الكوميديا السلسة..

لماذا عادت الدبلجة المصرية إلى الكرتون؟

رولا زكي قدمت شخصية "سندريلا"

القاهرة

تستعد استوديوهات الدبلجة المصرية المتعاونة مع شركة “والت ديزني” للعمل لمدة تسع ساعات يوميا، لتلبية المراحل المعقدة التي تمر بها عملية الدبلجة، التي قد تصل إلى تسع مراحل شبيهة بإنتاج فيلم كامل من جديد.

وباتت تلك الأخبار سارة للكثير من المتابعين الذين سئموا لسنوات طويلة من سيطرة الدبلجة الفصحى الصعبة على حساب الكرتون المدبلج باللكنات الشعبية التي تحمل بساطة ومتعة أكبر.

ويرى خبراء أن أهم أسباب حب البعض للهجة المصرية في الكرتون، طبيعة المدبلجين المتمردة على النصوص الأصلية في الأفلام الأميركية، وترك الخيال لأنفسهم لإعادة هيكلة اللغة، لتبدو متسقة مع طبائع الجمهور العربي وثقافته وقيمه وعاداته، مع المحافظة على الخطوط العريضة.

وأحيت شبكة تلفزيون “نتفليكس” الأفلام الكرتونية المدبلجة بالمصرية مؤخرا بعرضها لسلسلة من الأفلام القديمة لـ”والت ديزني” تم إنتاجها خلال الفترة من 2000 وحتى 2008 باللهجة المصرية، لفتح المجال للجمهور العربي، وإضافة قائمة كاملة بالعناوين التي يرغبون في دبلجتها، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وما زاد من نجاح الحملة ورضوخ الجهات المعنية لها، انضمام عدد من الشباب العربي الذين أيدوا فكرة عودة الدبلجة المصرية على حساب الفصحى الرتيبة، وطالبوا مثلا الفنان محمد هنيدي بالمشاركة في الدبلجة باعتباره الصوت الأشهر في تأدية العديد من الأدوار الكرتونية المميزة. ووضع هنيدي مقطعا بصوته على صفحته بفيسبوك، لشخصية “خوف” في الفيلم الكوميدي ثلاثي الأبعاد “قلبا وقالبا”، الذي أنتجته “ديزني”، وحاز على جائزة الأوسكار، وأسماه “خوّاف” ليكشف عن اقتراب عودة أول فيلم كرتون باللهجة المصرية.

ويعتبر سوق دبلجة أفلام الكرتون خط دفاع للمدبلجين المصريين بعدما خسروا معركة الدراما الهندية والتركية والمكسيكية لصالح المدبلجين السوريين، التي تمتلئ بها القنوات العربية، وعلى مدار الأعوام العشرة الماضية لا يوجد مسلسل واحد مُدبلج باللهجة المصرية.

واختيار هنيدي لـ”قلبا وقالبا” لا يخلو من الإسقاطات والرسائل، فالفيلم تمت دبلجته بالفعل باللبنانية وتعرض لانتقادات لكونه أشبه بالترجمة عن الدبلجة مع التزام القائمين على نسخته العربية بالنص الأصلي، دون إضفاء روح على طبيعة شخصياته ليفتح الباب للمقارنة بين كيفية أدائها بالمصري واللبناني.

وشارك هنيدي في السابق بدبلجة فيلم الرسوم المتحركة “شركة المرعبين المحدودة” بشخصية “وشوشني” ودور “تيمون” في فيلم “الأسد الملك”، الذي سجل شهرة محلية كبيرة، واستدعى ترجمة العمل الدرامي “تيمون وبومبا” بجميع أجزائه باللهجة المحلية ليشاركه في بطولته الراحل زايد فؤاد في دور “بومبا”.

ويقوم المدبلجون المصريون بنقل الثقافة المحلية إلى الأفلام الأصلية وعدم الالتزام الحرفي بالنص الأصلي في السيناريو، مثل المونولوغست فيصل خورشيد الذي لم يلتزم بأداء روبن ويليامز في شخصية الجني بفيلم “علاءالدين”، الذي تم إنتاجه عام 1992، وأضاف للشخصية العديد من فن المونولوغ الشعبي.


ويقول الفنان محمد عبدالمعطي، الذي قدم العديد من الشخصيات في الأفلام المبدلجة آخرها “فريد زين” في فيلم “فوق”، إن الدبلجة ليست مجرد استبدال صوت أجنبي بآخر عربي، لكنها تتطلب مخرجين واعين لتحقيق فن التطابق بين النسخة المدبلجة والأصلية في مساحات الصوت والانفعالات والمواقف.

