رسم رؤية محتملة..

ترجمة: ماذا تريد روسيا من جنوب اليمن؟

الانتقالي يعتبرها مجرد صديق خارج الحدود

واشنطن

تحدث المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا في 24 أكتوبر عن الحاجة لنقل المساعدات الإنسانية إلى جنوب اليمن وضمان بقاء جميع محطات النقل الرئيسية في اليمن مفتوحة للمساعدة. تم الترحيب بتصريحات نيبنزيا في جنوب اليمن، بعد أسابيع فقط من وصف السفير الروسي في اليمن فلاديمير ديدوشكين جنوب اليمن كمنطقة مهمة لحل النزاع.

واعتبر بعض اليمنيين الجنوبيين تصريحه بمثابة انتقادات ضمنية لقرار الأمم المتحدة بعدم دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى محادثات سلام جنيف الفاشلة في أوائل سبتمبر.

إن شواغل روسيا بجنوب اليمن، كما هو واضح من هذه التصريحات الرسمية ومجموعة واسعة من مبادرات الوساطة غير الرسمية التي ترعاها روسيا في المنطقة، يمكن تفسيرها من خلال ارتباط موسكو التاريخي بالمنطقة وطموحاتها على البحر الأحمر. فخلال الحرب الباردة، كان جنوب اليمن السابق أقوى حليف للاتحاد السوفييتي في العالم العربي وموقع المنشآت العسكرية السوفياتية الرئيسية في عدن وسقطرى.

إن مخلفات فترة الحرب الباردة فيما يتعلق بالتبادل الثقافي بين الروس واليمنيين الجنوبيين، والتي يعززها وجود الباحثين السوفييت في سقطرى والموظفين المدنيين اليمنيين الجنوبيين في المؤسسات التعليمية السوفيتية ، قد أدامت اهتمام موسكو بالمنطقة.

من وجهة النظر الاستراتيجية، فإن رغبة روسيا في اعتبار نفسها جهة فاعلة في جنوب اليمن ترتبط ارتباطا وثيقا برغبتها في الانضمام إلى المنافسة بين الدول للوصول إلى البحر الأحمر.

في الأشهر الأخيرة، أجرت روسيا مفاوضات مع كبار صانعي السياسات في القرن الأفريقي لتعزيز وجودها الاقتصادي والعسكري في المنطقة. وقد أسفرت هذه المبادرات الدبلوماسية عن مناقشات جادة حول إنشاء قاعدة بحرية روسية في أرض الصومال واتفاق 1 سبتمبر لإنشاء مركز لوجستي في إريتريا.

إذا اوجدت روسيا هذه التسهيلات، فإن منشأة عسكرية في جنوب اليمن ستكون رصيدا استراتيجيا مرغوبا كونها ستربط وجود موسكو في القرن الأفريقي بشبه الجزيرة العربية. وقد تم رسم الرؤية المحتملة لهذه المنشأة بالنسبة لروسيا من قبل القائد السابق للقوات البحرية الروسية فيليكس جروموف، الذي دعا إلى إنشاء قاعدة بحرية بالقرب من طرق التجارة في خليج عدن في أغسطس 2017. وبما أن هذه المشاريع اهداف طويلة الاجل، فإن لعب دور حاسم في تحقيق الاستقرار في جنوب اليمن، سيمكن موسكو القوة التفاوضية التي تحتاجها لتأمين قاعدة في البحر الأحمر.

لتعزيز الاستقرار في جنوب اليمن، لعبت روسيا دورا فعالا في مكافحة التهديدات لاقتصاد جنوب اليمن وضمان أمن ممرات الشحن الخاصة به. منذ شهر سبتمبر 2017، سهلت روسيا نقل العملة الصعبة من البنك المركزي اليمني إلى جنوب اليمن لضمان حصول الموظفين الحكوميين والعسكريين اليمنيين على رواتب كافية. وقد أشاد سفير اليمن لدى روسيا أحمد الوحيشي بهذه السياسة خلال مقابلة أجريت معه مؤخراً، حيث ينظر إلى استيلاء الحوثيين على أصول الحكومة اليمنية والجهود المبذولة لتخفيف قيمة الريال اليمني كمصدر رئيسي لعدم الاستقرار في اليمن. كما وجه الوحيشي الشكر لوزارة الخارجية الروسية على معارضتها هجمات الحوثيين على شحنات النفط السعودية التي تمر عبر مضيق باب المندب.

كما قامت روسيا بدور الوسيط غير الرسمي بين المؤيدين المعتدلين لحكم جنوب اليمن وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. انخرطت الحكومة الروسية في حوار مع زعيم الحزب الاشتراكي اليمني عبد الرحمن السقاف، وهو شريك في تحالف هادي، ورئيس الوزراء السابق في اليمن الجنوبي، حيدر أبو بكر العطاس، لتشجيع السياسيين على مواصلة الضغط من أجل توسيع التمثيل اليمني الجنوبي ضمن الأطر القانونية، وإعطاءه دورا أكبر في تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2216، الذي يدعو إلى وقف العنف السياسي في اليمن.

على الرغم من هذه المبادرات الدبلوماسية المثمرة، تواجه روسيا عقبات كبيرة في سعيها لترسيخ نفسها كجهة فاعلة لا غنى عنها في جنوب اليمن. وقال خبراء من المجلس الانتقالي الجنوبي في واشنطن لموقع "المونيتور" إن موسكو قد تنظر إلى جنوب اليمن على أنه فراغ السلطة يحاكي سوريا بحيث أصبح جاهزا للنفوذ الروسي. من وجهة نظر المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن هذا التقييم منفصل عن الواقع في الأرض، حيث تحتفظ دولة الإمارات العربية المتحدةبجود بري أساسي في المنطقة لا يمكن لروسيا أن تزيحه بشكل واقعي. إن هيمنة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى عدم قدرة اليمن الجنوبي الحالية على توفير حوافز مادية لروسيا، تجعل المجلس الانتقالي ينظر إلى روسيا كشريك ودود يساعدهم على توسيع حضورهم الدولي، بدلاً من أن يكون صاحب مصلحة فاعل.

ومع استمرار الحركة الجنوبية في العمل كحائط صد ضد التوسع الحوثي، تستمر احتمالية تمثيل المجلس الانتقالي الجنوبي في تسوية سلمية يمنية، كما أن وجود روسيا المتنامي في جنوب اليمن يمكن أن يعزز نفوذها لحل الصراع في اليمن.

* * صامويل راماني، خبير بريطاني متخصص في العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط، وطالب دكتوراه في كلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد.

* موقع صحيفة "المونيتور" الامريكية