الحروب الاقتصادية..

الحروب الاقتصادية سلاح فتاك في اختلال موازين الدول

تعد المقاطعة الاقتصادية من أهم أسلحة الحرب الاقتصادية

القاهرة

الحرب الاقتصادية هي من أقدم أنواع الحروب التي عرفتها البشرية ، والتي تقوم كنوع من أنواع الصراع على الموارد الاقتصادية ، وتملك الأسواق الدولية ، ومصادر الطاقة والماء ، وهي ذاتها الأسباب الأساسية للحربين العالميتين الأولى والثانية ، وحتى منتصف القرن العشرين ، كان يتم تنفيذ تلك الحروب ، ولقد كانت الحروب الاقتصادية في القرون الماضية غير واضحة باستخدام القوة العسكرية ، والاستعمار الذي انتشر في جميع أنحاء العالم في بداية القرن التاسع عشر .
ويقول الخبراء ، دفعت الحروب الحديثة والنزاعات الأهلية منذ بداية القرن العشرين العديد من الدول إلى اعتماد تخطيط اقتصاديّ يحافظ على التوازن بين الاقتصاد المحليّ ومتطلّبات النفقات الروتينيّة المدنيّة من جهة ، وبين ما يحتاجه المجهود الحربيّ من موارد وتدابير استثنائيّة من جهة أخرى .
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ، تغيرت صور الاحتلال الاقتصادي والسيطرة على الأسواق ، من خلال حركة الواردات ورؤوس الأموال محل القوة العسكرية ، وتجلت أعظم صورها في العولمة والنظام العالمي الجديد ، وهو ما كان له آثاره المدمرة ونتائجه الخطيرة خاصة على بلدان العالم الثالث “الدول النامية ” وتتمثل نتائج وآثار الحرب الاقتصادية في البطالة والهجرة وتغيير مفاهيم المعرفة الاجتماعية ، وزيادة الفقر والجهل والأمية ، وارتفاع أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر.
مفهوم اقتصاديات الحروب:
هو عملية تعبئة وحصر كافة الموارد القومية المتاحة من مادية وبشرية ، وإعادة توزيع استخدامها ، بحيث يخصص الجانب الأكبر منها لخدمة المجهود الحربي ، من أجل تحقيق النصر في المعارك التي تخوضها الدولة.
بمعنى آخر ، ان مجموعة التدابير التّي تتخّذها الدولة خلال الحروب ، أو عند اندلاع الأزمات والنزاعات الداخليّة ، ولكي يصمد اقتصادها خلال هذه الظروف الاستثنائيّة ، وذلك باعتماد نظام إنتاجي يعمل على توفير الموارد الاقتصادية ، لضمان استمرارية التماسك على المستوى الداخليّ المدنيّ ، وكسب المواجهة العسكريّة ، يُعرف اقتصاد الحرب بأنه تغيير هيكلي في بنية اقتصاد الدولة التي تمر بحرب ، بحيث يُخصص جزءا كبيرا من موارد الدولة لمواجهة نفقات الحرب والتسليح ، في المقابل يُخفض الإنفاق العام ، ليقتصر على توفير الاحتياجات الضرورية للمواطن ، أي أن المشاريع التنموية والرفاه الاجتماعي وغيرها من الأنشطة التي تشرف عليها الدولة ، تتراجع وتصبح أمورًا ثانوية .

