اختفاء خاشقجي..

السعودية تعيد تشكيل علاقاتها بالغرب بعد قضية خاشقجي

السعودية لن تتهاون في الرد على أي عقوبات

الرياض

صعدت السعودية ضد تهديدات الولايات المتحدة في ما يتعلق باختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في منحى يوحي بخروج الرياض عن تحفظ إزاء القوى الكبرى لطالما شكل في السابق أساس علاقاتها الخارجية، خصوصا مع الغرب.

ويضع الرد السعودي الرافض لإشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى “عقاب قاس” للسعودية إذا ما ثبت تورطها في اختفاء خاشقجي، قواعد جديدة في الديناميكية المحركة للعلاقات مع واشنطن، بعد أزمتين دبلوماسيتين أظهرتها فيهما السعودية تجاه كل من ألمانيا وكندا عزما على تبني مسار أكثر حزما إزاء انتقادات للحكم أو القيادة الجديدين.

وردا على تهديد ترامب، نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر سعودي مسؤول قوله إن بلاده سترد على أي عقوبات اقتصادية محتملة تفرضها أي دولة في ما يتعلق بقضية خاشقجي.

وذكرت الوكالة أن المصدر قال “تؤكد المملكة على أنها إذا تلقت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر، وأن لاقتصاد المملكة دورا مؤثرا وحيويا في الاقتصاد العالمي، وأن اقتصاد المملكة لا يتأثر إلا بتأثر الاقتصاد العالمي”.


وهذه لهجة جديدة على السياسة السعودية التي ظلت تاريخيا حريصة على إبقاء الخلافات مع الدول الكبرى الحليفة لها منحصرة في القنوات الدبلوماسية. لكن مع تعاظم مكانة السعودية في العالم، وبعد صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يبدو أن رؤية السعودية لروابطها مع الغرب تتغير للأبد.

والعام الماضي سحبت المملكة سفيرها في برلين إثر انتقادات حادة أدلى بها وزير الخارجية الألماني السابق سيغمار غابرييل، اتهم فيها الرياض باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ضد إرادته. وأصدر الأمير محمد بن سلمان حينها قرارا بوقف منح عطاءات جديدة للشركات الألمانية، كما تراجعت السعودية عن عقد أي صفقات لشراء الأسلحة من ألمانيا، قبل أن تتخذ برلين قرارا مماثلا.

وفي مطلع أغسطس الماضي، قررت الرياض تعطيل صفقة أسلحة بقيمة 12 مليار دولار مع كندا، “ووقف جميع المعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة” معها، بعدما وجهت كريستيا فريلاد وزيرة الدولة الكندية للشؤون الخارجية انتقادات للسعودية بعد اعتقال الناشطة سمر بدوي. وقررت السعودية حينها استدعاء الآلاف من الطلبة السعوديين الذين يدرسون في كندا.

ومنذ تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم عام 2015، أظهرت السعودية استعدادا متزايدا للخروج عن التحفظ في علاقاتها الإقليمية، خصوصا في المواجهة التي تقودها ضد النفوذ الإيراني في المنطقة. وأبقت الرياض على تقاليد راسخة تحكمت لعقود في مقاربتها تجاه الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص.

لكن الضغط الذي بدأ يمارسه ترامب في ما يتعلق بزيادة إنتاج النفط من أجل خفض الأسعار، أخرج إلى العلن ميلا سعوديا إلى المواجهة، قائما على تنوع في علاقاتها الخارجية، انعكس في زيارات متعددة قام بها العاهل السعودي وولي العهد ومسؤولون سعوديون كبار إلى روسيا والصين خصوصا خلال العامين الماضيين، وشهدت التوقيع على اتفاقات تجارية وعسكرية كبيرة.

وتعتبر السعودية نفسها قوة موازية للدول النافذة. والمملكة لاعب من العيار الثقيل جدا في سوق النفط. وتتولى أيضا دورا دينيا رئيسيا في العالم الإسلامي. وهي نقطة ارتكاز عسكري من الدرجة الأولى بالنسبة للغربيين ولاعب أساسي في كامل الشرق الأوسط حتى القرن الأفريقي.

ونقلت صحف غربية عن دبلوماسيين غربيين في الرياض قولهم إن السعودية “لا تريد أن تظهر بمظهر الدولة الضعيفة، بينما تستطيع دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا، بل وحتى إيران، أن تتصرف بحرية دون اعتبار لردود الفعل”.

ورغم ضغوط تحاول إدارة ترامب ممارستها على السعودية، مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي يخشى ترامب من أن تؤدي إلى انتزاع خصومه الديمقراطيين للأغلبية، تبدو وسائل الضغط الأميركية على السلطات السعودية محدودة. وبدا ترامب مدركا لهذه الحقيقة أيضا.

السعودية لن تتهاون في الرد على أي عقوبات

وقال ترامب إن الولايات المتحدة “ستعاقب نفسها” إذا أوقفت مبيعات السلاح للسعودية على خلفية اختفاء خاشقجي. وأكد للصحافيين في البيت الأبيض بشأن صفقة لشراء السعودية أسلحة من الولايات المتحدة بمقدار 110 مليارات دولار “إذا لم يشتروها منا، فسيشترونها من روسيا أو سيشترونها من الصين.. فكروا في ذلك، 110 مليارات دولار، كل ما سيفعلونه أنهم سيعطونها لدول أخرى، وأعتقد أن هذه ستكون حماقة كبرى”.

وانعكس الحذر الذي أبداه ترامب في بيان بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الذي شجعت فيه الدول الثلاث جهود السعودية وتركيا في التحقيق عبر لجنة مشتركة لكشف ملابسات اختفاء خاشقجي.

وقال وزراء خارجية الدول الثلاث “هناك حاجة إلى إجراء تحقيق موثوق به لمعرفة حقيقة ما حدث وتحديد المسؤولين عن اختفاء جمال خاشقجي وضمان محاسبتهم”. وأضاف الوزراء الثلاثة “نشجع الجهود السعودية التركية المشتركة ونتوقع أن تقدم الحكومة السعودية ردا كاملا ومفصلا. وقد نقلنا هذه الرسالة بشكل مباشر إلى السلطات السعودية”.