فيلم تونسي..

'فتوى' ينبش في دهاليز النهضة والسلفيين

مهرجان قرطاج السينمائي يدور حول قصة شاب اغتالته جماعة متشددة بعد قراره الانفصال

لمياء ورغي

تألق الفيلم التونسي 'فتوى' في مسابقات الدورة التاسعة والعشرين من "أيام قرطاج السينمائية" التي انطلقت في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني وتستمر أسبوعا.
وحصد الفيلم التونسي اعجاب الجمهور بسبب طرحه مواضيع جريئة وشائكة ومقاربته للواقع بموضوعية.
ويغوص الفيلم في خبايا ودهاليز عالم الجماعات الاسلامية المتشددة والمتطرفة وينبش في جوانب مظلمة فيها.
ويدور الفيلم حول عودة بطل العمل السينمائي ابراهيم ناظور (أحمد الحفيان) من فرنسا بعد أن بلغه نعي ابنه الوحيد مروان على إثر حادث مرور.
 ويلتقي الأب بطليقته لبنى (غالية بن علي) في إطار الاستعدادات لدفن ابنه الوحيد وأثناء الجنازة وفي مقبرة المرسى تتصادم العائلة مع أصدقاء ابنهم المتوفي من السلفيين الذين يرفضون حضور الأم في وداع ابنها الوحيد باعتبارها "عورة" وعارية الرأس ويطالبونها بارتداء النقاب والا مغادرة المكان.
وباسم احترام تعاليم الدين رأى بعض المتشددين أن جسد المرأة يجب تغييبه، واختلفوا حتى في حدود وضع النقاب على الوجه حيث يرى بعضهم أن النقاب يغطي كامل الوجه بينما يرى الأقل تشددا منهم أنه بإمكان المنقبة تعرية العينين.
واكتسح النقاب بعد الثورة التونسية الشوارع والمؤسسات العمومية رغم صيحات الفزع التي اطلقها الكثير من العلمانيين باعتباره يشيء المراة ويفقدها انسانيتها وكينونتها.
ويبدو النقاب بالنسبة للتونسيين الذين يعتنقون المذهب المالكي المستنير والمعتدل "عباءة سوداء" تغطي كامل جسد المرأة و"لباسا دخيلا على تقاليدهم" تم "إسقاطه على المجتمع عبر الفضائيات الدينية والجماعات السلفية".
وبدأت شكوك الوالد تزيد حول حقيقة وفاة ابنه فيقرر البحث عن الحقيقة مهما كان الثمن.
وينطلق ابراهيم الناظور في رحلة البحث من البيت الذي تسوغه ابنه في منطقة شعبية بعد أن تصادم مع أمه اليسارية عضو المجلس التأسيسي احتجاجا على سلوكها المتحرر ومواقفها ضد الاسلاميين فيتخلى عن الفنون التشكيلية وعشقه للفن ويختار الإقامة في حي تحول على يد السلفيين الى مقبرة خالية من الحياة ومن الفرح على حد عبارة صاحب مقهى.
وفي الشقة التي كان يقيم فيها الابن القتيل يكتشف ابراهيم الناظور أن ابنه الذي طالما عشق الفنون واللسفر والسهر تورط في الانتماء للجماعات السلفية من خلال ما وجده من كتب واسطوانات.
ومع تتالي الأحداث يتعرف الأب على لطيفة (سارة الحناشي) الزوجة الشابة التي تعاني من عنف زوجها وتعترف له في لحظة ضعف وصدق بأن ابنه مات مقتولا بعد ان قرر بالاتفاق معها الفرار من جحيم الجماعة السلفية.
وتصرح بأن حادثة الدارجة تخفي حقيقة قيام الجماعة المتطرفة باغتياله لانه خرج عن طوعهم وعاد الى طريق الرشد والصواب والاعتدال وحب الحياة.
والفيلم يتطرق في جوانب عديدة منه الى أخطاء فادحة قامت بها حركة النهضة التونسية عند توليها الحكم وتورطها في في تسفير الشباب التونسي الى ليبيا والعراق وسوريا من خلال نصب الخيام الدعوية والتشجيع على ممارسة العنف والاعتداء على النخب الثقافية.
وزار تونس اثر "ثورة الربيع العربي" غلاة التطرف كما يلقبهم الكثيرون من الناشطين السياسيين والحقوقيين امثال محمد العريفي وعائظ القرني ووجدي غنيم واتهموا ببث الوهابية.
ويؤرخ فيلم "فتوى" لحقبة حكم الترويكا ومسؤوليتها وخاصة حركة النهضة التي أرادت تغيير النمط الاجتماعي للتونسيين لكنها فشلت أمام مقاومة المجتمع المدني والأحزاب التقدمية والاتحاد العام التونسي للشغل.
وقال متابعون "هذا الشريط سيذكره العديد من التونسيين باعتباره شهادة سينمائية على سنوات الدم والرصاص".