لذلك يعدّ “اقتصاد الحرب” اقتصادًا غير إنتاجي في جوهره ، وخصوصًا أنه يعتمد على المساعدات الخارجية ، وتتحكم فيه شبكات المصالح المتوزعة ، بين قطاعي المال والأعمال ، وبين مؤسسات الدولة والحكم ، وهو الذي يضغط على الخيارات الاقتصادية العامة ويحدد اتجاهاتها .
ويبين المراقبون ان من انعكاساته ، النقص الحاد للسلع في القطاع المدني الناجم عن زيادة الطلب في أثناء الحروب ، بسبب حاجة القوات المسلحة إلى الإمدادات العسكرية ، إضافة إلى الفوضى التي قد تعم الأسواق ، وتقود الحكومات بعيدا عن نظامها الاقتصادي ، إلى التدخل في الاقتصاد ، فتعمد إلى توزيع الموارد والبضائع بقرارات إدارية متجاوزة آلية السوق عندما تدعو الضرورة .
إن الدول التي تدخل في حرب ، يكون من البديهي تحول اقتصادها الى اقتصاد حرب ، حيث الأولوية تكمن في تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء ، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية ، ويعرّف عالم الاقتصاد “فيليب لو بيلون” اقتصاد الحرب بأنه: نظام إنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربي .
أهم صور وخطط الحروب الاقتصادية:
1. إغراق الدول المعنية بالديون والفوائد ، حتى تمتنع عن السداد وتسوء سمعتها في العالم ، وبالتالي تمنع من حرية الاقتراض من العالم الخارجي ، وتتوقف بعدها برامج التنمية ، وربما يتهدد استقرارها الاجتماعي.
2. افتعال الأزمات بين دول الجوار المستهدفة بالحروب الاقتصادية ، لتستفيد الدول الكبرى من عمليات بيع السلاح ، واستنزاف الموارد الطبيعية لتلك الدول ، مثلما حدث بين اليمن وأثيوبيا ، وسوريا وتركيا ، والإمارات وإيران.
3. خطط لضمان التبعية الاقتصادية ، وذلك عن طريق ربط اقتصاديات الدول المستهدفة باقتصاديات الدول الكبرى ، عن طريق إمدادها بالغذاء والأدوية وتقديم المساعدات الاقتصادية والمعونات السنوية إلى غير ذلك ، ما يضمن ولاء تلك الدول المتنازعة للدول الكبرى من الناحية الاقتصادية والسياسية ، لأن تلك الدول النامية أدمنت تلك المساعدات وأصبحت لا تستطيع الاستغناء عنها.
4. الحماية العسكرية ، بمعنى أن الدول المتقدمة تضمن لعدد من الدول ذات الموارد الطبيعية ، والتي لا تملك القوة للدفاع عن نفسها ، الحماية العسكرية الدائمة ، أو المؤقتة ، نظير الحصول على أموال طائلة ، وعلى البترول وعلى الموارد الطبيعية النادرة ، ومثال ذلك حماية القوات الأميركية لدول الخليج العربي.

أنواع تمويل الحروب الاقتصادية “دولية وأهلية”:
الحروب عموماً مكلفة جداً ، ولا بدّ من تمويلها ، تعتبر الحروب بين الدول أكثر تكلفةً من الحروب الأهلية لأنّها تحشد موارد أضخم بكثير ، إلا أنّ تمويلها أسهل ، لأنّ الدولة المحاربة تمتلك وسائل الإكراه والشرعية المؤسساتية ، من خلال الإكراه المشروع ، تستطيع القيام بالتعبئة ، والمصادرة لأغراض عسكرية ، وفرض الضرائب ، والاستدانة ، وبالتالي تؤجَّل المشاكل المالية.
ونتذكر في هذا السياق ، السجالات التي جرت عقب الحرب العالمية الأولى ، وتعويضات الحرب المتوجبة على ألمانيا ، والانتقادات الموجّهة إلى كينز ، والمساعي الفاشلة لتحسين معيار الذهب وأزمة عام “1929”.
أمّا الحروب الأهلية فهي “حروب صغيرة” لكن تمويلها أصعب ، لأنّ الاقتطاعات الضريبية لا يمكن أن تتم تحت غطاء الشرعية المؤسساتية ، والاقتراض محظور ، فضلاً عن أنها تتخذ مباشرةً شكل عملية سرقة ونهب ، والحال كذلك لا غنى عن المساعدة الخارجية التي تكون دوماً متاحة ، سواء بأدنى أشكالها للسماح بتمرير الأسلحة والمؤنة ، أو كلوازم وتجهيزات ومساعدة مباشرة.

