مأزق معركة الحديدة عسكريا..

تحليل: ما هي النهاية التي سيختارها الحوثي في الحديدة

جندي من القوات المشتركة

سياف الغرباني

في كل مرة يبدو الاعلام، هو العور الاكبر في معركة اليمنيين المقدسة وطنيا ضد الحوثي.

وهذه المرة برز الخلل بصورة ملحوظة، في غمرة انهماك قوات المقاومة المشتركة بدعم من التحالف العربي، في العملية القيصرية الهادفة لاستعادة السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، وقطع آخر شريان بحري يغذي الحوثيين بالأسلحة المهربة.

إذ فقدت عديد من وسائل الإعلام، على اختلافها، البوصلة، وذهبت تلوك خطابا مشككا بطريقة أو بأخرى، بحق اليمنيين في استعادة الدولة والجغرافيا والهوية، ومقوضا للاحتشاد الشعبي المعنوي المؤيد للمعركة ضد الحوثيين، الذي بلغ ذروته مع انطلاق عملية تحرير الحديدة وتوغل المقاومة المشتركة داخل المدينة.

وحفلت الأيام الأخيرة، بتكهنات مرتبكة حول "هدنة إنسانية في الحديدة"، رغم وجود مواقف أعلنتها تشكيلات ضمن قوات المقاومة المشاركة، تنفي ما يتردد بهذا الشأن.

المؤكد حتى اللحظة، على الأقل، عدم صدور إعلان رسمي من أي جهة معنية بالعملية العسكرية، في مدينة الحديدة غربي اليمن، بشأن هدنة من أي نوع، سواء قوات التحالف العربي، أو المقاومة المشتركة، بل أن تصريحات رسمية حملت إشارات صريحة إلى استمرار القوات في تقويض سيطرة الحوثيين على المدينة الواقعة على الضفة الشرقية للبحر الأحمر.

بيد أن هذه المواقف المدعومة بمواجهات يومية في غير منطقة عمليات في الحديدة، لم تكن كافية، على ما يبدو، ليكف عمال الماكينات الإعلامية، عن الخوض في سجالات عدمية، حول هدنة مزعومة بالاتكاء على تهويمات لا وجود لها في الواقع.
يمكن الجزم -وفقا للاحداث الميدانية بعيدا عن تهويمات الاعلام، بأن العملية العسكرية ضد مسلحي الحوثي مستمرة، حتى الساعة على الأقل، مع وجود تغيير في مسار الخطة العسكرية العامة تبعا لطبيعة المعركة.

والجزم ذاته سيتكرر حين نقول أن “الاعلام” المساند لمعركة اليمنيين ضد الحوثي في الحديدة، يردد كلمته “خدق الهدنة” من دون أن تتوقف لحظة أمام استفسارات طارئة بشأن من أعلن الهدنة؟ ومتى؟ وكيف؟.

ان التناول الإعلامي خلال الأيام الأخيرة لعملية مدينة الحديدة، في الوسائل القريبة من قوات المقاومة الوطنية، لا يعكس بحال موقفا عسكريا بقدر ما يكشف فجوة آخذة بالاتساع مع المقاتل في الميدان وعجز واضح عن قراءة طقس المواجهة ومواكبتها.

ويعزز هذه الفرضية، تناولات إخبارية حديثة، اعتسفت هجمات ميليشيا الحوثي المدفعية على المنشئات الطبية والاقتصادية في مربعات سيطرة القوات المشتركة بالحديدة، في خانة "خروقات هدنة"، برغم أن الحوثيين لم يوقفوا لحظة إطلاق قذائف الهاون، ومع أن لعلعة أصوات الرصاص لم تهدأ يوما في المدينة.

وتجدر الإشارة إلى أن ألوية العمالقة، التي تشكل مع المقاومتين الوطنية والتهامية الصخرة الصلبة للقوات المشتركة، خرجت بموقف إعلامي مختلف، ومتسق إلى حد كبير مع المعطيات على الأرض في الحديدة، حيث أعلنت على حسابات تابعة عدم وجود "هدنة"، مؤكدة في ذات الوقت أنها لن تكون معنية بأي تحرك بهذا الاتجاه.