وأوضح لـ”العرب” أن الدبلجة تتطلب أيضا الممثل الواعي الذي يستطيع تحليل الشخصية ويؤديها بإحساس وشعور وليس مجرد القراءة والأداء من الأوراق، وفي الكثير من الأوقات قد تكون النسخة المدبلجة أفضل من الأصلية باعتراف “ديزني” ذاتها.

وتلعب الثقافة دورا محوريا في الدبلجة خصوصا في الأفلام الكوميدية، فالمواقف المضحكة إلى حد الإغماء في الولايات المتحدة قد لا تثير حتى الرغبة في الابتسامة بمصر، والمواقف التي يعتبرها الغرب طبيعية كأصوات الغازات تبدو مقززة بالمنطقة العربية، وبالتالي على الدبلجة التعامل مع مساحات واسعة لإثارة الكوميديا، بما يتناسب مع طبيعة الجمهور وثقافته.

وأكد أن اللهجة المصرية تبدو موسيقية ولا تتضمن تعطيشا للحروف كالجيم أو تحويل الكاف إلى “شين” أو وجود طغيان لحرف العين كبعض اللهجات، علاوة على سهولة تعلمها بحكم أن الأفلام المصرية القديمة لا تزال هي الأكثر انتشارا في القنوات العربية.

القضية من وجهة نظر المدافعين عن الدوبلاج المصري هي عدم قدرة “الفصحى” على إبراز الكوميديا، لأنها ليست لغة الحياة الدارجة بين الشعوب العربية، معتبرين الأزمة تكرارا لصراع قديم لا يزال دائرا حول الاعتراف بالشعر العامي المتحرر من قواعد القافية والوزن.

ويدلل الفنانون المصريون على سلاسة لهجتهم بفيلم “البحث عن نيمو” فأغنية السمكة دوري بالدبلجة الفصحى جاءت صعبة تبدأ بأيها “الخيشوم المنزجع.. واصل السباحة”، على عكس المصرية التي أدتها الفنانة هالة فاخر وطوعتها إلى “عوم واتمخطر.. عوم واتمخطر (تمايل)”.

ويمنح توافر العدد الكبير من الممثلين بمصر خيارات أمام مخرجي الدبلجة بعدم التكرار للشخصيات، عكس الدبلجة السورية واللبنانية التي باتت غزيرة الإنتاج، لكنها تعاني من تكرار أصوات الممثلين في الأعمال الدرامية التي تخلق خلطا ذهنيا لدى المشاهدين في مجتمعات ذات ثقافة سماعية سائدة.

ويتم اختيارهم بعناية، من الصف الأول للوسط الفني مثل يحيى الفخراني وهالة فاخر وعبلة كامل، وخالد الصاوي الذي أدى دورا مهما في فيلم “البحث عن نيمو”، لتزيد شعبيتهم من طبيعة العمل المشاركين فيه حتى لو كان مدبلجا.

ومن نجوم الصف الثاني الذين اشتهروا مؤخرا، آية حميدة التي أدت دور “تنة” في فيلم “تنة ورنة”، ورولا زكي التي أدت دور “سندريلا”. ويعود تاريخ الدبلجة المصرية مع “ديزني” إلى أول فيلم رسوم متحركة من إنتاجها بالنسخة العربية في السبعينات وتحديدا فيلم “سنو وايت”، بطولة عبدالوارث عسر في دور الراوي، وفاطمة مظهر في الأداء الصوتي لبطلة الفيلم، بينما أدت الإذاعية رتيبة الحفني الأغاني، وجمال إسماعيل شخصية “غضبان”.

ويواجه المدبلجون المصريون خيارا صعبا في إثبات أنفسهم بعد عودة دفة “ديزني” إليهم، لاستمرار تقديم مؤهلات تدفع الشركة الأميركية لمواصلة الاعتماد عليهم، فالمعيار الرئيسي للمنافسة بين اللهجتين العامية المصرية والفصحى هو القدرة على تحقيق معدلات مشاهدة مرتفعة بين الجمهور العربي.

وتشهد سوق أفلام الكارتون العربي تغيرا في ثقافة المشاهدة بشكل عام، فقبل سنوات كان يقتصر على الأطفال، لكنه الآن بات أكثر انتشارا بين الشباب، في سلوك تم تفسيره على أنه هروب من ضغوط الحياة إلى عالم جميل شبيه بالأحلام قائم على الضحك والبراءة والتلقائية، ما يصب في مصلحة الدبلجة المصرية التي تزيد شعبيتها مع دخول فئات عمرية جديدة.

ولا يخفي ممثلون مصريون أن الدوبلاج أعطاهم مزايا أعلى بكثير من الدراما مثل عبدالرحمن أبوزهرة الذي قال في حوار تلفزيوني أخيرا، إن أداءه شخصية “سكوبار” في فيلم “الملك الأسد” أعطاه شعبية بين أوساط الشباب، تجاوزت جميع أعماله السينمائية والدرامية في حياته المهنية.