مدينة الضالع..

تقرير: "الضالع" بوابة الجنوب الشمالية.. ماذا يجري هناك؟

الاغتيالات اليومية طالت رجال المقاومة وقوات الأمن والجيش

ماجد الشعيبي

المدينة الباسلة تنهار من الداخل.. صورة طبق الأصل من سيناريو عدن وتعز يتكرر مرة أخرى في أولى المحافظات الجنوبية المحررة من قبضة جماعة الحوثي والأكثر صمودا وتضحية في سبيل الحرية والكرامة.
إنه مشهد ما بعد التحرير وغياب الدولة ينعكس بشكل مباشر على تفاصيل ويوميات المحافظة التي رفضت كل أشكال الظلم والاستبداد وقاومته لسنوات طوال ، وفيها تأسست نواة المقاومة الجنوبية ، وذاع صيتها كخزان للمقاتلين في الجنوب اليمني.. ها هي اليوم تبدو ساحة مفتوحة للاغتيالات وتصفية الحسابات التي بدأت مع اغتيال المهندس عبدالله الضالعي (أهم قيادات الحراك وأحد مهندسي المجلس الانتقالي) نهاية العام 2017 ، وصولا إلى اغتيال الصحفي الشاب زكي السقلدي (أحد ناشطي الحراك والمحسوب سياسيا على حزب الاصلاح) مطلع أكتوبر الجاري . 


لغز الاغتيالات


وبين الحادثين لم تخل المدينة من أخبار الاغتيال شبه اليومي ، الذي طال عشرات الشبان غير المعروفين والذين ينتمي أغلبهم الى قوات الأمن او الجيش او المقاومة. وذلك الى جانب الفوضى والانفلات الذي أودى بحياة الكثيرين على خلفية صراعات شخصية وجرائم جنائية.
في الضالع تعجز السلطات المحلية والأمنية ، مضافاً إليها قوات الحزام الأمني التي تولت مسألة تأمين المحافظة ، من حماية منظمة طبية ، عملت خلال الفترات السابقة على إنعاش الجانب الصحي ، وقدمت الكثير من الخدمات الطبية التي يحتاجها السكان ، في ظل عجز إدارة المستشفى العام والوحيد في المدينة عن توفير أبسط مستلزمات العلاج.


مغادرة المنظمات


وفي ذروة الكارثة الصحية التي تعيشها المحافظة ، غادر الطاقم الطبي التابع لمنظمة أطباء بلا حدود محافظة الضالع إلى أجل غير مسمى ، على وقع اعتداء مسلح استهدف مقر سكن الطاقم الطبي ، وهي حادثة تكررت خلال الفترات السابقة أكثر من مرة ، وعلى إثرها كانت أطباء بلا حدود قد علقت عملها في مستشفى النصر بالضالع لأكثر من مرة محاولة قدر الإمكان تحاشي قرار الرحيل ، لكن تفاقم الاختلالات الأمنية حرم المواطنين من آخر نافذة صحية فاعلة.


المحافظ وحيدا


"علي مقبل" محافظ المحافظة المعين قبل أكثر من عام بديلاً للمحافظ المقال فضل الجعدي ، لم يخف عجزه عن إدارة سلطته والإمساك بزمام محافظته ، ومرد ذلك  "غياب الإمكانيات التي يفترض أن تقدمها أي دولة للسلطة المحلية".
 مقبل تحدث لمحرر "عدن تايم  إنه يمارس سلطاته الرسمية "عرفياً لتعويض غياب الدولة ، بدون أي ميزانية منتظمة او أجهزة إدارة أو قوة أمنية"، و يؤكد محافظ الضالع أن صوته قد بح وهو يناشد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء لدعم محافظة الضالع مادياً  للنهوض بها ، ومساعدته في ممارسة صلاحياته القانونية و تثبت دعائم الدولة ، لإنهاء حالة الفراغ السلطوي والأمني الذي تستغله كثير من الأطراف المشبوهة لتنفيذ أجندتها الخاصة .


