نغم جديد معاصريجمع بين الماضي والحاضر..

عراقي معماري ينال جائزة "تميّز" لعام 2018

المعماري والتشكيلي والكاتب العراقي معاذ الآلوسي

بغداد

انبثق مسار المعماري والتشكيلي والكاتب العراقي معاذ الآلوسي (المولود في بغداد سنة 1938) من الانتماء إلى المنطقة والبيئة بكل مكوناتها، والوقوف احتراما أمام إنتاج السلف، والخزين المميز له، إضافة إلى الإلمام التام بمجريات المعاصرة الفاعلة في تكوين الذات، واستلهام عناصر عمارة السلف وتطويعها وإعادة صياغتها في نغم جديد معاصر ومواكب لحضارة الحاضر.

من هذه الخصوصية تسود، في رأيه، القيم الجمالية المتوطنة؛ التكرار والتماثل والزخرف، وقيم أخرى كثيرة باطنية وظاهرية تعود إلى هواجس المحل (المحلية) وتقاليده.

وتتويجا لمسيرته الإبداعية أعلنت جائزة “تميّز” مؤخرا عن اختيار الآلوسي لجائزتها المخصصة للإنجاز المعماري مدى الحياة 2018، والتي ستسلم له خلال حفل الجائزة السنوي الذي سيقام في العاصمة الأردنية عمّان.

 والجائزة التي أُطلقت عام 2014 هي مبادرة مستقلة، ضمن برنامج “تميّز” الذي يهدف من خلالها إلى الاحتفاء بأفضل إنتاجات العمارة العراقية، وتكريم روادها الذين أثروا منجزها بتصاميمهم وأفكارهم الرائدة.

وتختار لجنه تحكيم خاصة كل عام شخصية معمارية أسهمت في تطوير العمارة العراقية لنيل جائزة “تميّز” للإنجاز المعماري مدى الحياة، ويكون الإسهام الفعال في تحقيق منجز العمارة العراقية هو المعيار الوحيد لاختيار هذه الشخصية.

ويشترك في رعاية الجائزة كل من مجلس الأعمال العراقي في الأردن، جامعة كوفنتري البريطانية، مؤسسة مكية الكوفة، ديوان مهندسون استشاريون، مكتب إياد التحافي المعماري، ترايدكس كلوب المحدودة، الاتفاق العالمي للأمم المتحدة.


وقال مؤسس الجائزة أحمد صلاح الملاّك، الأكاديمي في جامعة كوفنتري، “نحن سعداء وفخورون باحتفائنا بمنجز المعماري معاذ الآلوسي، الذي أدخل عمارة ما بعد الحداثة إلى المشهد المعماري العراقي، وما زال يلهم أجيالا من معماريينا الشباب. ومن المهم جدا بالنسبة لنا في جائزة تميّز تسليط الضوء على إنجازات وإسهامات الأستاذ الآلوسي بوصفه شخصية معمارية وثقافية جادة ومخلصة لمهنتها كمثال نحتذي به”.

​ حصل الآلوسي، الذي يعدّ أحد أبرز المبدعين في الحقل المعماري المحلي والإقليمي، على البكالوريوس في العمارة من جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة عام 1961، وبعد جولات عمل أستكشافية في إيطاليا وألمانيا، في سياق عمله التدريبي، عاد إلى بغداد، وانضم إلى “ورشة الحداثة المعمارية والثقافية” التي أنشأها “مكتب الاستشاري العراقي”، واستمر عمله فيها ثلاثة عشر عاما.

 وكان من مؤسسي هذا المكتب أحد أبرز الأسماء في العمارة العراقية المعاصرة، المهندس رفعت الجادرجي. وفي سنة 1964 نال شهادة الدراسات العليا من “الجمعية المعمارية” (Architectural Association) في لندن، وأسس بعد تخرجه بست سنوات مع آخرين مكتب “الدراسات الفنية” في بيروت، وأسس بعد حله عام 1974 المكتب الاستشاري “الآلوسي ومشاركوه” في بغداد وليماسول بقبرص.

من أهم أعمال الآلوسي المعمارية: البنك العربي في مسقط (1978)، السفارة القطرية في عُمان (1976)، السفارة الكويتية في البحرين، مبنى كمال حمزة في الخرطوم (1979)، مركز الدراسات المصرفية في الكويت العاصمة (1980)، وأشرف على تطوير منطقة الكرخ، وشارع حيفا ببغداد (1981-1982)، وصمم الجزء السادس منه، فضلا عن اشتراكه في مسابقة مشروع مسجد الدولة الكبير ببغداد (1982)، ومركز صلالة الثقافي في عُمان (1982).

بدأ الآلوسي الكتابة في أوائل الستينات، ونشر مجموعة مقالات في مجلة “العاملون في النفط” التي كان يشرف على صفحاتها الثقافية جبرا إبراهيم جبرا، ثم نشر دراسات عديدة، وثلاثة كتب هي “يوميات بصرية لمعمار عربي” (بيروت 1983) ، و”نوستوس: حكاية شارع في بغداد” (عمان 2012)، و”توبوس: حكاية زمان ومكان” (منشورات الجمل 2017).

وضع في الكتاب الأول رؤاه لعمارة الأقواس بالعودة إلى أصولها البابلية والآشورية، ورفع في الكتاب الثاني راية مقاومة مدن الصدفة التي تأسست على حين غفلة، عادّا إياها بمنزلة عشوائيات تجارية بأبراج تتسابق في صعودها، مع طرح سؤال “إلى أين؟”، مجيبا عنه بقوله “لا علاقة لها بالإنسان. حملة عشواء. وسوف لا يهدأ لي بال قبل تغيير الوضع، أعرف مقدما أن أذن صاحب القرار صماء، على الأقل أخاطب زملائي ليقفوا معي ويخففوا من غلواء التسابق في سبيل نطح السحاب”.

وأكمل في “توبوس: حكاية زمان ومكان” ما بدأه في كتابه السابق،  وقد دوّن الكاتب سهيل سامي نادر على غلاف الكتاب لقد جعل الآلوسي “من تجربته الشخصية مدخلا إلى الذاكرة الجماعية الثقافية والعمرانية في العراق، في سعي منه إلى التمسّك بماضٍ جميل في مقاومة قوى الخراب التي عبثت بمدينته، وخرّبت أنسجتها ذات المقاسات الإنسانية”.