المعارضة الجزائرية..

الجزائر: جبهة شعبية لخطف الانتخابات الرئاسية

الجبهة الشعبية هو محاولة لبناء جدار فاصل بين ما تبقى من أشلاء المعارضة الجزائرية

أزراج عمر

يمكن اعتبار الدعوة التي تقدم بها منذ أسبوع عمار غول، رئيس حزب تجمع أمل الجزائر، إلى تطبيق مطلب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لتأسيس جبهة شعبية لدعم النظام الحاكم وترشيح الرئيس بوتفليقة للعهدة الخامسة، بمثابة إعلان صريح عن تكريس أحزاب الموالاة وأتباعها في المجتمع المدني لحكم الرجل الواحد في المشهد السياسي الجزائري.

 في هذا الخصوص يرى عدد من المحللين السياسيين الجزائريين أن هدف غول ومن يحركه من وراء الستار من الإلحاح على اختراع هذه الجبهة الشعبية هو محاولة لبناء جدار فاصل بين ما تبقى من أشلاء المعارضة الجزائرية وبين الجماهير الشعبية في الجزائر. وفي حال تحققت مثل هذا الدعوة على أرض الواقع يكون النظام الحاكم وأحزاب الموالاة قد أنجزا أهدافهما كاملة.

يعمق صحة هذا التحليل تزامن دعوة عمار غول مع دعوة أخرى تتطابق معها في المضمون وتختلف فقط عنها في الشكل، حيث أن هذه الدعوة الثانية تهدف بدورها إلى تشكيل جمعية وطنية يشرف عليها القيادي بحزب جبهة التحرير الوطني محجوب بدة بعضوية عدد من الوزراء السابقين والنواب وأعضاء المجالس المنتخبين في الماضي والحاضر.

 ومن الواضح أن القصد من تأسيس هذه الجمعية هو دعم عبدالعزيز بوتفليقة ليواصل حكم البلاد لخمس سنوات أخرى، وهو الأمر الذي أكدته يومية الشروق التي نشرت هذا الأسبوع تقريرا قالت فيه إن مجموعة من الوزراء والنواب والمنتخبين قد شرعوا في “عقد لقاءات من أجل التحضير لإنشاء جمعية وطنية تضم كل المنتخبين سواء السابقين أو الحاليين في إطار المساهمة والعمل على التنسيق مع كافة الجهات من أجل خدمة الوطن”، وأيضا من أجل أن “تكون اللبنة الأساسية لتكتل يعتزم تفعيل الساحة السياسية من خلال دعم الرئيس بوتفليقة”.

هذا السيناريو يبرز مجددا أن التجديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لمدة خمس سنوات أخرى ليس حكاية من نسج الخيال وإنما هو حقيقة سوف يشهد الجزائريون تجسدها على أرض الواقع قريبا، ومن جهة أخرى فإن كثرة دعاة تشكيل جبهة لدعم النظام الحاكم وكثرة المناشدين للرئيس بوتفليقة لكي يترشح للعهدة الخامسة في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2019 قد حوَل ظنَ الجزائريين بأن عهد حكم الرجل الواحد قد ولى إلى محض وهم كبير.

 هذا الوهم يصطدم بجدار فولاذي يتمثل في الشخصية القاعدية للنخب السياسية الجزائرية التقليدية ذات الأصول الاجتماعية التي تتحكم فيها الذهنية الدكتاتورية التي تتغذى من الثقافة الشعبية، وهي الثقافة التي لم تحدث في نسيجها أي قطيعة منذ الاستقلال، مع إرث العصبية والنزعات الغارقة في الشللية والتعصب الجهوي والفردية المؤسسة على النرجسية المغلقة.

من الواضح أن سعي النظام الجزائري إلى تشكيل ما يسمّى حينا بالجبهة الشعبية، وما يدعى أحيانا أخرى بجمعية وطنية هو في الحقيقة توجه استراتيجي يريد النظام الجزائري أن يفعله بقوة لكي يحسم الانتخابات الرئاسية القادمة لصالح مرشحه في الجولة الأولى، وبإنجاز ذلك يكون قادرا على إرسال رسالة إلى الخارج والداخل مفادها أن هذا النظام له شرعية جماهيرية في الجزائر، عكس ما تذهب إليه المعارضة حيث تصوره في مختلف خطاباتها على أنه يفتقد إلى قاعدة شعبية وأن ما يوصف بعمقه على مستوى الجزائر ليس سوى سراب.

نحن إذن أمام مرحلة جديدة من الصراع على السلطة في المشهد السياسي الجزائري، وتتميز هذه المرحلة عن سابقاتها بتوظيف النظام الحاكم في الجزائر لعنصرين مهمين؛ أولهما يتمثل في التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة مؤخرا على أجهزة الجيش والأمن الحساسة، وعلى مستوى المؤسسات الحكومية المركزية والقاعدية حيث كان القصد من ذلك هو إظهاره بأنه صاحب القدرة الكلية، وأنه أيضا يقوم بعمل جدي وهو تمدين الدولة، أي نزع سلطة العسكر والأمن عنها.

أما العنصر الثاني فيتمثل في إظهار النظام الجزائري لنفسه بأنه يحتكم في عمله السياسي إلى الشرعية الشعبية بواسطة هذه المحاولات التي يبذلها لتشكيل تكتل مكون من النخب السياسية والجمعيات الثقافية والمهنية والاجتماعية والنقابات وشرائح أصحاب الأموال والنفوذ، فضلا عن الزوايا الدينية ذات التأثير القوي على مستوى العمق الشعبي، والقدرة على الاستقطاب وتعبئة الجماهير أثناء الانتخابات.

في هذا المناخ نجد المعارضة السياسية مشتتة، وتفتقد إلى منظومة فكرية ومنهج سياسي موحد وإلى مشروع تنموي يغري الشباب ويستقطب شرائح العمال والفلاحين، وزيادة على ذلك فإنها لا تمتلك ما يسمى في الفكر السياسي الاستراتيجي الحديث، بالمنصات التي تكسب معركة الهيمنة في المجتمع مثل المؤسسات الخيرية والروابط المهنية والثقافية والصحف المتطورة والإذاعات والفضائيات ذات المصداقية.