إخوان اليمن..

تحليل: "الإخوان" اللعب على حبل التناقضات السياسية

الحرب في اليمن

واشنطن

حالة من البراغماتية غير المسبوقة يمارسها حزب الإصلاح  داخل اليمن إذ يعمد التجمع ذو التوجهات الإسلامية إلى اللعب على جميع  أطراف المعادلة السياسية بغية تصدر المشهد مجدداً والقفز على أحد كراسي السلطة في مرحلة ما بعد الحوثي .

انتهازية الحزب يمكن استشعارها من خلال انتهاج قياداته استراتيجية  ” رباعية الأبعاد ” تهدف إلى تمكينه من مفاصل الدولة اليمنية فقد لعب التجمع على كل المتناقضات الأيدلوجية والمذهبية مراوحاً في ذلك  بين الموالاة والمعارضة دون أن تتضح سياساته وقسموا أنفسهم إلى فرق تعمل كل منها في اتجاه منفصل ,غير عابئ بالاتهامات التى تؤشر إلى أن ممارسته على أرض الواقع تخدم مصالح دول خارجية على حساب اليمن .

تناقضات التجمع الوطني للإصلاح  تتكشف من خلال الأنباء المتواترة من ساحات الصراع في اليمن , ففي الوقت الذي يخوض فيه الجيش اليمني الوطني المدعوم بالتحالف العربي لدعم الشرعية معارك ضارية في الجبهات ضد الميليشيات الحوثية، تفرغ حزب التجمع اليمني للإصلاح للسيطرة على المساجد في محافظة مأرب الخاضعة حاليًا لسيطرة الفصيل الإخواني في الشرعية بغية  السيطرة من خلال المساجد على مفاصل الدولة والدعوة والعمل الاجتماعي والاقتصادي

إعلانات الحزب عن دعمه للشرعية ورفضه رسميا دعوة من مليشيات الحوثي, أطلقها القياديان في الجماعة حسن زيد ومحمد البخيتي ,للحزب بالتصالح معه والعودة إلى مسار المفاوضات الداخلية للأطراف اليمنية, مؤكداً على  لسان عدنان العديني وهو نائب رئيس دائرة الثقافة والإعلام للحزب” أن الإصلاح حزب سياسي داعم للشرعية وله موقف صريح ” , لم تمنعه من أن  يجهز عدداً من الميليشيات المسلحة في بعض مناطق تعز، لتصبح قادرة على القيام بعمليات عسكرية؛ حيث وصلت تعزيزات ومعدات وأسلحة وذخائر،  الأربعاء الماضي، إلى معسكر مستحدث تابع للحزب، يؤسسه القيادي في حزب “الإصلاح”، حمود سعيد المخلافي، خارج منظومة الجيش الوطني.

فضلاً عن أن الانشقاقات المزعومة داخل التجمع ,على الأرجح ,  تتم بعلم وتوصية من قيادات الجماعة وتأتى فى إطار سياسية  اللعب على جميع الحبال , فالدعوة التي رفضها الحزب لم توقف تحركات ما يعرف بجناح اسطنبول وفي مقدمتها توكل كرمان، التي دعت صراحةً لمصالحةٍ بين الحوثيين وحزب الإصلاح على قاعدة مشتركة، هي العداء مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي ,. كما لم تحجب إشادة القيادية في حزب “التجمع اليمني الإصلاح”، رشيدة القيلي، بممارسات الحوثيين في مناطق سيطرتهم،ولم تمنع قيادات إصلاحية حضرت إلى مقر جماعة الحوثي، في دار القرآن، معلنين تقديم استقالتهم من حزب الإصلاح، وتقديم فروض الولاء والطاعة لعبد الملك الحوثي لمستوى بلغ ذروته  بوصف دول التحالف بـ”المحتلين”، وحكومة الشرعية بأنّها “مجموعة من الدواعش”.وهى التصريحات التي جاءت بعدما نصّبتهم جماعة الحوثي مشرفي الإغاثة الأممية بالمنطقة .

فعلى الرغم من التباين المذهبي بين الحزب المنتمى فكرياً إلى جماعة الإخوان المسلمين ,والمليشيا الحوثية ذات التوجهات الشيعية ,سعى الحزب إلى التعايش مع الحوثيين دون أن يضع فى حساباته مصلحة الشعب اليمنى , صحيح أنهم دعموا فى البداية عاصفة الحزم لكن هذا الدعم كان ظاهرياً ,إذ عمدوا من خلاله إلى تصدر المشهد السياسي مجدداً و التخفيف من حدة الحصار الذي فرضتهم عليهم الجماعة الحوثية  لكن مع تصاعد الأحداث أجرى الحزب مفاوضات سرية مع قيادات المليشيا المسلحة لتحقيق مكاسب سياسية ,ومع اشتداد المعارك عاد التجمع للمهادنة وأيد مجدداً عمليات التحالف وبالوقت ذاته أوحى للشعب التزامه الحياد , وذلك انتظاراً للطرف المنتصر  والذي سيقدر دعم الحزب له .