وفي كلتا الحالتين ، لا تخلو هذه المساعدة من المصلحة ، ونظراً إلى انعدام التوازن في القوى بين طرفي الحرب الأهلية وداعميه الخارجيين ، تُستَخدم المساعدة كرهن لصالح هؤلاء ، لتقييد حرية تصرّف الأطراف الداخليين ، سواء على صعيد سير المواجهة ، أو بشكلٍ خاص التفاوض على مخارج للحرب ، فضلاً عن ذلك ، يسعى الأطراف الداخليون إلى ضمان أكبر قدر من السلطة الذاتية والأمان ، عبر مضاعفة مواردهما “الخاصة” إلى أقصى الحدود.
عند توافر موارد قابلة للتصدير بسهولة ، لا سيما الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة ، يصبح تمويل الحروب الأهلية عملية سهلة ، بالرغم من أنّه يشجع المشترين في الخارج على شرائها بسعرٍ بخس ، فيغدو هؤلاء الحليف الراعي والداعم ، تلك هي حال الحروب الأهلية المتكرّرة في عددٍ من الدول الأفريقية والأسيوية ، ففي سورية على سبيل المثال ، نشهد عملية تطوّر غير متوقعة للصادرات النفطية ، ولو أنّها لم تعد تخفى على أحد ، يُذكر أنّ السوق السوداء للنفط -المنتشرة على نطاق واسع والتي يتم التغاضي عنها إلى حد كبير- أنشئت في زمن الحصار الذي فُرِض على العراق ، في ظل غياب الموارد الطبيعية ، تموّل الفصائل المحلية نفسها عبر اللجوء بطيب خاطر إلى زراعة أنواع المخدرات كافة ، وتصديرها – سواء في أفغانستان أو في مختلف دول أميركا اللاتينية – أمّا في لبنان ، فقد أدّى نهب مستودعات مرفأ بيروت عام “1976” إلى تأجيج موجة من الصراعات القاتلة ، وتغذية صناديق الميليشيات الناشئة ، أضف إلى ذلك عمليات الاختطاف مقابل فدية.

ولا بد من الإشارة إلى عمليات السلب والنهب لخزنات البنوك ، والتي كانت من العمليات الأقل شيوعاً ، وفي هذا الإطار ، تم تسجيل حالة واحدة في لبنان خلال سنوات الحرب الخمس عشرة ، فالبنوك محصّنة ، لأنّها تستطيع بسهولة دفع المال إلى الميليشيات لقاء تأمين الـ”حماية” لها ، إنما أيضاً لأنّه لا غنى عنها لتمويل الحرب الأهلية بمجملها ، بالنسبة إلى الميليشيات أو إلى السكّان .
قنوات التبادل وأغنياء الحرب:
عند نشوب حروبٍ بين الدول ، تسدّ قنوات التبادل والإمداد ، بفعل تحوّل الحدود إلى خطوط “مواجهة” ومع تطوّر السفن الحربية ، أصبح إغلاق القنوات التجارية سلاحاً بحد ذاته ، إذ إنّه يولّد لدى الدول المحاربة التي تملك هذه القدرة ، الرغبة في تضييق الخناق على أعدائها الذين يضطرون إلى توجيه جزء من جهودهم العسكرية للسيطرة على مصادر الإمداد “الاستراتيجي” أو حتى لفرض الحصار ، أو لاتخاذ إجراءات حصار متبادلة ، وخير دليل على ذلك ، الحرب العالمية الأولى ، وبدرجة أكبر الحرب العالمية الثانية.
في المقابل ، خلال الحروب الأهلية ، تُقطع الممرات الداخلية ، بدايةً بشكلٍ عفوي بسبب أعمال العنف ، ثم بطريقة منظّمة على يد الميليشيات التي تجد في نهب السلع الداخلية مصدراً رئيسياً.

مقومات وميزات الحرب الاقتصادية:
يمكن إيجاز أهم مقومات وميزات الحرب الاقتصادية في النقاط الآتية:
1. قوة ميزان المدفوعات داخل الدولة ، وقدرته على عدم التأثر بالصدمات الخارجية ، أو مقاومة تلك الصدمات.
2. قوة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية ، وما تتمتع به هذه العملة من تاريخ وقيمة بين العملات الأخرى ، وذلك من خلال أنظمة أسعار الصرف التي تخضع لآليات السوق.
3. قوة الجهاز الإنتاجي داخل الدولة ، وقدرته على سد الاحتياجات الداخلية ، والقدرة على إيجاد فائض قادر على المنافسة عند التصدير.
4. مرونة الجهاز الإنتاجي في إنتاج السلع المختلفة ، فعلى سبيل المثال ، شركة جنرال موتورز للسيارات بالولايات المتحدة ، يمكن أن تتحول لإنتاج الدبابات في ذات الوقت.
5. كبر حجم السوق الداخلي في الدولة ، واتساقه وتنوعه ، بحيث يكون السوق الداخلي متوافقاً مع إمكانات الدول الإنتاجية ، ويمكنه استيعاب النشاط الإنتاجي والخدمي ، وكل ما سبق يُعَدُّ من قبل قوة الدولة لدخول الحروب الاقتصادية ، وبمعنى آخر ، يقال ان تلك الدولة عندها الأدوات التي تمكنها من الهجوم الاقتصادي ، وفي ذات الوقت ، لديها آليات الدفاع عن الاقتصاد القومي ، وذلك لأن الاقتصاد القومي يتميز بالقوة والنمو المتواصل.

