتماعية - على تحليل ومناقشة المواطنة والهُوية الوطنيّة في الأردن في إطار عربي مقارن يأخذ بعين الاعتبار تجارب المواطنة في عدد من البلدان العربية، لاسيّما الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وتونس، والجزائر. 
كما يعرض الكتاب – الصادر عن الآن ناشرون وموزعون بعمّان - لنماذج معاصرة من المواطنة تشمل المواطنة القطرية، والمواطنة القومية، والمواطنة العالمية، والمواطنة متعددة الثقافات مع التركيز على أن المواطنة القطرية، والهُوية الوطنية القطرية السائدة في البلدان العربية حاليا تبقى الملاذ الأول للمجتمع لتمكين الدولة من حشد مواطنيها للتماسك والوحدة، والدفاع عن مكاسبهم، ومواجهة المشكلات الاقتصادية والإجتماعية التي تواجههم. وتوفير الترتيبات المؤسسيّة المناسبة لضمان حصول المواطنين على حرياتهم وحقوقهم المنصوص عليها في الدساتير، والقوانين والأنظمة والتي يتمتعون بها كمواطنين متساويين في الحقوق والالتزامات؛ تتنامى مشاركتهم السياسية التي تضمن لهذه الترتيبات المؤسسية الحيوية، والاستدامة. 


ويتبين من تحليلات الكتاب أن هناك مؤشرات معرفية وعاطفية ومهاراتية للمواطن الصالح يتم التوافق عليها اجتماعياً وتربوياً، وهي المؤشرات التي يكون على المنهاج المدرسي والجامعي، ووسائل الإعلام الاسترشاد بها لتوجيه التعليم والتعلم، والتربية والإرشاد بشكل عام لإنتاج المواطن الصالح بما يتناسب والتحدّيات المعاصرة، ومتطلبات سوق العمل وتطوير الإدارات الحكومية، ومواكبة التطورات التكنولوجية؛ مما يعطي المواطن مزيداً من الفرص والآليّات للمشاركة الفاعلة في القرار السياسي العام، وفي ابتكار حلول لمشكلات المجتمع، وبخاصة تبسيط إجراءات الإدارات الحكومية وزيادة كفاءتها، وتوجيه الشباب نحو التعليم التقني المهني والاكتشاف والابتكار.

توصيات عملية تطبيقية لتدعيم المواطنة الفاعلة وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة تشمل نشاطات مدرسية مصاحبة للمنهاج، وإنشاء مراكز للتدريب على مهارات المواطنة

ويتّضح من تحليلات الكتاب أن المضامين الواردة في الأوراق النقاشيّة الملكية التي نشرها الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وبرامج العمل، والآليّات المؤسسية التي تقترحها ترسّخ الديمقراطية كأسلوب حياة للأردنيين، وتحفّز الأفراد للقيام بدور فاعل في المجتمع، بما يعظّم من مشاركتهم السياسية والاجتماعية، ومشاركتهم في حل مشكلات الإدارات العامة الحكومية. ذلك أن النظام السياسي الديمقراطي يجعل الفرد مراقباً ومحاسباً لأداء الحكومات وأجهزتها الإدارية بشكل مباشر، أو غير مباشر. ومشاركة المواطنين السياسية بشتى صورها، لاسيما ممارسة حق الإقتراع يعني أن المواطن مهتم بكفاءة ومستوى أداء الحكومة.


وترصد الحكومة مؤشرات الاقتراع؛ فكلما ارتفعت نسب الاقتراع نتيجة ازدياد المشاركة السياسية شعرت الحكومة بعِظم المسؤولية تجاه توقعات المواطنين. وهذا الالتزام السياسي من جانب المواطنين، والذي هو أحد مؤشرات المواطنة الفاعلة الأساسية كما جاء في الأوراق النقاشيّة الملكية، هو أيضاً تعبير عن إطاعة القانون والالتزام به، وهو ما تطالب به الأوراق النقاشيّة الملكية، وهو أيضاً احترام للدولة، والحكومة التي تسهر على حماية حقوق المواطنين وحرياتهم مما يعني أن على المواطنين بالتالي أن يسهروا على حسن أداء الحكومة لمهامها ومسؤولياتها.


وفيما يتعلق بالهُوية الوطنية يتضح من تحليلات الكتاب أن هذه الهُوية توجد على مستويين متكاملين، مستوى الهُوية الذاتية للأفراد، ومستوى الهُوية الوطنية الجامعة. فعلى المستوى الأول يمتلك الفرد هُوية سياسية وطنية ذاتية تنتج عن ارتباطه بالدولة ومؤسساتها، وبالمجتمع وجماعاته، ومؤسساته المختلفة؛ فيشعر أن صفاته ومشاعره، وسلوكياته انعكاس للولاء للدولة، والانتماء إلى المجتمع. وبالرغم من أن الفرد يمتلك هُويات ذاتية أخرى، قرابية، أو مهنية، أو عمرية، أو هُويات عضوية في تنظيمات المجتمع المدني، فإن هُوية المواطنة تبقى لديه هي الأقوى، والأشمل فهي التي تنظم الهُويات الأخرى ضمن مسارات الولاء والانتماء للدولة، والمجتمع، والقيام بالالتزامات نحوهما قانونيا وأخلاقيا. 

