الصور الفوتوغرافية..

الصورة قصة صحافية تجبرعلى رؤية الصراع

شهادة غير مكتوبة

واشنطن

تملك الصور الفوتوغرافية القدرة على التوفيق بين الحقائق المختلفة وخلق ذاكرة جماعية وثابتة. لكن هذه القوة تحتاج من المصور الصحافي أن يكون محايدا وأن يلقي الضوء على جميع أطراف النزاع، ليصل إلى تحقيق السلام الاجتماعي.

وفي ندوة بعنوان “التصوير الصحافي والذاكرة والبحث عن الحقيقة”، أدار الأكاديمي الكولومبي جيرمان ري نقاشًا بين أربعة مصورين صحافيين: ستيفن فيري من الولايات المتحدة، والبرتغالية جواو بينا ونتاليا بوتيرو من كولومبيا وألفارو يبارا من إسبانيا، وتمحور الحديث حول الدور الذي يمكن أن يلعبه التصوير الصحافي في البحث عن الحقيقة وبناء السلام في المجتمعات التي تعاني من الصراعات.

وجاء النقاش في إطار فعاليات مهرجان غابرييل غارسيا ماركيز السادس للصحافة في ميدلين في كولومبيا، الذي يقدم كل عام أكثر من 75 نشاطًا مجانيًا يتمحور حول الصحافة والأدب والفن والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والثقافة.

وقدم المصورون الصحافيون من خلال عملهم الخاص، نظرة نقدية إلى العديد من النزاعات في أميركا اللاتينية، وكانت صورهم قد وفرت للدول أساسًا لمعرفة التاريخ العنيف للعديد من الدول في أميركا اللاتينية وفق ما ذكرت ألكسندرا كانيدو في تقرير لشبكة الصحافيين الدوليين.

واجتمع هذا العام متحدثون وأعضاء لجان ومدربون من أكثر من 25 دولة في ميدلين من 3 إلى 5 أكتوبر للاحتفال ببعض أفضل المنشورات التي ظهرت في أميركا اللاتينية في العام الماضي.

وتمت مناقشة مواضيع في مقدمتها اللمحة الإنسانية التي يضيفها التصوير الصحافي إلى الصراع. وأوضح المشاركون أنه تاريخيًا، تم وضع احتياجات المدنيين، خصوصًا مجموعات الأقليات، جانبًا في مفاوضات السلام، وأحيانا استُبعدت كليا من معاهدات السلام. وعلى الرغم من التجارب المروعة للأفراد الذين يعيشون في نزاع في القرن الحادي والعشرين، لا يزال الكثير من الناس يربطون الصراع بالحركة العسكرية والأسلحة.

وتعتقد نتاليا بوتيرو أنه من المهم تصوير الصراعات لأنه يجبر الأفراد على رؤية الصراع من منظور مختلف ويجعل “النزاع أكثر إنسانية”.

التصوير الصحافي له تأثير عميق على المجتمعات وقدرتها على إنشاء أساس للشفاء المجتمعي من خلال ذاكرة بصرية مشتركة

ويقارب العديد من الأفراد في السلطة الصراع من أعلى إلى أسفل، بدلاً من مقاربته من أسفل إلى أعلى، مما يؤذي الأفراد الذين على أرض الواقع في مناطق النزاع.

وقد أكد أعضاء اللجنة على أن التصوير الصحافي يمكن أن يكون أداة للمساعدة في سد هذه الفجوة، وتسليط الضوء على الأفراد المتضررين.

وأفادت بوتيرو بأن “التصوير الفوتوغرافي شاهد”، فعندما تجتمع لجان الحقيقة بعد انتهاء النزاع، يعتمد المجتمعون في الغالب على شهادة مكتوبة، والتي يمكن أن تكون مقلقة إذا لم تتم دعوة أصوات بعض المجموعات إلى طاولة النقاش. يمكن للتصوير الفوتوغرافي أن يقدم أدلة لا يمكن دحضها ويتحدى الشهادات المتضاربة، مع أخذ ذلك بعين الاعتبار.

وأضافت بوتيرو أنها “تحاول إنقاذ الناجين من الصراعات” بتصويرها وأن تكون محايدة قدر الإمكان عندما تكون خلف عدسة الكاميرا. كما قدّم ستيفن فيري لجنة الحقيقة والمصالحة في بيرو (TRC) كمثال على الاستخدام الناجح للتصوير الصحافي في عملية السلام، ومثال تحتذي به البلدان الأخرى.

وقد أمرت لجنة الحقيقة والمصالحة في بيرو بإعداد مشروع للتصوير الفوتوغرافي المتعدد الوسائط، لبناء ذاكرة جماعية في أعقاب الصراع الداخلي في بيرو. ويعتقد فيري أن الصور الفوتوغرافية أساسية إذا أرادت البلاد حقًا التفكير في ماضيها والمضي قدمًا.

كما اتفق أعضاء اللجنة على أن التصوير الصحافي يمكن أن يكون له تأثير عميق على المجتمعات وقدرتها على إنشاء أساس للشفاء المجتمعي من خلال بناء ذاكرة بصرية مشتركة ووعي وطني.

ويرى ألفارو يبارا أن التصوير الفوتوغرافي يجب أن يلعب دورًا هامًا في جميع مراحل عملية الشفاء، مما يضع الأساس لتحقيق السلام الاجتماعي. فعلى الرغم من أهمية وقف إطلاق النار ومعاهدات السلام، إلا ذلك يؤدي إلى سلام سلبي يتسم بغياب العنف. لكن السلام الاجتماعي -المعروف بالسلام الإيجابي- سلام أعمق ويمكن أن يؤدي إلى الشفاء الحقيقي. ومن الأهمية بمكان أن يلتزم المصورون الصحافيون بأعلى مستويات الأخلاق والامتناع عن تغيير الصور، لأن لديهم القدرة على كتابة التاريخ.

في المقابل قد يواجه المصورون الصحافيون عقبات متعددة في بعض المجتمعات، مع ازدياد تخوّف الناس من استغلال صورهم ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع استمرار انتشار التقنية الحديثة واطلاع الناس بشكل أدق على خصائصها التي تسمح للكاميرات بالدخول بلا استئذان في كل مكان متحدية المنع والرفض الاجتماعي، يحاول الصحافيون اتباع تقنيات غير تقليدية للحصول على صور جيدة للمواد التي يعدونها حتى لو استغرق ذلك وقتا أطول من كتابة مادة.

ويختار بعض الصحافيين أسطح المنازل أو تحت الأشجار المحيطة بالمكان ليكون بعيدًا عن الأنظار والأخطار التي قد تهدد سلامته، فحين يقع حادث لا يهتم الناس في أماكن معينة بالحادث بقدر اهتمامهم بمَن يصور وينقل تفاصيل الخبر، وقد يتجاوز تدخلهم منع الصحافي إلى تهديده وضربه حين لا يتوقف عن التصوير.