مستمرة في سياسة الإملاءات..

طالبان في صيغة موسكو للمصالحة الأفغانية

تمدد طالبان في أفغانستان بخدمة الروس، ينطبق على تمدد تنظيم الدولة في سوريا والعراق

حامد الكيلاني

المبعوث الشخصي للرئيس الروسي إلى أفغانستان زامير كابولوف في مؤتمره الصحافي بعد جولة المباحثات الثانية للسلام أو المصالحة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية والتي عقدت في موسكو بمشاركة واهتمام ورعاية أكثر من دولة، في المقدمة منها باكستان وإيران وكذلك الهند والصين وعدد من دول الاتحاد السوفيتي السابق؛ اتهم الولايات المتحدة بعدم جديتها في إحلال السلام في أفغانستان، قائلا إن ما يهم واشنطن ينحسر في رئاسة مبادرات السلام الدولية، وإن الأمر لا يتعدى الشكليات.

شاركت الحكومة الأفغانية بوفد متدني المسؤوليات من اللجنة العليا للمصالحة، ما يدلل على واقع الأزمة السياسية في أفغانستان وعمق الانقسام الذي يتجاوز المباحثات والتواصل عبر المفاوضات إلى لغة العنف بهجمات ضد المؤسسات والمباني الحكومية والبعثات الدبلوماسية في كابل وبكل ما يبعث على عدم الاستقرار.

طالبان شاركت بوفد من الواجهة السياسية للحركة، المقيم في دولة قطر التي تحولت إلى ذراع للنظام الإيراني في المنطقة تؤدي أدوار رعاية المصالح الإيرانية والدفاع عنها والترويج لها والإنابة في تمدد وتخادم الميليشيات الطائفية والإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة، في خلطة متجانسة تتكشف يوميا لتزيل الغموض عن خفايا الإرهاب ومصادر تمويله وأماكن تدريبه.

جولة المباحثات الأولى جرت سنة 2016 وضمت إلى جانب حركة طالبان روسيا وإيران. توسيع طاولة موسكو الثانية محاولة روسية لتدعيم موقفها في إدانة التدخل الأميركي في أفغانستان، بما يشبه الاستفتاء على فشل التواجد العسكري في إحلال السلام في بؤرة أزمات تشظت إلى دول الجوار الإقليمي للأرض الأفغانية.

بعد 40 سنة من الاحتلال السوفيتي تبدو أفغانستان على مرمى أطماع سياسية وعسكرية روسية، لكن هذه المرة بصيغة استثمار في مبادرات السلام على الطريقة الخاصة لموسكو بعد تجربتها الطويلة في تذويب مأساة الشعب السوري لصالح إعادة تأهيل النظام الحاكم، وتثبيت قواعدها العسكرية وفرض رؤيتها وأجندتها على المعارضة المعتدلة وعلى المجتمع الدولي بخلق مسارات أحادية وهامشية في مفاوضات أستانة أو سوتشي ضاربة عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة وبنود اتفاقية جنيف1.

بداية انهيار القيم المشتركة للمجتمع الأفغاني كانت مع تغلغل الاتحاد السوفيتي سنة 1979 بقيمه المختلفة حد التناقض، مما أدى إلى تسريع الكارثة في استقطاب الحركات المضادة وتشكيل ما يقارب 67 فصيلا تحت موجبات مقاومة المحتل وأيضا الجوع.

انتهى الاحتلال السوفيتي بولادة طالبان وتنظيم القاعدة وأحداث 11 سبتمبر 2001، ثم الاحتلال الأميركي لأفغانستان الذي أعاد الخطأ السوفيتي في الترويج للديمقراطية الأميركية الغريبة عن المناخ العام في أفغانستان، أو حتى في التجربة الفاشلة للمحتل الأميركي في العراق؛ وهما بلدان حلّقا بالمشروع الإيراني بالإرادة الأميركية أو من دونها، لأن للمحصلة رواية أخرى كتبتها العلاقات الأميركية الإيرانية طوال عقود سبقت متغيرات عهد الرئيس دونالد ترامب.