أبرز الأسلحة المستخدمة في الحرب الاقتصادية:

1. المقاطعة الاقتصادية:
تعد المقاطعة الاقتصادية من أهم أسلحة الحرب الاقتصادية ، وذلك من خلال مقاطعة كاملة لسلع إحدى الدول ، وعدم الاستيراد منها أو التصدير إليها على الإطلاق ، وذلك باستخدام المنتجات المنافسة لمنتجات تلك الدولة ، وعدم إعطائها أي فرصة لترويج سلعها التصديرية ، وتُعَدُّ مقاطعة السلع الغذائية أكثر تأثيرًا ، لأنها أكثر سرعة في التلف ، تليها بعد ذلك السلع المصنعة.
2. الحصار الاقتصادي والعسكري:
ويمكن للمقاطعة الاقتصادية أن تدخل نطاقًا أوسع من ذلك ، لتشمل الحصار الاقتصادي ، ومنع دخول وخروج السلع للمنطقة الواقعة داخل الحصار الاقتصادي ، وذلك من خلال فرض حصار بحري وجوي وبري ، مثلما حدث مع العراق وليبيا وكوبا.
والحصار الاقتصادي أكثر أسلحة الحرب الاقتصادية فتكًا ، لأنه يترتب عليه نقص في الأدوية والغذاء ومحدودية الاحتكاك بالعالم الخارجي ، ما يترتب عليه نتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى مثل المجاعات والأمراض.
3. اختراق الأسواق والاحتكار والإغراق:
يعد اختراق الأسواق الداخلية من الدول الكبرى القادرة على شن حرب اقتصادية ، من أهم الأسلحة المستخدمة في تلك الحرب ، حيث يتم الاختراق للأسواق ، وعمل الإغراق في بعض السلع والمنتجات ، وذلك لضرب الجهاز الإنتاجي الداخلي للدولة ، وإضعافه ، وعدم قدرته على المنافسة والمقاومة ، وذلك باستغلال الاتفاقيات الدولية التي تتيح حرية التجارة العالمية ، واختراق الأسواق عن طريق الاحتكار وتملك خطوط الإنتاج والصناعات الحيوية في الدول المراد تدميرها اقتصاديًّا.
وخير دليل على ذلك ، علاقة الولايات المتحدة الأميركية بأوروبا من خلال تجارة الصويا ، حيث تمتلك الولايات المتحدة الاحتكار العالمي لتجارة الصويا ، وتصدر منها كل عام عشرة ملايين طن ، من الكسب لتغذية الحيوانات التي يعتمد غذاء أوروبا من اللحوم بشدة عليها.
والولايات المتحدة شديدة اليقظة لحماية هذا الاحتكار ، حيث نجحت في إغلاق مصنع “Lavera” في فرنسا ومنشأة “Sardaigne” في إيطاليا ، وذلك لمنع المنتجين الصناعيين من استخدام ابتكار جديد لعالم فرنسي يؤدي إلى إنتاج بديل أفضل للكسب الأميركي.
وربما كان الشيء الوحيد الذي تستورده الولايات المتحدة من العالم ، هو العقول البشرية ، حيث تعمل على استقطاب تلك العقول ورعايتها وتوفير كل مقومات النجاح لها ، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر تأثيرًا شديدًا عليها.
4. صنع الأزمات الاقتصادية:
تمتلك الدول المتقدمة أجهزة لصنع/افتعال الأزمات الاقتصادية في الدول الأخرى ، سواء الأزمات المالية ، أو الأزمات الخاصة بالبنوك وانهيار البورصات ، وكذلك الأزمات التي تأخذ صبغة الدورة الاقتصادية مثل الركود.
وتمتلك تلك الأجهزة الخاصة بصنع الأزمات الاقتصادية من الأدوات التي تمكنها من تلك الوظيفة ، مثل التقنية الفائقة السرعة ، والتي تمكنها من العبث في مؤشرات البورصات العالمية أو الإقليمية ، وكذلك نشر الإشاعات التي تهدف لأشياء معينة ، إلى غير ذلك من أساليب التكنيك والتكتيك ، ولقد كان لهذه الأجهزة الدور الأكبر في صنع الأزمات المالية العالمية ، والانهيارات الاقتصادية الدولية ، لما تحققه الدول صاحبة تلك الأجهزة من مصالح اقتصادية وسياسية على السواء ، وليس أدل على ذلك من أزمة النمور الآسيوية التي وقعت في عام “1997”.
5. تجارة الحرب والفساد:
في كل الحروب ، تظهر عمليات فسادٍ كبيرة ، كصفقات بيع الأسلحة لطرفَي النزاع ، أو استنفاذ موارد الدولة من قبل العصابات ، كما أن الفساد أيضًا لا يستغني عن الحرب ، فعندما تنتهج الدول مبدأ مكافحته ، تقنّع عمليتها بمصطلح “الحرب على الفساد” كمدلول يُعزّز العلاقة الوطيدة بين الحرب والفساد.
يشكل الفساد منظومة كاملة ومتكاملة ، أسهم في الإثراء غير المشروع ، وأحدث في السنوات القليلة الماضية ، حالةً من الاحتقان الاجتماعي ، وما سلِمَ حتى الآن من نار الحرب ، يعبثُ به الفاسدون في مؤسسات الدولة ، وتجار الحرب ، لينحدر الاقتصاد من سيئ إلى أسوأ.
إذ أنه في بداية أي أزمة أو حرب ، يتغير البلد على نحو سريع وغريب ، ليتوافق مع الوضع العام للبلد المحتوي على هذه الظروف الطارئة ، وتبدأ معها صعود ونشوء طبقة جديدة في المجتمع ، طبقة تتكون من محدثي النعمة وأصحاب الأموال مجهولة المصدر ، وغالبا ما يكونوا فقراء وأصحاب أعمال بسيطة ، ليسوا من أصحاب المال والتجارة ، ويبدأ المنطق بطرح سؤال واحد ، من أين لك ذلك.
إن المناطق التي تعاني من اضطرابات أمنية ، كمناطق حرب واشتباكات ، أو حصار أو مناطق حدودية ، يعمل البعض في تجارة السلاح ، فيبدؤوا بترويج أسلحة جديدة ، أو ذخيرة من جميع الأنواع ، ويعرضونها للبيع لطرفي النزاع ، دون تردد ، وهذه الأسلحة التي غالباً ما يكونوا قد حصلوا عليها بطرق غير مشروعة ، كسرقة مخازن أسلحة تابعة للحكومة ، أو شرائها من منظمات أو شركات تصنيع غير مرخصة ، وليس لديهم مانع من بيع أسلحتهم وذخائرهم لمجموعات متطرفة أو عنصرية ، فما يهمهم أولاً وأخيرا هو المال.

