مخططات لصراع جنوبي..

تقرير: ماهو المستقبل السياسي للقضية الجنوبية؟

مظاهرات سابقة في عدن تدعو إلى الانفصال

وهيب الحاجب

عمل سياسي جنّب عدن مخططات لصراع جنوبي وعنف مسلح

انتهت أجواء أكتوبر التي بدت خلال اليومين الماضيين مشحونة ومتوترة مع تخوف وتوجس خيم على العاصمة عدن جراء التسريبات التي روجت لمصادمات وأعمال عنف مسلح.

غادر المئات من الذين توافدوا إلى ساحة العروض للاحتفال بالمناسبة بدعوة من مكونات سياسية جنوبية، بعد أن أقاموا فعالية في أجواء آمنة وفرتها قوات الحزام الأمني وأمن عدن وبقية التشكيلات العسكرية الجنوبية من جيش وأمن، دون أن يكون هناك شيء مما كانت تخطط له قوى شمالية وتريد تنفيذه حكومة الشرعية للإيقاع بين المكونات السياسية الجنوبية المطالبة بالاستقلال وإدخال عدن في فوضى وعنف كان من الطبيعي أن تتبرأ منه الشرعية وترمي وزره على المجلس الانتقالي والتحالف العربي.

يبدو أن المجلس الانتقالي والمقاومة الجنوبية اجتازا امتحانا صعبا، وفوّتا على حكومة الشرعية فرصة يرجّح أنها ستُعاد وستتكرر، لأنها- وفق مراقبين سياسيين- هي الورقة الوحيدة التي بقيت في يد حكومة بن دغر لمواجهة المطالب الجنوبية وعرقلة جهود المجلس الانتقالي في الدفع بالقضية إلى محادثات الأمم المتحدة للتفاوض على المستقبل السياسي للجنوب وعدم ربطها بقضايا اليمن والصراع المذهبي في الشمال، فهذا التوصيف للقضية الجنوبية هو ما يغيض الشرعية ويقلق الأطراف الشمالية فيها، ويدفعها إلى محاولات الزج بالانتقالي إلى صراع مسلح مع فصائل جنوبية أو إجباره مع تلك الفصائل أو منفردا إلى استخدام القوة العسكرية للسيطرة على المؤسسات الجنوبية، واعتباره بالتالي فصيلا متمردا سيطر بقوة السلاح.

تشير التكتيكات التي يسير عليها المجلس الانتقالي إلى أن تنفيذ دعوته للسيطرة على مقدرات الجنوب وإدارتها بعد طرد الشرعية اليمنية لن يكون بالسلاح ولا بالسطو والمصادمات مع المسؤولين والقائمين على تلك المؤسسات، وتشي التوجهات هنا في عدن كخطة أولى بأن العمل السياسي والحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف الجنوبية في المؤسسات والمصالح الحيوية والجيش والأمن هو السبيل الأمثل للسيطرة وإسقاط الحكومة، وتشير المعلومات في هذا الجانب إلى أن الانتقالي بدأ تحركاته وتفاهماته منذ ما قبل بيان 3 أكتوبر، وأنه قطع شوطا كبيرا وحقق مكاسب وضمن مواقف جنوبية وولاءات متعددة قبل أن يفكر في أي دعوة للسيطرة أو يقدم على خطوة دون دراسة أو تخطيط.. بمعنى أن البيان لم يأت إلا بعد عمل سياسي ميداني لدراسة ومسح المؤسسات والترتيب لكيفية إدارتها.

"ما حصل في صنعاء لن يحصل في عدن".. هذه كلمات قالها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في كلمته المرتجلة بمناسبة ذكرى أكتوبر، وهي ربما الجملة الصادقة الوحيدة التي قالها هادي، إن كانت بقصد أو بغير قصد، فسيطرة المجلس الانتقالي وبقية المكونات السياسية المؤمنة بمطالب شعب الجنوب لن تكون بالحرب واستخدام السلاح كما أُسقطت صنعاء بيد الحوثيين، لكن السيطرة هنا ستكون بالعمل السياسي وبقناعة القائمين على المؤسسات من أبناء الجنوب مع التعامل المسؤول إزاء أي تعنت وبأقل الخسائر ودون الانزلاق إلى مربع الصراع والمواجهة المباشرة مع أي طرف جنوبي.. وستحيد القوات العسكرية عن أي تباين في أي من المؤسسات، لتبقى كافة التشكيلات العسكرية الجنوبية في موقف الدفاع عن مقدرات الجنوب من مؤسسات إنتاجية وإيرادية أو قطاعات خدمية.

كل المقومات لإسقاط ما تبقى من شرعية الحكومة اليمنية في الجنوب متوافرة، وكل العوامل الموضوعية والذاتية ترجح كفة المجلس الانتقالي ومن معه من مكونات تعبر عن الإرادة الشعبية، فالحكومة في الأساس "ساقطة" ولا وجود لها في الجنوب كمسؤولين تنفيذيين، ما يعني أن مشروع السيطرة على الجنوب هو بالمفهوم المبسط إسقاط ما تبقى من هامش لشرعية الحكومة اليمنية في المؤسسات بإعادة ترتيب الوضع لتسيير عملها إداريا وماليا دون أية ارتباطات بالحكومة، وهو أمر يحتاج إلى قرار سياسي أو ترتيب إقليمي وموقف خارجي يتعامل مع الوضع الجديد في الجنوب.

إلغاء فعالية أكتوبر وبعدها صمت المجلس الانتقالي والعدول عن البيان السياسي وعدم التصعيد هو عمل سياسي يأتي في إطار الترتيبات للسيطرة النهائية وليس انحناء للعاصفة كما قد يُفهم لدى العامة، أو كما تحاول الأحزاب اليمنية أن توصله لشعب الجنوب وتستثمره سياسيا ضد المجلس وأهدافه وخطواته، فصاحب القوة الجماهيرية والعسكرية على الأرض لا ينحني للعاصفة، إن كانت هناك عاصفة حقا.

التزام الصمت في أروقة الانتقالي- مع ما يرجح أن يرافقه من عمل على الأرض- لا يخلو من جهود إقليمية لتهدئة الموقف بين الشرعية والانتقالي أو ربما ضغوط تمارس على الطرفين بعدم التصعيد والانزلاق إلى مواجهات عسكرية، وهذا أيضا مكسب سياسي آخر يحققه المجلس لشعب الجنوب من خلال الدفع بالقضية نحو الحل النهائي على قاعدة الشمال والجنوب.

 ما سُرّب أخيرا عن مبادرة لتشكيل حكومة جديدة بمشاركة الانتقالي سيظل مجرد تسريبات يتلقفها المجلس الانتقالي المفترض عليه توضيح موقفه منها عبر ناطقه الرسمي لاطلاع الشعب الجنوبي عما دار ويدور بعد "البيان"، لا سيما بعد إقالة أحمد عبيد بن دغر وتعيين معين عبدالملك رئيسا للوزراء، لكن مثل هذا الطرح لا يبدو مقبولا في الجنوب، ومثل هذه المبادرات التي لا تعترف بكيان سياسي جنوبي يدير المحافظات الست- دون شراكة من شماليين- لفترة انتقالية لن يُكتب لها النجاح وستعزز القناعات نحو السيطرة سواء بالانتقالي أو بمكون سياسي جديد سيخلقه شعب الجنوب كما أوجد الانتقالي وفوضه!!