روسيا راعية للسلام في أفغانستان مع إيران، باستعاضة رعايتهما للسلام في سوريا. حركة طالبان تمددت في أفغانستان بدعم روسي وإيراني وباعتراف من الحركة، والمبررات تعطيل التعاون مع تنظيم الدولة وإيقاف ومنع الهجمات على مصالح البلدين والمقرات الدبلوماسية؛ رغم أن بعض أعضاء الحركة أكدوا أن الدعم الروسي موجه لتمويل هجمات ضد قوات حلف شمال الأطلسي.

طاولة “صيغة موسكو” للسلام، خارج تغطية الإعلام أو أي بيان ختامي مشترك، إلا أن تصريحات كابولوف تشير إلى خارطة طريق عامة من بينها الانتخابات وانتظار زيارة المبعوث الأميركي الخاص بأفغانستان، زلماي خليل زادة، إلى موسكو في بداية ديسمبر المقبل، واحتمال إطلاق مباحثات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، بعد تمدد الأخيرة إلى ما يعادل أكثر من 40 بالمئة من مساحة أفغانستان.

الولايات المتحدة مستمرة في سياسة الإملاءات، بينما تستغل روسيا ملء الفراغات لتقاسم الأعباء وتوزيعها؛ صيغة موسكو يمكن قراءتها بتركيز الإضاءة على الإعلان المفتوح لمبيعات الأسلحة الروسية والتقارير التلفزيونية المنافسة للمبيعات الاستهلاكية، وتشمل الصواريخ والطائرات والدبابات وبأدق أسرار التصنيع والكفاءة القتالية والخاتمة دوما بجملة “إنه مجرب بسوريا”.

أفغانستان ساحة سوفيتية ثم ساحة إرهاب ثم ساحة أميركية وبإمكانها أن تكون ساحة أميركية روسية، أو ساحة روسية إذا استعدنا رغبة ترامب في الانسحاب منها نتيجة تكاليف التواجد في حسابات البعد الجغرافي وقربها من جهة أخرى من الاتحاد الروسي، لولا نصائح البنتاغون بزيادة عدد القوات الأميركية سنة 2017.

تمدد طالبان في أفغانستان بخدمة الروس، ينطبق على تمدد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، فهو الآخر في خدمة الاستراتيجية الروسية والمحور الإيراني، والحرب على الإرهاب أدت ما هو مطلوب منها من جهة تأهيل نظام الأسد وتهجير الملايين لغايات مذهبية؛ غايات كانت من بعض ما تجاهر به ميليشيات النظام الإيراني، ودفعت في مرحلة ما الرئيس ترامب إلى البوح كذلك برغبته في سحب قوات بلاده من سوريا.

العراق وفق الرؤية الروسية فهو يخضع للمحور الإيراني، أي إن التواجد الروسي فيه يطبخ على نار هادئة في اللقاءات الرباعية لروسيا وإيران والعراق وسوريا، والمداخلة الروسية في العراق تستحق ملاحقة خيوطها في مبيعات الأسلحة أو الاستحواذ على مواطئ أقدام في اقتصاديات النفط في إقليم كردستان أو باقي العراق في المرحلة المقبلة.

أسئلة كثيرة تتعلق بالإرهاب والتطرف والتمويل والتجنيد والترويج لاستحالة الحوارات مع الأشباح، لكننا تفاجأنا بالتفاوض مع تنظيم الدولة ومناقلة المقاتلين بباصات مريحة وتواجدهم عند الطلب في مفترق الأزمات، وأخيرا جلوس طالبان على طاولة موسكو تحت ذريعة الأمر الواقع لتمكنها من السيطرة على ما يقرب نصف مساحة أفغانستان؛ لكن ما يؤرقنا أن العراق تأخر في الانتصار ولو بالمصالحة مع نفسه