تاريخ شخصي في محاربة الإيرانيين..

محمد علي المقدشي جنرال يكافح شراذم الحوثي

المقدشي وزير دفاع بلا ملامح سياسية على بعد خطوات عن الحسم

صالح البيضاني
كاتب وباحث وسياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

برز دوره عقب اندلاع احتجاجات العام 2011 ضد الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، حيث تم استدعاؤه من خانة الضباط العسكريين التقليديين، ليتبوأ مناصب عسكرية عليا في وقت بالغ الحساسية وصلت فيه الاصطفافات السياسية ذروتها.

عسكري بلا ملامح سياسية، هكذا يمكن وصف محمد علي المقدشي الذي خاض غمار الصراع السياسي والعسكري في اليمن، بأداء غابت عنه التفاصيل والخلفيات التي كانت تجتاح كل مناحي الحياة، حافظ على هدوئه كضابط كلاسيكي، وعزز من حضوره في معسكرات الصراع المختلفة، متجاوزا دائرة التصنيف الأيديولوجي التي طالت كل رجالات العهدين القديم والجديد في تلك الفترة بالغة التعقيد والمكايدات.

وعلى الرغم من انضمام المقدشي لقائمة القيادات العسكرية لما عرف بـ”الجيش اليمني المؤيدة للثورة الشبابية السلمية الشعبية”، والذي أعلن عن نفسه من خلال البيان الأول الذي صدر في مايو 2011، إلا أن المقدشي الذي كان يشغل في ذلك الوقت قائد المنطقة العسكرية الوسطى، ظل يختفي خلف قيادات بارزة تحملت عبء هذا القرار وتداعياته وفي مقدمتها قائد الفرقة الأولى مدرع حينها اللواء علي محسن الأحمر الذي كان المقدشي يصنف كأحد رجالاته في المؤسسة العسكرية.

تراتبية عسكرية طاغية

لم يحدث إعلان انضمام المقدشي للجيش الموالي للثورة أي ردود فعل غاضبة كما كان متوقعا، فقد كان منصبه إداريا أكثر منه عسكري بالنظر إلى خارطة الولاءات، حيث لا تتواجد تحت قيادته بشكل فعال أي ألوية عسكرية كما هو الحال مع ضباط آخرين أقل منه منصبا مثل اللواء حميد القشيبي قائد اللواء 310 في محافظة عمران، والسبب في ذلك يعود لكون المنطقة الوسطى التي تقع في إطار صلاحياته، محكومة بتوازنات قبلية وعسكرية ثابتة لا يمكن التلاعب بها، إلى جانب شخصيته الديناميكية واحتفاظه على الدوام بخطوط تواصل ساخنة مع خصومه حتى الرئيس السابق علي عبدالله صالح في تلك الفترة.

ولد المقدشي بمديرية ميفعة عنس بمحافظة ذمار في العام 1962 وهو العام الذي أطاحت فيه ثورة تزعمها عدد من الضباط اليمنيين بالنظام الملكي الإمامي، حيث نشأ في كنف نمط واحد من الأنظمة ولم يعاصر النظامين الإمامي والجمهوري كغيره من كبار القادة العسكريين اليمنيين المخضرمين آنذاك.

وفي العام 1981 التحق المقدشي بالكلية الحربية في صنعاء التي كان الانضمام إليها حلم الكثير من أبناء جيله ومنطقته على السواء، ليتخرج منها بعد أربع سنوات كضابط في الجيش اليمني برتبة ملازم ثان.

بعد تخرجه التحق بألوية العروبة الشهيرة في اليمن والتي شاركت في الحرب العراقية الإيرانية، وقد تدرج في السلم العسكري لهذه الوحدات، بدءا من تعيينه قائدا لسرية المشاة في اللواء الرابع عروبة بين عامي 1984 و1986، ومرورا بتعيينه رئيسا لعمليات الدبابات في اللواء في الفترة من 1986 إلى 1987، وعين بعد ذلك قائدا لقطاعي حرض وميدي التابعين لمحافظة حجة في اللواء ذاته بين عامي 1987 و1989.

كما تم تعيينه لاحقا في منصب أركان كتيبة مدفعية اللواء الرابع عروبة حتى العام 1992 فضابطا لأمن اللواء، ثم قائدا لكتيبة المشاة حتى العام 1996.

 وصقل التدرج العسكري من خبرة المقدشي التي استحضرها على الأرجح بعد ذلك بسنوات طويلة عندما ساهم في إعادة تأسيس الجيش الوطني اليمني في أعقاب الانقلاب الحوثي في العام 2014.