التناغم الخفي مابين حزب الإصلاح والحوثيين طفا بشكل سافر على محيط الأحداث في سبتمبر الماضي,  وذلك بعدما أخل بتفاهماته مع التحالف العربي فى مواقع القتال حيث كشف مصدر عسكري يمني عن انسحاب مقاتلي حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان من مناطق سبق لهم السيطرة عليها من مليشيات الحوثي الانقلابية في جبهة قانية بمحافظة البيضاء وذلك بعدما أوقفت  الوحدات العسكرية التابعة للإصلاح ألإخواني القتال منذ عدة أشهر على هذه الجبهة تركت مواقعها للحوثيين، وبحسب المصادر لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يسلم فيها مسلحي حزب الإصلاح مواقع للحوثيين إذ سلم في مطلع شهر يونيو الماضي مواقع إستراتيجية مهمة في جبهة قانية باليمن. كما تم العثور على وثائق في مواقع حررتها قوات الشرعية من الحوثيين في محافظة صعدة خلال شهر كانون الثاني (ديسمبر) العام 2017، وهي عبارة عن بطاقات مقاتلين ينتمون إلى جماعة الإخوان”.

التواطؤ مع الحوثى برز كذلك  في 20 سبتمبر العام 2017، حيث استعرضت تقارير كيفية تسليم حزب الإصلاح أسلحته للحوثيين، وأنّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرّر إقالة محمد علي المقدشي، المنتمي لـ “حزب الإخوان” من رئاسة الأركان، وتعيين “طاهر علي العقيلي” بدلاً منه، لأنّه، وفق التقارير الصحافية آنذاك، يتواطأ مع ميليشيا الانقلاب، ويسرّب لهم معلومات سرية وخطرة، ويرفع إحداثيات لاستهداف الجيش الوطني والمقاومة في مأرب، ويؤخر الحسم العسكري بالمحافظة، كما يهرّب كميات كبيرة من الذخائر والعتاد العسكري إلى صفوفهم

وثمة تقارير تشير إلى اتفاق مابين الحزب والحوثيين يقضى بعدم مساس الأخير بالمصالح الاقتصادية والشركات التابعة لقيادات الإصلاح، مقابل عدم اعتراض قوات  الحزب لتوسعات الانقلابيين , وأن تتم عمليات استلام وتسليم من قبل الإصلاح للمليشيا فما إن يدخل الحوثيون منطقة إلا ويسارع فرع الحزب بها إلى الاتصال بالحوثيين وتنصيب أعضائها حكاماً .

مسارات الأحداث تنبئ بصحة تلك الأقاويل  , فخلال محاولات المليشيا دخول صنعاء تخلى الحزب عن دعم عبد ربه منصور هادى وقام بتسليم وقواته المتمثلة في (الفرقة الأولى مدرع) للحوثيين وبذات الوقت أعلن آنذاك امتلاكه نحو 70 ألف مقاتل وهم جاهزون للدفاع عن العاصمة لكن شيئاً من هذا لم يحدث فقد اقتحم الحوثيون صنعاء وحاصروا منزل هادى بل وأخلى الحزب مقاره التي كانت تنتشر بشكل كثيف في العاصمة، إضافة إلى منازل كبار قياداته .  ومع استعداد الحوثى لدخول تعز المدينة التي يتواجد فيها أكبر عدد من قواعد الإصلاح انسحب الحزب بهدوء فدخلتها المليشيا دون قتال وذلك بالتزامن مع إصدار التجمع بيان ، في 27 مارس العام 2016،أدان فيه تحالف علي عبد الله صالح مع الحوثيين.

المحور الأخير الشائك بهذا الملف يدور حول علاقة حزب التجمع الإصلاحي بعدد من التنظيمات الإرهابية فى تعز حيث توجد بها العديد من التنظيمات والفصائل الدينية، بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة، والآخر بـداعش، لكن ما يجمعها هو ارتباطها بجماعة الإخوان وحزبها الإصلاح وقد كشفت وثائق عثرت عليها قوات التحالف العربي باليمن في مدينة شبوة، التنسيق بين الإخوان وتنظيم القاعدة بشكل مباشر، والتستر خلف عباءة المقاومة للقيام بأعمال إرهابية في الجنوب اليمني. يعتمد حزب الإصلاح على عناصر التنظيم المتطرف في فرض سيطرته على عدة مدن يمنية، وأشركهم في اللجان الأهلية التي شكلها للسيطرة على مناطق.وتأكيدا على العلاقة التي تجمع الطرفين، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية قيادات حزب الإصلاح من الصف الأول على قائمة الشخصيات الداعمة للإرهاب. وتؤكد المصادر أن جماعة حزب الإصلاح متورطة في إطلاق سراح سجناء من القاعدة من سجون لحج وعدن والمكلا ورداع، خلال فترة الأزمة السياسية التي بدأت في 2011.

الأقنعة المتعددة لحزب الإصلاح الذي ليس له نصيب من اسمه,  تكشف أنه يتحرك وفق مخططات خاصة, حتى وإن بدت متباينة , غير أن جمعيها تتشابك عند نقطة واحدة وهى المكتسبات السياسية التي  يمكن أن يحظى في ” يمن ما بعد الحوثى ”  لكن  التاريخ يؤكد أن كل من حاول اللعب على التناقضات بعقلية الحرب الباردة أخطأ القراءة وانتهى به الأمر بفقدان دوره وموقعه.