تفخيخ فاستماتة فهروب..

تحليل: ماهي النهاية لمعارك الحوثي من المخا إلى الحديدة؟

القوات المشتركة جبهة الساحل الغربي

سياف الغرباني

ثمة نمط قتالي جامد، لكنه كارثي في ذات الوقت، يتحرك في نطاقه مقاتلو الحوثي، ويهيمن على أداء الجماعة المسلحة، في غير منطقة مواجهة على طول الخارطة اليمنية.

على أن ملامح هذا التكتيك المسيطر في عقل الجماعة العسكري، برزت بجلاء في خضم المواجهة مع القوات المشتركة المدعومة بالتحالف العربي، في مدينة المخا الساحلية، وصولاً إلى الخوخة ومدينة الحديدة حالياً.

ويبدأ التكتيك القتالي للحوثيين في محور الساحل الغربي، بصورة عامة، من إنشاء نسق دفاعي متقدم باستخدام حقول الألغام والعوازل المفخخة، ومن ثم تلغيم الطرق والشوارع، والتحصن داخل البنايات والمنازل وسط الأحياء ذات الكثافة السكانية، وينتهي بالهروب.

وقد لوحظ هذا النمط القتالي، بالغ الفداحة، لجهة الكلفة الإنسانية على المدنيين، في خضم تقدم قوات التحالف العربي، باتجاه مدينة المخا ومينائها المطل على الضفة الشرقية للبحر الأحمر، إذ اتجه الحوثيون لتطويق المدينة بحقول ألغام زرعت في المساحات البرية والساحلية المحيطة.

وأعقب ذلك تفخيخ الشوارع بالعبوات المتفجرة ذات الحساسية العالية، ونشر مجاميع مسلحة كبيرة للتمركز في أسطح المنازل وداخل المحال التجارية على ضفتي الشارع الرئيس للمدينة.

بيد أن هذا الأسلوب، رغم كلفته المدمرة على مدينة المخا، لم يعق تقدم القوات المدعومة من التحالف إلى داخل المدينة، كما لم يمنع انتزاعها من قبضة الحوثيين، بقدر ما ألحق ضرراً بالغاً بالسكان المدنيين، لم يتجاوزوا آثاره بعد.

واعتمدت ميليشيا الحوثي، ذات التكتيك في مدينة الخوخة، المفتاح الجنوبي للحديدة، وأولى مناطقها، لكن مآلات الحرب بين قوات المقاومة المشتركة من جهة، والحوثيين من جهة ثانية، جاءت لصالح الأولى، بعكس ما كانت تراهن الأخيرة. إذ فرت الميليشيا من المدينة، بعد نفاد آخر فصل من السيناريو الكارثي.

ويتسق التكتيك القتالي للحوثيين في مدينة الحديدة، إلى حد بعيد، مع ذلك الذي استخدموه في غضون تقدم القوات المشتركة، المدعومة من التحالف العربي للسيطرة على مدينة المخا الساحلية.

سيناريو المخا في الحديدة

منذ اللحظات التالية لإعلان القوات المشتركة السيطرة على الخوخة، استنفرت جماعة الحوثيين، لتعزيز خطوط دفاعاتها في الشريط الساحلي، ومناطق جنوب الحديدة، ودفعت بالجزء الأكبر من قوتها العسكرية والبشرية إلى هذه المساحة الملتهبة، التي يقع فيها أهم ميناء تتنفس منه المال والسلاح.

بيد أن منسوب التحشيد العسكري لدى الحوثيين، في الحديدة، بلغ مديات عليا، مع وصول تشكيلات المقاومة المشتركة إلى تخوم المدينة، وبلوغ بوابتيها الجنوبية والشرقية.

ولعل جماعة الحوثيين، قد استغلت الفترة التي أعقبت، ما بدا -حينها- "فيتو دولي" على معركة الحديدة، لبناء التحصينات القتالية، في محيط الحديدة ووسطها، بدءاً من حفر الخنادق في الطريق العام من منطقة كيلو16 وصولاً إلى شارع صنعاء في قلب المدينة.

ولم يتوقف الأمر عند حفر الخنادق والأنفاق الأرضية، بل تجاوز ذلك إلى تفخيخ الشوارع وعديد من البنايات المرتفعة داخل مدينة الحديدة، بشبكة متفجرات عن بُعد.

في تلك الأثناء، دفع الحوثيون بأعداد كبيرة من المسلحين وطواقم القناصة والصواريخ الحرارية "صواريخ الكورنيت"، إلى التمركز في البنايات المحيطة بالطريق الرئيس المؤدي إلى داخل المدينة، من اتجاه الشرق.

بيد أن فاعلية هذا التكتيك الذي يحاكي إلى حد بعيد تكتيكات تنظيم "داعش"، تلاشت مع أول تحرك لوحدات المقاومة المشتركة نحو مناطق كيلو16 وكيلو10 وكيلو7 وصولاً إلى قوس النصر على المدخل الشرقي لمدينة الحديدة.

وانهارت خطوط دفاع الحوثيين، التي تشكل العبوات المتفجرة نسبة 70% منها، بشكل سريع في اللحظات التالية لتقدم المقاومة المشتركة مسنودة بالتحالف العربي، إلى داخل مدينة الحديدة، إذ انتقلت المواجهات إلى داخل المدينة، فيما كانت التوقعات تدور حول معركة طويلة بمحيط الحديدة.

وسيطرة قوات المقاومة المشتركة على مساحات كبيرة، في المحورين الشرقي والجنوبي لمدينة الحديدة، وأمّنت العديد من المنشآت الحيوية، التي حولتها ميليشيا الحوثي إلى ثكنات عسكرية، فيما القوات ما تزال في مرحلة الانتشار والتطويق وقطع خطوط إمداد الحوثيين.

ويستميت الحوثيون في الدفاع عن وجودهم العسكري في الحديدة، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه من عناصرهم يومياً، نسبة لما تتمتع به من أهمية في حسابات الحوثيين العسكرية والاقتصادية، ذلك أن الحديدة تمثل حبلاً سرياً يغذي قيادات الجماعة في المركز بمليارات الريالات إلى جانب أنها تعد شرياناً مهماً لتدفق الأسلحة عن طريق التهريب.

وبرزت مؤشرات عدم جدوى التكتيك القتالي المهيمن على أداء ميليشيا الحوثي، في غير منطقة مواجهة، في خضم الاشتباكات مع القوات المشتركة في مدينة الحديدة، خاصة في المحورين الشرقي والشمالي الشرقي.

في هذا السياق، عملت ميليشيا الحوثي، من وقت مبكر، على بناء التحصينات الحربية، وتفخيخ الشوارع الرئيسة والتمركز داخل عدد من البنايات في نطاق شارع الخمسين، بيد أن المآلات الأخيرة لم تكن مختلفة عن تلك التي حدثت في الخوخة وقبلها في المخا.

وبرغم الكم الهائل من المتفجرات والعبوات التي زرعتها الميليشيا في مناطق شرق وشمال شرق مدينة الحديدة، إلا أنها لم تصمد في مواجهة القوات المشتركة، بقدر ما كانت تنتظر انفراط آخر حلقة من التكتيك القتالي المستحوذ على خطتها القتالية، لتلوذ بالفرار.

وعمدت ميليشيا الحوثي، إلى تفخيخ مستشفى 22 مايو الأهلي بمدينة الحديدة، كما دفعت بفرقة قناصة للتمركز في أسطحه، ومع اقتراب القوات المشتركة فرت من الموقع قبل أن تعود لتفجيره عن بُعد.