النظام الجزائري..

الجزائر: مسرحية العهدة الخامسة على المشهد السياسي

ولاية خامسة مثيرة للجدل

أزراج عمر

هل صحيح أنه بإمكان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، أن يرشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة رسميا للعهدة الخامسة من تلقاء نفسه، أم أن الطبخة السياسية في الجزائر لا يصنعها إلا أجهزة الجيش والمخابرات والرئاسة، أما السياسيون في الأحزاب ومختلف الدوائر السياسية الثانوية فهم مجرد موظفين ودورهم معروف وتقليدي في المشهد السياسي الجزائري منذ الاستقلال إلى اليوم، ألا وهو التنفيذ الكامل للتعليمات التي يتلقونها من هذه الأجهزة التي تحرك خيوط السياسة في الجزائر؟

لا شك أن التحليلات الساذجة التي تصف جمال ولد عباس والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي والوزير الأول أحمد أويحيى، بأنهما يتحركان وفقا لإرادتهما وبرنامجهما الشخصي،   تنسى حقيقة تغطى دائما، وهي أن هذين الرجلين وغيرهما من رؤساء أحزاب الموالاة وكذا الشخصيات المدنية المعروفة التي تدور في فلك النظام الحاكم ليسوا سوى أدوات تحرك من وراء الستار، وأنهم لا يملكون شرط الاستقلالية لأسباب كثيرة وفي المقدمة عدم تمتع هؤلاء بأي شرعية وطنية أو بمكانة رمزية في الأوساط الشعبية.

بسبب هذا الوضع المزري الذي تعيشه السياسة في الجزائر لا ينتظر أن تكون هناك تداعيات يمكن وصفها بالخطيرة تنجر عن إعلان جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني خلال هذا الأسبوع رسميا ترشيح حزبه للرئيس بوتفليقة للعهدة الخامسة. وفي الواقع فإن هذا الإعلان الرسمي ليس بأي شكل من الأشكال مقترح شخص ولد عباس أو حزب جبهة التحرير الوطني، بل هو تنفيذ لأوامر السلطات العليا المتحكمة في الفضاء المثلث الأضلاع المتشكل من المؤسسات الثلاث العسكرية والأمنية والرئاسية من قبل رؤساء وأقطاب أحزاب الموالاة، وكذا الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي أو المالي أو النقابي التي تدعم الرئيس بوتفليقة من خارج حيطان التشكيلات الحزبية للشروع في التهيئة النفسية للشعب الجزائري لتمرير سيناريو العهدة الخامسة بسلاسة في السنة الجديدة 2019.

الجهات العارفة بالشخصية القاعدية الجماعية تؤكد ظاهرة الاستسلامية الجديدة التي تشكلت خلال وبعد أحداث العشرية الدموية بشكل ملفت للنظر، وأنه من المستبعد جدا أن تشهد الجزائر أي تحول جذري أو أي هزة سياسية شعبية في الوقت الراهن، جراء استشراء هذه الظاهرة في الجزائر العميقة، ونتيجة لذلك فإن السلطات الجزائرية ستمرر الانتخابات الرئاسية حسب مشيئتها  وسيفوز بها حتما مرشحها الذي تختاره ويفترض أن يكون الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة. في هذا الخصوص يتساءل المراقب السياسي: هل يجب التسليم بالقدرة الكلية للنظام الحاكم في الجزائر ولماذا؟

وفي الحقيقة فإن الإجابة على هذا السؤال تنطلق من مسلمة شبه مطلقة تتلخص في أن النظام الجزائري قد تمكن من بناء ترسانته التي مكنته فعليا من امتلاك الأوراق الكافية التي تجعله مسيطرا على الانتخابات القادمة وعلى المشهد السياسي والاجتماعي ككل في المستقبل المنظور، وفي مقدمة ذلك هناك عنصران جوهريان متكاملان في هذا الخصوص.

حيث يتمثل العنصر الأول في تدهور الوضع العام بمنطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط وذلك نتيجة إجهاض ما يسمى بالثورات العربية في هذا الفضاء والفشل في تحقيق أي نتيجة ذات مردود سياسي أو اجتماعي بالدرجة الأولى، وبالعكس فإن الشعب الجزائري قد تعلم من هذه الانتفاضات درسا مرا وهو أن التغيير الذي تحلم به الشرائح الشعبية يصطدم، باستمرار، بجدران التخلف الاجتماعي والثقافي والقهر السياسي والاقتصادي التي تحطم كل محاولة تبذل من أجل تجاوز الاستبداد المفروض من طرف الحكام، أو جراء انحطاط البنية الثقافية والذهنية السائدة.

أما العنصر الثاني الذي ما فتئ يستفيد منه النظام الجزائري ويجيّره لصالحه فيتمثل على نحو سافر في ضعف المعارضة الحزبية الجزائرية الناشئة، سواء من حيث فوضى التنظيم الهيكلي أو من حيث التشتت العقائدي، فضلا عن فشلها في النفاذ إلى الأوساط الشعبية وكسبها إلى جانبها. علما أن هذه الأوساط الشعبية قد تركت فريسة للجهل السياسي والنكوص النفسي على مدى سنوات طويلة.

بناء على ما تقدم فإن الانتخابات الرئاسية قد حسمت قبل إجرائها في عام 2019 ويعود السبب في ذلك إلى عوامل سلبية متعددة منها عدم وجود رهان على شخصية مهمة بديلة لها وزن ثقيل ويمكن أن تنافس بوتفليقة، ويصطف حولها الشعب في الجزائر العميقة.

في مثل هذا المناخ السياسي المهلهل ستصطدم المعارضة، بمختلف تشكيلاتها، مرة أخرى بحقيقة انتفاء النضج السياسي لديها وبغياب أي توافق في برامجها الهشة أو أي إجماع حول الشخصية السياسية الوطنية الكاريزمية التي ستختارها لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة.