هل تتراجع بريطانيا وأميركا عن «الصفقة الشيطانية»؟..

فايننشال تايمز: الأوضاع لا تتحمل غض الطرف عن حرب اليمن

طفلة يمنية ماتت من الجوع/ رويترز

واشنطن

تسبب الاغتيال المروع للصحافي السعودي جمال خاشقجي في إخضاع علاقة الغرب بالسعودية لمستوى غير مسبوق من الفحص والتدقيق منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، التي تعرَّضت لها الولايات المتحدة. إذ أُجبِرَت واشنطن ولندن على إعادة تقييم موقفهما من القيادة العدائية المتقلبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وتشير  صحيفة The Financial Times البريطانية في افتتاحيتها إلى أن الحاكم الفعلي للمملكة برهن على قسوته في التعامل مع النقاد والخصوم. لكنَّ حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة نظرتا إلى الجهة الأخرى في ظل تعهد الأمير الشاب بتحديث البلاد. فقد تطلعوا إلى بناء علاقات اقتصادية وسياسية طويلة الأجل مع أهم حلفائهم العرب.

هل تتغير المعادلة؟
وتشير الصحيفة إلى أنه ليس ثمة مثل على هذه الصفقة الشيطانية أوضح من اليمن، إذ عانى ملايين اليمنيين من الحرب الكارثية التي واصلها الأمير محمد بن سلمان ضد المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران.

وقدمت أميركا في خضم هذا دعماً لوجستياً واستخبارتياً إلى السعودية وحليفتها الإمارات، منذ أن أشرف ولي العهد على أولى غارات التحالف في مارس/آذار 2015. وواصلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إمداد السلاح إليهم.


وترى الصحيفة البريطانية أن ذلك قد يتغير أخيراً، في أعقاب مقتل خاشقجي، وفي خضم التحذيرات من مجاعة تلوح في الأفق، وفي ظل الانتقادات الموجهة من المشرعين الأميركيين؛ إذ أعلنت الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع أنها ستوقف تزويد طائرات التحالف بالوقود جواً، وقالت السعودية إنها قد طلبت الإيقاف نظراً إلى أنها رفعت من قدراتها على إجراء عمليات التزويد بالوقود جواً.

وقد تواصلت حملة القصف على اليمن غير أن التحرك الرمزي من جانب إدارة ترامب جاء بعد أيام من قول واشنطن إن الأطراف المتحاربة يجب أن تبدأ مفاوضات السلام «خلال 30 يوماً». ونقلت المملكة المتحدة رسالة مماثلة.

وترى الصحيفة البريطانية أنه ليس من المرجح لحلفاء الرياض الغربيين  إعادة تقييم العلاقات مع أكبر مصدر للنفط في العالم بشكل جذري، فاستقرار المملكة ودورها في مواجهة إيران يبدو ضرورياً.


لكن اليمن تشكل ساحة واحدة تبدو فيها واشنطن ولندن فجأة عازمتين على كبح جماع مغامرة محمد بن سلمان. بالرغم من أن هذه الدفعة الدبلوماسية جاءت متأخرة بطريقة مؤسفة، فإنها مُرحَّبٌ بها.

وتؤكد الصحيفة أن ثمة حاجة إلى مواصلة الضغط على الفرقاء لإنهاء الأعمال العدائية والتوصل إلى حلٍّ سياسي.

التراجع لن يكون سهلاً
وترى الفايننشال تايمز أن هذا لن يكون سهلاً في بلدٍ يضم عدداً لا يحصى من الجماعات المسلحة ويعاني المجتمع فيه من الانقسام.

واستجاب التحالف لضغط واشنطن من أجل إجراء محادثات، فيما عدا أن هذه الاستجابة جاءت من خلال إعادة شن غاراته العدائية على الحديدة، وهو ميناء حيوي يُستَخدَم لاستقبال 70% من واردات اليمن، بالرغم من الكلفة البشرية الكارثية المحتملة.


قالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة في أغسطس/آب، إن الائتلاف السعودي كان مسؤولاً عن الانتهاكات التي قد ترقى لجرائم الحرب، بما في ذلك قصف الأهداف المدنية الذي تسبب في قتل الآلاف.

وتسبب الصراع فيما يصفه عمال الإغاثة بأسوأ كارثة إنسانية؛ إذ يواجه 14 مليون شخص -وهم نصف سكان اليمن- خطر المجاعة. ويُواجه التحالف اتهاماتٍ بالتسبُّب في تفاقم الموقف من خلال فرض حصار على الموانئ.

وتصر السعودية والإمارات على دعم الحكومة الشرعية وتتهمان إيران بتأجيج الصراع من خلال إمداد الحوثيين بالأسلحة. وعلى الصعيد الآخر، يعتبر الحوثيون، وهم حركة متمرسة في القتال، مذنبين أيضاً لارتكابهم انتهاكات تتضمن تجنيد الأطفال واستخدام وسائل نقل المساعدات لنقل السلاح.


غير أنه من الواضح هناك أن حملتهم لا يمكنها أن تتمخض عن حل عسكري لهذا الصراع. كان من الواجب إيقاف مبيعات الأسلحة إلى التحالف منذ أمد بعيد. والأولوية الآنية هي وقف القتال وضمان وصول المساعدات لمنع تعرض الملايين للمجاعة.

وتختم الصحيفة افتتاحيتها بأن اغتيال خاشقجي جعل واشنطن ولندن تعيدان التفكير في اليمن، وقالت يجب على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن تبرهنا على جديتهما بشأن الضغط على الرياض لإنهاء إراقة الدماء.