قمة إسطنبول..

السياسة الدولية تنصب الكمائن للشعب السوري

أن مصير الميليشيات الإيرانية والحرس الثوري بيد الشعب

حامد الكيلاني
دمشق

رباعية قمة إسطنبول، هل أصابت كبد الحقيقة عندما تركت مصير النظام في سوريا بيد الشعب السوري الحاكم الفعلي إلى الأبد؟ لكن وبما أن للحقيقة وجها آخر تعودنا على معايشته بالحديد والنار والموت والدمار والجوع والفقر ومستلزمات السياسة المتبقية، لذلك فإن إطلاقات الرباعية جاءت متجانسة مع التناقضات التي صارت بعضا من طبيعة الذين يلوذون بصمت وسط الخراب، محاولين إعادة لملمة بقايا حياتهم وكرامتهم وجدران بيوتهم وأحزانهم بما يمتلكونه من قدرات فائقة على تطويع قناعاتهم لتصديق مخرجات التوقيع في القمة السياحية الرباعية في إسطنبول تحت شعار “مصير الأسد بيد أبناء البلد”.

قمة إسطنبول نوّهت بأن مصير الملايين من شعوبنا يمكن أن يخضع للمجاملات الدبلوماسية وتهدئة الخواطر بين رؤساء دول وحزمة مصالحهم فوق طاولة مباحثات سياسية تستوفي شروطهم الاقتصادية والأمنية.

عدم استدعاء النظام الإيراني إلى القمة، تبرّره الخاتمة الرومانتيكية بتقليد الشعب السوري وسام إرادة تقرير مصير النظام على طريقة تدوير النظام الديمقراطي والتصويت الانتخابي في العراق بكل قوى الإرهاب والاحتلال.

ما خرجت به القمة يعني أن مصير الميليشيات الإيرانية وقواعد الحرس الثوري في سوريا بيد الشعب، وأن إيقاف الضربات من سلاح الطيران أو منصات الصواريخ الإسرائيلية بيد الشعب، وأن مصير القوات والقواعد الروسية وبقاء القوات الأميركية شرق الفرات ومعها العديد من القوات الأخرى كذلك بيد الشعب السوري، والدور التركي على الأرض وتواجد قوات سوريا الديمقراطية الكردية وتنظيم داعش وعملياته الإرهابية مناط أيضا بقرار من الشعب.

كل تلك المسلّمات اختصرتها القمة الرباعية بترك مصير الحاكم في سوريا إلى الشعب السوري، رغم أن النظام الحاكم منذ أكثر من 7 سنوات من عمر الثورة السورية بمراحلها وتداعياتها من التظاهرات السلمية إلى الصراعات والمواجهات الدموية، انتهى إلى الاستنجاد بالقوات الروسية بعد الميليشيات الطائفية الإيرانية لقمع الشعب والتعامل معه كفصيل إرهابي يستحق الإبادة.

وهو ذات الشعب الذي تطالب له روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا بحق إزالة النظام أو الإبقاء عليه فوق كرسي السلطة بالوسائل الديمقراطية الحديثة، أي بالتداول السلمي للسلطة وبانتخابات سلسلة ونزيهة.

نظام البراميل المتفجّرة والقصف العشوائي والسلاح الكيميائي، وبعد مليون قتيل سوري والملايين من اللاجئين والنازحين والأرامل واليتامى والمعوقين، سينتصر عليه الشعب بانتخابات عملية سياسية مقرر لها سلفا أن يشارك فيها النظام وبشخصية الحاكم الذي كان سببا في الإنتاج الواسع والمتعدد المصادر لصناعة الموت.

قمة إسطنبول، طلعت، دون ريب على المجتمع الدولي بقرار الإبقاء على مصير الشعب السوري بيد النظام الحاكم.