وفي محاولة لكسر رتابة النمط العسكري الصارم في تجربته، كما يبدو، قرر المقدشي مزج حياته العسكرية الصارمة بالتطوير الذاتي، حيث اتجه لدراسة القانون، الذي حصل على إجازة فيه من جامعة صنعاء، وأردف ذلك بدراسة عدد من الدورات العسكرية، وصولا إلى حصوله على الماجستير في العلوم العسكرية تخصص “أسلحة مشتركة” عن كلية القيادة والأركان بصنعاء.

وقد انعكس التأهيل الذي حصل عليه الضابط الشاب على سيرته المهنية، حيث أهلته الدراسة لتبوؤ مناصب أرفع في الجيش، كان أولها تعيينه أركانا لحرب حرس الحدود في محور الحديدة، ثم رئاسة عمليات اللواء 13 مشاة، فرئيسا لأركان اللواء، قبل أن يعين قائدا للواء 21 ميكا في العام 2006، ثم قائدا لمحور عتق إلى جوار قيادته للواء، حتى العام 2008 حينما تم تعيينه قائدا للمنطقة العسكرية الوسطى.

وتكشف السيرة العسكرية للمقدشي عن حالة تدرج بطيئة ولكنها ثابتة وتراتبية في السلم العسكري، وهو ما جعله بعيدا عن دائرة التجاذبات السياسية المباشرة، في ظل انشغاله الدؤوب في المناصب العسكرية التي كانت في الغالب تتم في مناطق بعيدة عن مركز القرار.

بدءا من العام 2011 شهدت سيرة المقدشي تحولا مهما وفارقا، بعد أن وضعته الأحداث المتسارعة على مفترق طرق إجبارية، وقد كان قرار الانضمام للجيش الموالي للثورة، مفتتحا لسلسلة من القرارات الصعبة والمصيرية.

مرحلة فارقة

غادر الرئيس صالح السلطة وانتصر المعسكر المناوئ له الذي كان المقدشي أحد أعضائه، وهو ما أهله لتولي منصب جديد تمثل في تعيينه نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة للشؤون الفنية في أبريل 2012، لكن سرعان ما تم تعيينه في منصب أكثر صخبا وإشكالية وهو قيادة المنطقة العسكرية السادسة بعد عام واحد تماما، وقد كان ذلك القرار من أصعب الاختبارات التي مرت بها مسيرته العسكرية، نظرا لكون نطاق صلاحياته يضم أكثر ثلاث محافظات مضطربة وهي صعدة وعمران والجوف، المثلث الذي كان يتركز فيه النشاط الحوثي السياسي والعسكري آنذاك.

خلال الفترة من فبراير إلى يوليو شهدت محافظة عمران شمالي صنعاء اشتباكات يومية، نتيجة للزحف الحوثي الرامي للسيطرة على المحافظة، ووقعت المواجهة الأولى بين أولاد الشيخ القبلي عبدالله بن حسين الأحمر والحوثيين، في الوقت الذي التزم فيه الجيش اليمني الحياد، غير أن الزحف الحوثي امتد إلى مركز المحافظة في يوليو من نفس العام، ولم يتغير موقف الجيش اليمني كذلك بالرغم من تعرض أحد الألوية التابعة له بقيادة العميد حميد القشيبي للاعتداء من قبل الميليشيات الحوثية.

في نهاية المطاف سقطت محافظة عمران لتتبع بمحافظتي صعدة والجوف، وهي المحافظات الثلاث التي كانت تتكون منها المنطقة العسكرية السادسة التي يقودها محمد علي المقدشي.

وبعد أيام قليلة فقط من إحكام الحوثيين سيطرتهم على عمران، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارا بإقالة المقدشي من منصب لم يعد له وجود على أرض الواقع، وعينه مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة.

ظل المقدشي بعيدا عن دائرة الضوء الإعلامية حتى بعد سقوط محافظة عمران، لكنه كما تشير الوقائع التالية للأحداث بقي قريبا من الرئيس هادي، وقد تكون مشاركته في الحرب العراقية الإيرانية كما تقول سيرته الذاتية، سببا كافيا يفسر مواقفه اللاحقة وانضمامه المبكر للشرعية ومساهمته في تأسيس نواة الجيش الوطني.

