القضية الجنوبية..

تحليل: مراحل مابعد تحرير الحديدة.. أين تكمن؟

مظاهرات سابقة في عدن تدعو للانفصال

د. صالح طاهر سعيد

يصعب فهم المرحلة الحالية التي يمر بها شعب الجنوب وفهم مهماتها وأهدافها دون فهم موقعها بوصفها محطة في مسار متصل يمتد إلى أكثر من 60 عاما.
المحطة الأولى: مرحلة النهوض الوطني لشعب الجنوب والصراع التحرري مع الاستعمار البريطاني، تحقق بها:
1- الاعتراف بشعب الجنوب هوية وطنية مستقلة.
2- الاعتراف بمنطقة سيادية محددة بحدود دولية معروفة ومعترف بها حق سيادة لشعب الجنوب.
3- الاعتراف بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره وفي قراره السيادي المستقل.

تشكل مجموع هذه الحقوق الوطنية الثابتة التي شرعنتها قرارات دولية صادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في ستينات القرن العشرين، تشكل الأساس الشرعي لإعلان الدولة المستقلة لشعب الجنوب عام 1967م ونيلها الاعتراف الدولي وقبولها عضواً كاملاً في مؤسسات الشرعية الدولية.

المحطة الثانية: مرحلة إدارة وبناء الدولة:

إن أبرز سمات هذه المرحلة هي ازدواجية الأسس التي رسمت الخطوط العامة لسياسة الدولة حيث تنازعت السيطرة على تشكيل مضامين هذه السياسة مبادئ الحق والقانون المقيدة بحدود محددة لا يجوز تجاوزها والمعتقدات الايديولوجية العابرة للحدود التي لا تضع وزنا ولا تعترف بحدود الهوية والسيادة والقرار السيادي المستقل للدولة.
هذه الازدواجية المتحكمة في السياسة أنتجت نوعين من الأفعال السياسية: الأفعال السياسية التي تأسست على مبادئ الحق والقانون واحترام الحدود السيادية شكلت عناوين الإنجاز والنجاح في بناء الدولة الجنوبية المستقلة وبناء مؤسساتها الشعبية والاجتماعية والسياسية وترسيخ سلطة القانون، مع إعطاء أولوية لبناء الإنسان وبناء المؤسسات المعنية بتحقيق هذا الهدف، ونخص منها مؤسسات التربية والتعليم بكل مستوياتها، والخدمات الحيوية، والبناء العسكري والأمني الذي بلغ مستويات متميزة بين المؤسسات الأمنية والعسكرية لدول المنطقة. 
بالمقابل شهدت هذه المرحلة النوع الآخر من الأفعال السياسية التي انطلقت من المعتقدات الأيديولوجية العابرة للحدود التي تتجاهل ثوابت الحق وحدوده، وكانت سبباً في الإعلاء من شأن الصراعات وإنتاج الفشل الخطير في العلاقات الداخلية ومع الآخر وأخص بالتحديد العلاقة مع شعب ودولة الجمهورية العربية اليمنية التي طغى عليها الطابع الأيديولوجي وتجاهل كلي للحق والعلاقات الحقوقية، الأمر الذي قاد إلى إلغاء التحديدات الحقوقية والانتقال من حالة التحديد إلى حالة اللا تحديد في ما سمي باتفاق مايو 1990م، والتأسيس للدخول في فوضى الصراعات والحروب وتقويض كلي للحق والعدالة.
هذا التضارب والتصادم بين الحق والمعتقدات الأيديولوجية التي حُشرت في مضمون سياسي واحد شكل المزيج الذي قامت عليه السياسة العامة لإدارة الدولة الجنوبية بما حملته في جوفها من أسباب الصراع والتصادم بين قوى الداخل الجنوبي وإضرارها بالوحدة الوطنية لشعب الجنوب، لتقود في النهاية إلى انتصار الأيديولوجيا وتقويض الحق، الأمر الذي تم تجسيده في إعلان مايو 1990م بإلغاء الدولتين لصالح الدولة الوهم.

المحطة الثالثة: مرحلة انكشاف وهم الأيديولوجيا وفشل الأفعال والخطوات السياسية التي رسمتها المعتقدات الأيديولوجية:

الكشف عن هذه الحقائق أحدثت ثورة وتغييرا أعادت تشكيل الوعي الجمعي للشعب، فحل وعي الحق والعلاقات الحقوقية بشقيها الداخلي والخارجي محل الوعي الذي كان قائماً على المعتقدات الأيديولوجية الزائفة، فأعاد الجنوبيون طبقاً لذلك تشكيل وعيهم لذاتهم الوطنية بما يعنيه ذلك من وعيهم لهويتهم الوطنية المستقلة وحقهم في السيادة على أرضهم المحددة بحدود سيادية معترف بها دولياً وعلى ذلك حقهم في القرار السيادي المستقل وتقرير مصيرهم دون تدخل من قبل الآخرين.
بهذا الوعي الجديد اكتشف الجنوبيون زيف الأفكار والسياسات والخطوات السياسية والتكوينات البنيوية الشعبية والاجتماعية والسياسية التي تمت على أوهام الأيديولوجيا وتم الكشف عن مخالفتها للأسس الحقوقية والقانونية التي يقوم عليها الواقع الحقيقي (واقع الشعبين والدولتين) فتمكن الجنوبيون بفعل ذلك من تحديد أخطاء الماضي بشقيها الداخلي والخارجي وتشخيص المشكلات الحالية، وإعادة تشكيل إرادتهم الوطنية القائمة على وعي الحق والعلاقات الحقوقية، الأمر الذي شكل الأساس الجديد لصياغة السياسة والبناء الاجتماعي والإداري والسياسي الجنوبي الجديد.