ووصلت معركة الحديدة إلى نقطة اللاّعودة بعد تداخل مناطق تواجد القوات المشتركة وتلاشي أي فرصة للفصل بينها وتوغّل المعارك إلى داخل أحياء المدينة، الأمر الذي لا يترك مجالا سوى للحسم الميداني من قبل القوّة الأكثر تنظيما والأفضل تسليحا، وهي المقاومة المشتركة.

مع الإشارة إلى أن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي، العقيد تركي المالكي، قال في تصريح حديث اليوم الأربعاء 20/نوفمبر/أيلول، 2018، ان العمليات العسكرية في الحديدة مستمرة، وإن كانت بوتيرة مختلفة؛ تركز على تفادي وقوع أضرار على المدنيين، واستمرار عمل المنظمات الإنسانية وتدفق المواد الغذائية من الميناء الرئيسي.

وأضاف العقيد المالكي، أن عمليات تحرير الحديدة ومينائها الاستراتيجي تسير بوتيرة عالية، وأحزرت نتائج نوعية، مشيراً إلى أن القوات اليمنية المشتركة المسنودة بالتحالف العربي تحاصر العناصر الحوثية من محاور عدة في المدينة.

ويلحظ أن معركة الحديدة، تكتيك بالدرجة الأساس، إذ أنّ تحصن الحوثيين داخل الأحياء ذات الكثافة السكانية المكتظة، استدعى خطة عسكرية مختلفة تقوم على تقليل حجم الاعتماد على القوّة النارية والتركيز على الالتفافات والتطويق والعزل، خاصة وأن الحوثي يراهن على الكلفة البشرية والإنسانية للمعركة، وقد بنى خطته على هذا الأساس بدءا من التحصن داخل الأحياء السكنية والمنشآت، وصولا إلى تفخيخ المباني والشوارع وحتى حرم ومحيط ميناء الحديدة.

وقياسا إلى المعطيات الميدانية على الأرض، فإن المقاومة المشتركة استطاعت فرض تصورها للمعركة، وانتزعت مساحات كبيرة وهي مازالت في مرحلة الانتشار والتطويق وقطع خطوط إمداد الطرف الآخر، وبالتالي صار وجودها أمرا واقعا في معادلة الحديدة، مع الإشارة الى أن تطويق المدينة كفيل في نهاية المطاف بانهيار الحوثيين بداخلها.

وإلى جانب عزم القوات المشتركة على انتزاع مدينة الحديدة، ودفن الحقبة الحوثية بالغة الفداحة والسوء على السكان، فإنه من غير الممكن فرض هدنة على الأرض – حال أي تحرك بهذا الاتجاه- بفعل استمرار الحوثيين في تفخيخ المنشآت المدنية والعسكرية إضافة إلى تداخل خطوط التماس بين الجانبين في أحياء المدينة.

وعند هذه النقطة، يمكن القول ان المرونة التي أبداها الحوثيون أخيرا في التعاطي مع الوساطات الأممية مجرد مناورة استدعتها الحاجة لمخرج طوارئ مؤقت من المشنقة العملاقة التي حشرت فيها قواتهم بالحديدة.

ما هو مؤكد، هو ان تحركات قيادات جماعة الحوثي الأخيرة مجرد تكتيك بهدف البحث عن مخرج آني من مأزق الحديدة العسكري، عبر إرسال إيحاءات لجهات إقليمية ودولية فاعلة في الملف اليمني بالقبول بمحادثات سياسية جدية تضع نهاية للحرب التي تسببت بها أصلا.

من دون إغفال بديهية أن الحوثي نفسه، لا يبحث عن هدنة إنسانية ولن يلتزم بها أصلاً، بقدر ما يريد فرصة تمنحه الوقت اللازم للتحرك وإعادة التموضع العسكري وترتيب صفوفه خاصة بعد الإرباك الكبير الذي سيطر على ميليشياته تحت تأثير الضربات القاصمة من جانب التحالف العربي والمقاومة المشتركة.