الجيش الوطني

تسارعت الأحداث وانتهت باجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، في ظل حالة تخبط بدت في ما يتعلق بمواجهة الميليشيات التي أسقطت الدولة، ولم يمض الكثير من الوقت قبل أن يعلن الحوثيون عن أنفسهم كبديل للدولة، الأمر الذي أفضى إلى فرار الكثير من قيادات الدولة المدنية والعسكرية والإعلان عن انطلاق عاصفة الحزم وإنشاء التحالف العربي في مارس 2015.

بعد شهر من انطلاق العملية العسكرية التي قادتها السعودية عين الرئيس هادي، اللواء المقدشي رئيسا للأركان، في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع محمود الصبيحي معتقلا لدى الحوثيين في صنعاء، والجيش اليمني بمختلف تشكيلاته في قبضة الميليشيات.

بعد أقل من أسبوعين من تعيينه جاءت أول ردة فعل قوية على هذا القرار، حيث أقدم الحوثيون على تفجير منزله في مسقط رأسه بذمار وتداول اليمنيون صورا تظهر القصر الفخم الذي تعرض للتخريب والنهب، وبدلا من انشغال الرأي العام اليمني بتفجير المنزل، دار حديث واسع حول الأموال التي يمتلكها ضابط في الجيش، ووجهت أصابع الاتهام للمقدشي بالفساد وهي أبرز التهم التي مازالت تلاحقه بين الحين والآخر.

ظهر المقدشي من الرياض في أول ظهور إعلامي له بعد هروبه من صنعاء، وتحدث في الحوار الذي أذيع بعد خمسة أيام من تعيينه رئيسا للأركان عن أسباب سقوط صنعاء في إجابات حذرة لم يقل من خلالها أكثر مما يعرفه عامة اليمنيين، كما تحدث عن عودته إلى اليمن للبدء بإعادة تشكيل وتجميع الجيش اليمني في منطقة “العبر” بمحافظة حضرموت بالقرب من الحدود اليمنية-السعودية.

ظهر المقدشي مجددا ولكن بالزي العسكري هذه المرة وتحدث عن العديد من القضايا المتعلقة بسير المعارك، وفي رد على سؤال وجه له حول هوية الجيش الوطني، وهي التسمية التي لم يكن اليمنيون يألفونها بعد، أجاب “الجيش الوطني هو استمرار للجيش السابق، وقمنا بتجنيد جيش جديد بعقيدة عسكرية جديدة تتناسب مع دول الجوار في تدريبه وتأهيله وتسليحه، والمقاومة الشعبية جزء من الجيش اليمني وهناك أشخاص من الجيش السابق والكثير من المعسكرات السابقة تقاتل لصالح الشرعية في الوقت الحالي والكثير من الجيش السابق موال للشرعية، كما توجد خمس مناطق مركزية عسكرية للشرعية ومنطقتان للحوثي وصالح”.

وفي الفترة التي تلت تعيينه رئيسا للأركان برز دور الفريق المقدشي، خصوصا أنه تولى مهام وزير الدفاع المعتقل لدى الحوثيين إلى جانب مهامه. وقد شهدت هذه المرحلة توجيه العديد من الانتقادات له كان معظمها يتمحور حول الإخفاقات العسكرية التي رافقت بعض الجبهات واستشراء الفساد في المؤسسة العسكرية، إضافة إلى تشكل مراكز قوى جديدة داخل الجيش الوطني، ونشوء صراع خفي بينه وبين بعض أقطاب الجيش النافذين، وهو ما انتهى بإقالة المقدشي مجددا وتعيينه للمرة الثانية مستشارا للقائد الأعلى للقوات المسلحة لشؤون الدفاع في سبتمبر 2017.

بعدها تم تكليفه بملء الفراغ الذي خلفه عدم وجود وزير للدفاع في الحكومة اليمنية وفي فبراير 2018 تم تكليفه بتولي مهام وزير الدفاع.

لم يمض الكثير من الوقت قبل أن تشهد مسيرة الفريق المقدشي الحافلة بمراحل البروز والانضواء، تحولا جديدا دفعه هذه المرة إلى قمة المؤسسة العسكرية وبشكل مباشر، حيث أصدر الرئيس هادي في وقت متأخر من فجر الثامن من نوفمبر الجاري قرارا بتعيينه وزيرا للدفاع خلفا لمحمود الصبيحي المعتقل لدى الحوثيين منذ العام 2015.

ويأتي تعيين المقدشي وزيرا للدفاع بالتزامن مع تعيين رئيس جديد للأركان في سياق ما يعتقد أنه التهيئة لاستكمال معارك التحرير التي توقفت في عدد من الجبهات اليمنية.