تغير شامل..

من يربينا جنسيا؟

نحتاج اليوم إلى تغير شامل يعي أن الحياة الجنسية لا تتوقف

شيماء رحومة

على الرغم من أن صحون الساتلايت والشبكة العنكبوتية جعلتا العالم منفتحا على بعضه البعض، فإن رهطا من الذين يحملون في عرقهم دماء عربية لا يزال يتعامل مع الأخبار الواردة عن نظيره الغربي حول الجنس صاما أذنيه معصبا عينيه، فتمر من أمامه دون أن يعي مضمونها ويكتفي بقراءة سطحية تعمّق جهله.

وغالبا ما يتم التعامل مع الأخبار التي يكون محورها الحديث عن الجنس ببلاهة من قِبل القارئ العربي مما يحرّضه على الضحك من قبيل عرض عائلة أجنبية -على ما أذكر بريطانية- مبلغا كبيرا مقابل الحصول على مربية مثقفة جنسيا من أجل تثقيف أبنائها جنسيا، ففي الحال يخطر على ذهن البعض أن هذه العائلة غير سوية لأن الجنس يقترن في العقل العربي بالغرب وأن الغربيين يمارسونه منذ نعومة أظافرهم دون روابط مقدسة، ولا يلتزمون بشعائر دينية تفصل الحلال عن الحرام.

لذا فإنه من العسير على أذهان بعض المنتمين إلى قسم كبير من المجتمعات العربية استيعاب معنى أن تعلن وزارة التعليم البريطانية مثلا عن إضافتها لمادة التربية الجنسية إلى المناهج المدرسية، بهدف إفهام التلاميذ في أي عمر يمكن ممارسة الجنس، فما بالك إذا كان هذا السعي عربيا!، حيث دعت برلمانية مغربية منذ فترة عبر الفيسبوك إلى تسليط الضوء على أهمية التربية الجنسية وتضمينها في المقررات الدراسية.

في الواقع وبعيدا عن النظرة الضيقة لهذه المسألة عربيا وبالتعمق في حياة الشق الغربي حسب ما ورد في الخبر الذي تمت الإشارة فيه إلى المادة الدراسية الجديدة نجد أن “استغلال الأطفال جنسيا عملية منتشرة جدا في بريطانيا، حتى أنه في بعض الحالات لا يعي الطفل أنه ضحية للاغتصاب”، والمفاجأة التي قد تذهل القارئ العربي أن وجهة نظر بعض العائلات الغربية تشبه وجهة نظره إلى حد ما، حيث جاء في الخبر أيضا أنه “بدأ تنفيذ البرنامج الجديد في المدارس، ولكن دون إجبار الطلاب على حضور الدروس، لأن هناك عائلات تعتبر مثل هذه المواضيع انتهاكا لإيمانها ومعتقداتها”. ولذلك أعتقد أن أول خطوة هامة يجب أن تخطوها المجتمعات العربية قبل أن تتطرق إلى مسألة التربية الجنسية، هي تكثيف القراءات والاطلاع بشكل واعٍ ورصين على الثقافات الأخرى لا الاكتفاء بالقشور والآراء المسبقة والسقوط في القوالب الجاهزة، إذ غالبا ما ندخل في نقاشات بيزنطية مع أفراد يستميتون من أجل الانتصار لأفكارهم دون أن يكونوا مدركين لأبعاد وخلفيات ما يناقشونه، والدليل على ذلك أن أول ما يتبادر إلى عقول البعض عند الحديث عن التربية الجنسية ربطها فورا بالعلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة.

ومن أجل ذلك لا بد من ممارسة فعل القراءة قبل ممارسة الجنس فـ”المثقف هو من اكتشف شيئا أكثر تشويقا من الجنس″ وفق قول الكاتب الإنكليزي ألدوس هكسلي، إذ نحتاج اليوم إلى تغير شامل يعي أن الحياة الجنسية لا تتوقف عند حد العلاقة الحميمية، بل هي مفهوم واسع وجب تعليمه للأطفال، حتى تضمن العائلات العربية انفتاح أبنائها على الجنس متشبعين بسلوكيات جنسية أهم ما فيها أنهم مدركون لأجسادهم بالدرجة الأولى وتحولاتها الفيزيولوجية، إذ قد يسيء بعض المراهقين التعامل مع أجسادهم مما يدخلهم قسرا إلى عوامل تستهلكهم جنسيا وفكريا.

كما قد تتعرض بعض الزيجات للفشل، أو يمارس أطفال صغار سلوكيات جنسية كمداعبة بعض أعضائهم التناسلية أو أعضاء أترابهم في رياض الأطفال أو المدارس، أو يقع أبناء ضحايا اغتصاب عائلي، هؤلاء جميعا ضحايا غياب الثقافة الجنسية الذي يقود إلى نتائج متشابهة وإن اختلفت الوقائع.

وهناك فرضية لست أدري إن كانت غائبة عن البعض أم حاضرة لكن يتم تجاهلها عمدا، تنقل الأطفال إلى عالم الجنس دون تمهيد مسبق ألا وهي المسلسلات المدبلجة وحتى المحلية التي صارت تواكب الدراما العالمية في عبثية تجمع العائلة أمام الشاشة الصغيرة دون حياء، فتعبث بالأذهان البريئة أمام رقابة أسرية ترفض التربية الجنسية مادة تدرّس وفق برامج منظمة وتقبلها في طيات سيناريوهات ممنهجة!