تداخل أمني


مقبل ، الرجل السبعيني الذي يتكئ على الكثير من المتناقضات ، لم يخف ازدواجية السلطات الأمنية التي تتقاسمها كل من إدارة الأمن والحزام الأمني المشكل حديثاً ، والتي تسببت بالكثير من المشاكل الأمنية التي تطورت مع الوقت لتصبح صراعاً مكتوما بين طرفي الأمن ، سرعان ما عبر عنه نفسه لاحقا بمواجهات مسلحة أنتهت بسقوط 8 قتلى والعشرات من الجرحى من الطرفين.
لم يخف المحافظ انزعاجه من التصرفات العشوائية التي تقدم عليها قيادة الحزام الأمني – قيادة ناشئة تفتقر للخبرة العسكرية - ، والتي تتجاوز في أحيان كثيره سلطات المحافظ نفسه ، مؤكداً عزمه "إيقاف هذا العبث ، في حال استمرت قيادة الحزام بالتدخل في شؤون ليست من اختصاصها ، مع أنها نفسها وقبل وصولها المحافظة أبرمت اتفاقيه برعاية إماراتية تنص على أن الحزام الأمني سيخضع لأوامر وتوجيهات السلطة المحلية" .. غير ان هذا الاتفاق شهد اختراقات كثيرة ، قد تؤدي قادم الأيام إلى تصعيد متبادل بين الطرفين ، مالم تتدخل قيادتا الشرعية والتحالف لحسم هذا الاختلال.


تناقضات سياسية..


على المستوى الأمني ، لا تبدو الضالع أحسن حال من باقي المحافظات المحررة، لكنها مع ذلك تحتفظ بقدرتها الفريدة على اإداراة تناقضاتها السياسية التي عصفت لأكثر من مرة بمحافظة عدن ، في حين ان الضالع نجحت بفرض إيقاع توافقي غير مسبوق بين السلطة المحلية  والمجلس الانتقالي ، وفق قاعدة ومقتضيات المصلحة العامة التي يتم تحديدها دائما بناء على الأعراف القبلية والتفاهمات التقليدية والاجتماعية ، بدلا عن التوافقات السياسية والأحكام القانونية.
 لكن الطابع الصوري للشرعية في الضالع ، والرتابة السياسية التي تعتري عمل المجلس الانتقالي الجنوبي تفرض على المحافظة المتمردة دوما تغيرات عميقة في وعيها الجمعي وبنيتها الاجتماعية ، تتيح بدورها مساحة مقبولة لدخول وافدين جدد ، يتطلعون إلى ممارسة نفوذ اجتماعي أوسع بأدوات ايدلوجية مختلفة .


من اليسار الى اليمين


الضالع عرفت سابقا بأنها اليسار اليمني المحصنة ونقطة انطلاقه النضالي جنوبا وشمالا ، ومن ثم أصبحت خزان الحراك الجنوبي الذي فرض بدوره على الوعي الجمعي هناك تغيرات جذرية في الخطاب والمفاهيم السياسية ، ولعل هذا التغير التدريجي والمنطقي من "الاشتراكي" إلى "الحراك" ، حمل في طياته أيضا تبدلات أكثر خطورة وأقل ظهورا تمثلت بتغلغل الأيدلوجيا الإسلامية والوهابية بطابعها السياسي الذي مثله حزب الإصلاح  وكان شحيح التأثير في الضالع ، وبطابعها الدعوي الذي حقق انتشارا واسعا وملموسا بين أبناء المحافظة.
واليوم توشك الأفكار الإسلامية على التحول إلى مركز نفوذ اجتماعي وثقافي ثابت ، يجعلها مستقبلا قوة ضاربة تعمل من تحت الرماد كي تتموضع في القمة  كخيار أمر واقع لا مناص منه . ولعل موجة الفقر والمرض الذي تعيشه المحافظة سيرجح كفتها باعتبارها البديل الأكثر فاعلية وانتشارا ، في ظل عجز الآخرين عن حلحلة مشاكل المحافظة التي لم تعد تخفى على أحد .