وتفاعل الجمهور في قاعة الكوليزي بالعاصمة التونسية مع الفيلم الذي يحمل رسالة هادفة وفقا لنقاد.
ونجح "فتوى" في التعبير عن مشاعر ومواقف الجمهور الذي حضر العرض وانتصر للاراداة وحب الحياة وتصدى بقوة لثقافة العنف والظلامية.
واستشهد احد النقاد بقول جون لوك غودار "من يحب الحياة يذهب الى السينما؟".
وافتتحت الدورة الحالية  من "أيام قرطاج السينمائية" وسط إجراءات امنية مشددة بعد أيام على الإعتداء الإنتحاري الذي وقع في قلب العاصمة تونس وأسفر عن سقوط عشرين جريحا.
وقضت إنتحارية في العقد الثالث من عمرها الاثنين بعد أن فجرت شحنة ناسفة كانت تحملها أمام دورية أمنية في شارع الحبيب بورقيبة، الشريان الرئيسي في قلب العاصمة تونس، ما أدى الى سقوط 20 جريحا بينهم 15 شرطيا.
وغداة هذا الاعتداء، الأول من نوعه منذ قرابة ثلاث سنوات، إنهمك صناع المهرجان في تزيين شارع الحبيب بورقيبة ورفعت اللافتات معلنة عن هذا الحدث السينمائي العربي الافريقي الذي دأبت تونس على تنظيمه منذ 1966.
كما أقامت فرق من الفنون الشعبية مع عازفين شبان فعاليات في شارع الحبيب بورقيبة أمام جمهور غفير.
وقال يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية قبيل الإفتتاح "هذه الأيام السينمائية مهمة أردنا من خلالها القول أن الحياة تستمر في تونس التي تواجه آفة الإرهاب ليس فقط بالوسائل الأمنية بل ايضا من خلال الثقافة".
يتصدر ملف محاربة الإرهاب برنامج حكومة يوسف الشاهد لكونه من أخطر الملفات التي تواجهها تونس في منطقة تعصف بها الهشاشة الأمنية طيلة السنوات الماضية.
وكان مدير المهرجان، نجيب عياد قال إن "أيام قرطاج السينمائية تنعقد في موعدها، وتحتفي بقيم التسامح والانفتاح وحب الحياة، رغم الحادثة الإرهابية التي شهدتها تونس مؤخرا".
وأدان البيان بشدة الهجوم الإرهابي ووصفه بالخسيس، فيما اعتبر أن "الإرهاب بات اليوم ظاهرة عالمية، وللأسف لا أحد في مأمن منه".
وتابع: "أيام قرطاج السينمائية تبقى صورة تونس العاكسة للحرية والتسامح، وهي متشبثة بقناعاتها، ولن تنحني أمام حاملي المشاريع الظلامية".
وأيام قرطاج السينمائية هو أعرق مهرجان سينمائي أفريقي تأسس عام 1966 ويعمل على دعم السينما الأفريقية وتسويقها للخارج.
تطغى "القضايا الراهنة" على الأفلام المشاركة في مسابقات المهرجان الدولي والطامحة للفوز بجائزة التانيت الذهبي.
وتدور مواضيع كثيرة من هذه الأفلام حول رفض العنف والقمع وطلب الحرية، كما يطغى عليها الطابع الاجتماعي مثل الهجرة والتطرف الديني والمثلية الجنسية.