القمة أطلقت يد الإرهاب الداعشي مجددا في سوريا، وأعطت مبررا للتواجد الإيراني فيها، عدا عن بقاء الحال على ما هو عليه للمداخلات الدولية، أما القواعد الروسية فهي بصلاحيات استثمار بعيدة المدى، وإن كانت روسيا تبدو، حاليا، بملامح متجهّمة تسعى لكسب التعاطف بإعادة اللاجئين وإعمار مدنهم المدمرة دون أن تمد يدها في جيبها، المثقوب أصلا.

روسيا بادرت بالضغط على النظام لإصدار تطمينات أمنية وعقارية ومذهبية، تحت سقف إنساني يتطلب أولا من روسيا دعم الانتقال السياسي؛ وهذا الانتقال لن يكون بالتأكيد على مقاسات خياطة بدلة جديدة لهيكل متهرئ من ماركات مستهلكة على الساحة السورية أو الدولية، أو في أروقة منظمة الأمم المتحدة.

النظام قطعا لم، ولن، يعترف بأهمية الشعب السوري في تقرير مصيره السياسي، إلا بمخرجات من نوع قمة إسطنبول، تهادن الحاكم وتراوح في محلها بانتظار متغيرات حتمية أو طارئة في المنطقة أو العالم، وفي قضايا بالغة الأهمية تتعلق بالأمن الإسرائيلي، وتمدّد مشروع إيران الإرهابي في الشرق الأوسط، وأثر العقوبات الأميركية، وما يجري من تلقين في الكواليس لأداء أدوار سياسية بأزياء تجارية تساوم على دماء شعوبنا بإعلانات عن السلام بطلها بشار الأسد أو قاسم سليماني أو زعماء الميليشيات في العراق ولبنان واليمن أو بتنظيمات تحت الطلب.

مغالطات تاريخية أرست قواعدها في عالمنا المعاصر وأصبحت تقاليد لبرامج حزبية وحكومات وحتى جامعات استسلمت بعمق في غفلة من فقدان الإنسانية نتيجة للخوف والتسكيت المزمن للحقيقة الماثلة أمم أعيننا ونقف على خرابها. رغم ذلك يدفعون بنا إلى التسليم مرارا وتكرارا بمقولات ساذجة تفرضها الأيديولوجيات أو الخطابات الرسمية لأنظمة محاطة بالتخلف وأيضا بالبكاء على ما تبقى من أطلال المدن أو أطلال الحياة.

فات الأوان كثيرا على منظمة دولية مطرودة الصلاحيات حتى في الرأي من قبل نظام “يؤمن جدا” بأن مصيره لا يقرره أحد خارج الحدود، وأن ذلك الحق من صلاحيات الشعب السوري، حصرا.

لم يعد الشعب السوري وشعوب المنطقة والعالم بحاجة إلى المزيد من اللقاءات السياسية في المنتجعات السياحية، فما يصدر عنها من تصريحات بحلول وهمية، تنشّط الإرهاب واليأس والأكاذيب، وتساهم في تصريف البضاعة الفاسدة بتوقيتات علاقات تقوم على المزايدات في العروض المعلنة، رغم أن الإحالات محسومة لتحالفات القوى العظمى وإراداتها ومحاورها وما ينتج عنها من تكليف القوى الأصغر بواجبات إدامة الأزمات بالتصعيد أو بالبحث عن مطافئ خاصة تمهّد لنهاية حريق وبداية آخر.

بما أن العروض الرومانتيكية تشهد رواجا في الخطابات واللقاءات والمؤتمرات، فلماذا لا نسمح لمخيلتنا بإطلاق دعوة لمجلس الأمن بعقد جلسة خاصة وسط خرائب حلب أو الغوطة الدمشقية أو الموصل ليكتمل الإحساس بالكوارث، وبحضور رؤساء الدول الأعضاء الدائمين في المجلس؟ لكن من يدري، قد يخرجون علينا من الحطام بشعار عقلاني كالذي تمخضت عنه قمة إسطنبول بترك مصير الشعب السوري للنظام الحاكم في سوريا، تعبيرا عن استمرار مواقفهم المبدئية الثابتة والواضحة طيلة السنوات الماضية في دعم الشعوب.