ومنهم من يحتكر المواد الغذائية ويبيعها بأسعار خيالية ، يقومون بجمع المواد الغذائية ، يضغطون على أصحاب المحال التجارية بالقوة والتخويف لرفع أسعار البضائع ، أو إغلاق محالهم ، ليستطيعوا اكتساح السوق ، عن طريق الإشاعات الكاذبة والأخبار المزورة ، ما يدفع الناس إلى الإسراع لمنقذهم من هذه الكارثة ، وهكذا ينجح المخطط وتتكاثر الأموال بسهولة.
وهنالك من يتاجر بالبشر ، يخطفون ويأسرون الرجال والنساء من أجل الفدية المادية ، أو للتجارة بأعضائهم.
وهنالك من يتاجر بأرواح الشباب ، لا يهمه الشعب والنزاع ، بل يهمه المال ، ففي المناطق الحدودية تنتعش تجارة المخدرات والحشيشة بكافة بأنواعها ، والمحروقات ، فهو يبرم اتفاقات مع عدد من المسؤولين القابلين الرشوة من طرفي النزاع ، لتسهيل طريق بضاعتهم والتغاضي عن بضاعتهم وميليشياتهم/عصاباتهم ، فهم قبل الحرب لم يكونوا سوى تجار خارجون عن القانون ، وملاحقون من قبل الدولة ، لكن الوضع المتأزم جعلهم يتمادون ويعملون بحرية أكبر ، وإدخال كميات أكبر من المخدرات والحشيش ، ونشرها بين الشباب ، هذ كلة يحدث في ظل غياب دور الدولة القوية ، وهو استثمار الأزمة والحرب لجمع المال.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية