في النهائي القاري..

الشعباني شاب بلا تاريخ يقود الترجي

الطموح مفتاح النجاح

مراد البرهومي

خبرة الأهلي وكارتيرون في مواجهة طموح الترجي ومدربه الشاب معين الشعباني.. مدرب شاب بلا تاريخ يقود الترجي في النهائي القاري.. إدارة الترجي تختار المجازفة وتعين المدرب المساعد على رأس الجهاز الفني للفريق.. هذه بسطة عن العناوين الصحافية التي سبقت موعد النهائي القاري بين الترجي التونسي والأهلي المصري، إذ كانت أعين أنصار فريق “الأحمر والأصفر” تراقب بوجل ما يحصل في الفريق، إذ لا أحد كان يعتقد أن ينجح الشعباني هذا المدرب الشاب فيما عجز عنه “كبار القوم” طيلة السنوات الست الأخيرة، فالترجي الحالم منذ آخر تتويج له بكأس دوري الأبطال سنة 2011 ظل يصارع بلا هوادة من أجل الحصول على هذا اللقب مجددا.

تم الاستنجاد طيلة المواسم الماضية بثلة من المدربين المحنكين على غرار المخضرم فوزي البنزرتي ومواطنه عمار السويح، غير أن كل المحاولات باءت بالفشل، ففي كل مرة يقترب خلالها الفريق من نيل مبتغاه يتعثر ويسقط وتتبخر الأحلام، إلى أن كسر مدرب شاب وطموح كل القواعد وفك قيود “الفشل” والعثرات.

السنوات لا تصنع الخبرات

التاريخ لا يكتب في الغالب سوى نجاحات المتألقين ولا يحتفظ سوى بالألقاب والتتويجات، هذا التاريخ بعينه هو من يكسب اللاعب أو المدرب الخبرات والتجارب، لكن ما حصل مع المدرب معين الشعباني الذي لم يتجاوز بعد سن الأربعين كسّر هذه القاعدة وأثبت أن النجاح قد يتأسس أيضا عبر طموح الشباب وخاصة عبر “الكاريزما” والشخصية القوية المؤثرة.

فمعين الشعباني نهل كثيرا من بيت “الترجيين” عندما كان لاعبا في صفوفه لسنوات طويلة، حيث تعلم أصول اللعبة على أيدي نخبة من المدربين المحنكين الذي مروا على الترجي طيلة السنوات الماضية، قبل أن يختار طرق باب التدريب بعد الاعتزال حبا في تحقيق نجاح مواز لما حققه عندما كان لاعبا ورغبة في خوض تحد جديد من أجل التأكيد على أحقية المدربين الشبان في التألق والتوهج.

المهمة كانت عسيرة خاصة بعد خروج عدد من اللاعبين المهمين، لكن الشعباني كان من أشد المتفائلين بقدرة فريقه على تخطي كل العقبات

لعبت كل الظروف لفائدة هذا الفني، ففي إحدى المواسم السابقة كلفته إدارة نادي حمام الأنف بتدريب الفريق مؤقتا إثر رحيل المدرب الأول فجأة، لكن الشعباني نجح بكل اقتدار في تأدية مهامه ليتم تثبيته في منصبه بعد أن حقق الفريق بقيادته نتائج فاقت التوقعات. هذا النجاح فتح له الباب مجددا كي يعود إلى فريقه السابق، وهذه المرة في خطة مدرب مساعد، لقد وقع تكليفه بالعمل صلب الجهاز الفني بقيادة فوزي البنزرتي خلال الموسم الماضي. لم تسر الأمور بالشكل المطلوب حيث وقع التخلي عن المدرب الأول بعد الخروج من المسابقة الأفريقية ليتولى الشعباني مؤقتا المهمة قبل المجيء بالمدرب خالد بن يحيى.

لم يغادر الشعباني بل ظل يتعلم ويثابر من أجل كسب الخبرات، هدفه الأساسي مساعدة فريقه في تحقيق البطولات والوصول إلى التتويجات، ليساهم في نهاية الموسم الماضي في حصول الترجي على لقب الدوري المحلي.

تواصلت المسيرة وتعاظمت الأهداف، فالفريق خطط منذ الموسم الماضي من أجل الحصول على لقب دوري الأبطال تأهبا للاحتفال بأفضل صورة بمرور مائة عام على تأسيسه.

كانت المهمة عسيرة خاصة بعد خروج عدد من اللاعبين المهمين، لكن الشعباني كان من أشد المتفائلين بقدرة فريقه على تخطي كل العقبات، كان يدرك أن الترجي لا ينقصه الكثير كي يصل إلى هدفه، وفي هذا السياق قال في معرض حديثه لـ”العرب “منذ بداية مشاركتنا في المراحل الأولى ضمن هذه المسابقة القارية، كانت لدي قناعة بأن الحصول على اللقب ليس مستحيلا، لقد كنت أدرك جيدا أن الرصيد البشري المتوفر حاليا يخول للفريق بأن يتوج من جديد بهذه الكأس”.

وسارت الأمور بشكل جيد في مسيرة الفريق قاريا حيث تمكن من الوصول إلى الدور ربع النهائي ليواجه مواطنه النجم الساحلي، كان الاختبار عسيرا  إلا أن الترجي بقيادة مدربه السابق خالد بن يحيى ومساعدة معين الشعباني تخطى هذه العقبة باقتدار. هذا النجاح لم يشفع للمدرب بن يحيى الذي كان عرضة لانتقادات حادة بسبب غياب الإقناع، قبل أن تأتي ذات مباراة محلية ضد النادي الصفاقسي بالجديد، فبعد الخسارة بثنائية “حزم المدرب خالد بن يحيى وغادر”.

البديل المناسب

لم يكن من السهل إيجاد البديل المناسب بسرعة، كان الأمر يتطلب الاستنجاد بمدرب يعرف جيدا قدرات الفريق ويكون جاهزا تماما لمواصلة رحلة التحدي في المسابقة القارية. ارتأى صناع القرار في الترجي منح الفرصة كاملة لمعين الشعباني هذا المدرب الشغوف الطموح كي يتحول من المدرب المساعد إلى المدرب الأول. جاء الاختبار الأول حيث كان يتعين على الترجي بقيادة مدربه الجديد الشعباني أن يتجاوز عقبة منافسه الأنغولي بريميرو دي أغوستو ضمن إياب الدور النهائي، وبعد أن انتهت مباراة الذهاب بفوز الفريق الأنغولي بهدف، عرفت مباراة العودة سيناريو دراميا مثيرا للغاية.

فالفريق الأنغولي باغت الترجي بهدف صعب كثيرا المهمة، ثم رد الترجي بهدفين لكن المنافس أصر على تعقيد المهمة بتسجيل هدف ثان، إلا أن تلك الشخصية المؤثرة للمدرب الشعباني ألهبت حماس اللاعبين فحول الترجي الخروج المحتوم إلى فوز كبير وتأهل مثير إلى المباراة النهائية.

الشعباني نجح بكل اقتدار في تأدية مهامه ليتم تثبيته في منصبه بعد أن حقق الفريق بقيادته نتائج فاقت التوقعات

جاءت موعد المباراة النهائية التي وضعت الترجي في مواجهة “عملاق” الكرة الأفريقية الأهلي المصري، كان الجميع يتوقع أن يواصل الفريق المصري فرض هيمنته المستمرة على حساب الترجي خاصة وأنه حسم أغلب المواجهات الأخيرة بين الفريقين بملعب رادس لفائدته، وآخرها الفوز في مباراة دور المجموعات في نسخة العام الماضي. خاض الفريقان مباراة الذهاب بملعب برج العرب بمصر وحسمها الأهلي بثلاثية مقابل هدف وحيد، بعد مباراة أثارت الكثير من اللغط، حينها أجمع شق كبير من أحباء الترجي على أن المهمة ستكون شبه مستحيلة في مباراة العودة، لكن الشعباني وحده كان واثقا من قلب المعطيات.

وفي هذا السياق أوضح في تصريحه لـ”العرب” قائلا “كنت أدرك جيدا أن مستوى الترجي يخول له تحقيق الفوز بفارق أكثر من هدفين في مباراة الإياب، فما قدمه خلال مباراته الأولى جعلني أتأكد أن فريقي لديه كل القدرات التي تساعده على الظفر باللقب، كانت مهمتي هي تحفيز اللاعبين ودعمهم معنويا”.

كان الشعباني محقا فيما أكده، فمجريات مباراة العودة أثبتت أن الفريق كان الأقوى والأفضل، لقد خاض اللاعبون “مباراة العمر” وقدموا أفضل ما لديهم، وهنا يمكن أن نفهم قيمة العمل المنجز من قبل الجهاز الفني بقيادة الشعباني الذي نجح في إذكاء حماس لاعبيه بشكل لا يصدق، لقد كان قربه من منهم وشخصيته المؤثرة دور فعال في تطوير أداء الترجي خلال حيز زمني قصير. لقد أثبت أن النجاح لا يتطلب بالضرورة خبرة السنوات الطويلة في عالم التدريب بما ما يتطلب وجود شخصية تتميز بكاريزما وطموح فياض للوصول نحو الغايات والأهداف.