 


ولا يشعر المواطن - كما يتبيّن من تحليلات الكتاب - بوجود تعارض بين هذه الهُويات، فهي تكمّل بعضهاً بعضاً، وتدعّم الانتماء الوطني. كما أنها تُعطي الأفراد مكانات، وأدوارا متعددة تزيد من شعورهم بالمسؤولية الاجتماعية والسياسة، وتحفزّهم للقيام بواجباتهم نحو المجتمع والدولة، ضمن معطيات الدستور، ونصوص القانون بما يقوّي شرعية حصولهم على حقوقهم وحرياتهم، مع متابعة قيامهم بواجباتهم والتزاماتهم نحو الدولة ومؤسساتها، ونحو المجتمع وجماعاته.

وهي تتضمن أيضا الانتماء للوطن، والولاء لقيادته السياسية، والمشاركة الفاعلة اجتماعياً وسياسياً على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين لضمان استقرار المؤسسات، والحفاظ على بناء المجتمع والدولة، وتطّوير هذا البناء لمواجهة ما يستجد من أحوال وظروف. ويركّز الكتاب على تقييم سياسات التربية للمواطنة والتي هي عملية تربوية تهدف إلى تكوين النشء تكويناً وطنياً صحيحاً من خلال إكسابهم سلوكيات، ومفاهيم، ومهارات، ومشاعر المواطنة. حيث تشمل هذه العملية الجانب المعرفي المتعلق بالمعلومات والمفاهيم والتحليلات حول وطنهم والتي يكون عليهم معرفتها، واستيعابها، وممارستها. 


وتشمل هذه العملية أيضا الجانب الوجداني المتمثل في اكتساب الاتجاهات والقيم والمواقف الإيجابية نحو الوطن، وقيادته السياسية. والجانب الثالث الذي تتضمنه عملية التربية للمواطنة هو المهارات، لا سيّما مهارات المشاركة السياسية، ومهارات المشاركة الاقتصادية والاجتماعية.


وقد تأثرت السياسات التعليمية في الأردن وعدد من البلدان العربية أيضاً بتداعيات حراكات الربيع العربي، وتزايد قوة التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وأيديولوجيتها التكفيرية فظهرت دعوات قوية لإعادة النظر في المناهج المدرسية والجامعية لتحصينها ضد الفكر التكفيري، وضمان استدامة الهُوية الوطنية المعتدلة المتسامحة لدى الشباب الأردني والعربي. 


كما أن برامج الدولة التوظيفية لمواجهة الفقر والبطالة في الأردن، لاسيّما برنامج "التشغيل بدل التوظيف"، يستدعي مراجعات مهمّة للمناهج المدرسية، ولمواد متطلبات الجامعة الإجبارية لتزويد الطلبة بمهارات ومعلومات ومشاعر الريادة، وإنشاء المشاريع المايكروية والصغيرة، للتقليل من البطالة والفقر في المجتمع .
وتمّ استثمار مضامين "رسالة عمّان" أيضا ضمن إجراءات وسياسات التربية للمواطنة. وتكمن أهميته هذه الرسالة في أنها موجهّة للمسلمين وغير المسلمين، وللعالم بأجمعه، وقد نشرت بعدة لغات عالمية، لتأكيد صورة الإسلام المتسامح المعتدل الذي يعترف بالديانات الأخرى ويحترمها. وتؤكد الرسالة أن الإسلام يرفض التكفير الذي هو أيديولوجيا التنظيمات الإرهابية، وينزّه مواطنيه عن تقبل مثل هذه الأيديولوجيا العدوانية مما يعيد التأكيد على صورة المواطنة الأردنية المتسامحة، والمنفتحة على العالم. 


من جهة أخرى، يتبيّن من تحليلات الكتاب أن خطاب الكراهية في الفضائيات الإعلامية وعلى الإنترنت هو ابتعاد عن تقاليد المجال العام الراقية، ولا يؤدي إلى التأثير المطلوب على أصحاب القرار. بل بالعكس يؤدي بهؤلاء إلى سن التشريعات ضد ممارسة خطاب الكراهية ومن يمارسونه بما يحرم هؤلاء من إحداث مثل هذا التأثير المأمول على القرار وأصحابه. 


ويُختتم الكتاب بتقديم توصيات عملية تطبيقية لتدعيم المواطنة الفاعلة وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة تشمل نشاطات مدرسية مصاحبة للمنهاج، وإنشاء مراكز للتدريب على مهارات المواطنة، ومهارات المشاركة في المنتديات العامة، وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة، واستثمار منظّمات المجتمع المدني القائمة وتحفيزها لتنظيم دورات تطبيقية لتدريب الشباب على المواطنة الفاعلة لدعم جهود الهيئة المستقلة للانتخابات، وجهود وسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية في هذا السياق. 


إضافة إلى تنشيط دور المدارس والجامعات في تدعيم المواطنة الفاعلة، وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة، وذلك من خلال التركيز على التطبيقات الصفّية، واستخدام الوسائط الإلكترونية، والنشاطات المصاحبة للمنهاج لتدريب الطلبة على التسامح وتقبل الرأي الأخر، واحترام حقوق وحرّيات الغير، ومتابعة المواظبة على الحضور، والتقيد بمواعيد المحاضرات من قبل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس. 
وتتنوع هذه التطبيقات الصفّية أيضاً لتشمل مهارات مكافحة ثقافة التكفير والإرهاب فكرياً وسلوكيا، واكتساب مهارات التشغيل الذاتي بدل التوظيف لتدعيم الهُوية الوطنية الأردنية الجامعة المتسامحة، وزيادة نسبة المشاركة الإقتصادية بين الشباب من الجنسين.