المحطة الرابعة: مرحلة التنفيذ والأفعال التي انطلقت وفق خارطة مسار شملت ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: إصلاح الذات الوطنية لشعب الجنوب وتخليصها من رواسب ومؤثرات الماضي وتأثير الانقسامات التي أحدثتها الصراعات الايديولوجية، وتطبيق مبدأ التسامح والتصالح بوابة لاستعادة الشعب لوحدته الوطنية وتنمية وعيه بهويته الوطنية المستقلة ووعي المساواة بين أبناء الشعب أفراداً وجماعات وبمبدأ القبول بالآخر وحشد الشعب للتحرك لاستعادة حقوقه السيادية واستعادة دولته المستقلة.
الاتجاه الثاني: التحرك الشعبي والاجتماعي والسياسي في ملحمة تحرير الأرض واستعادة الوطن والدولة بشقيها السلمي والعسكري التي تمكنت من طرد قوات الاحتلال من كل أراضي المنطقة السيادية لدولة الجنوب مع استمرار وجود بعض الجيوب المحدودة التي ينبغي استكمال تحريرها واستكمال إسقاط السلطات الإدارية للاحتلال وتشريعاتها الدستورية والقانونية وإسقاط التكوينات البنائية الشعبية والاجتماعية والسياسية التي أقامها الاحتلال وفقاً لدستوره وقوانينه.

الاتجاه الثالث: يبدأ باستكمال ما تبقى من مهمات الاتجاه الثاني، ثم يدخل الجنوب في مرحلة انتقالية تتحدد وظائفها ومهماتها بالآتي:

1- إتمام البسط والسيطرة عل كامل المنطقة السيادية لشعب الجنوب بحدودها الدولية المعروفة المعترف بها دولياً والمشمولة في الخارطة السياسية للسكان لما كان يعرف بدولة «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية». وإعلانها منطقة سيادية محمية من قبل كل أبناء شعب الجنوب وقواته المسلحة، وبقوة الحق الشرعي لهذا الشعب إلى تكفله الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.
2- إتمام السيطرة عل الأرض تتهيأ الشروط للبدء في إعادة البناء الوطني لهياكل الدولة الجنوبية بكل حلقاتها عل كامل امتداد الجغرافية الوطنية لدولة الجنوب وفي مختلف مستوياتها الدنيا والوسطى والعليا.

3- بروح المضامين الواردة في النقاط 1، 2، 3 تتم إعادة البناء وتشمل ما هو آت:

- إعادة بناء وتنظيم منظمات ونقابات ومؤسسات واتحادات المجتمع المدني الجنوبي في المديريات والمحافظات في مختلف القطاعات الوظيفية العامة والخاصة وربطها باتحاد عام مركزه عدن يسعى لاستعادة عضويته في الاتحادات العربية والإقليمية والدولية.
- إعادة بناء الهياكل الإدارية للدولة وإلغاء كافة التعديلات الإدارية التي أقدم عليها نظام الاحتلال وبوجه خاص التعديلات التي مست الخارطة الحدودية بين الجنوب والشمال في محافظات لحج، وأبين، وشبوة، وإعادتها كما كانت على حدودها عام 1990م من خلال عقد مؤتمرات جامعة لكل محافظة تتخذ فيها هذه القرارات وتنفيذها بوصفها قرارات الإرادة الشعبية.

- الشروع في إعادة بناء هياكل السلطة الوطنية القضائية والتشريعية والتنفيذها يشمل ذلك إعادة بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، والاقتصادية والمالية والإعلامية والثقافية.

- إصدار إعلان دستوري لإدارة المرحلة الانتقالية.

- تعمل السلطة الانتقالية مع الأطراف الإقليمية والدولية على تجديد الاعتراف بالواقع الجديد في الجنوب وتفعيل الوضع الحقوقي والقانوني لدولة الجنوب في مؤسسات الشرعية الدولية.
- تنتهي المرحلة الانتقالية بالاستفتاء على الدستور الدائم للدولة وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
- إجراء مفاوضات مع دولة الشمال لتقرير شكل العلاقات المستقبلية بين الدولتين.
*أستاذ الفلسفة السياسية المساعد
كلية الآداب - جامعة عدن
المصدر