تقنيات أسلوبية وفنية..

ما هي مستويات اللغة في الرواية

هناك مستويات مختلفة في اللغة

حسونة المصباحي

معلقا على رواياته، كتب بازوليني ذات مرة يقول إن ألبرتو مورافيا ينتمي إلى وسط بورجوازي، وروى قصصا عن أناس يتكلمون نفس اللغة التي تتلكم بها طبقته، لذلك عكست اللغة التي كتب بها رواياته روحَ الوسط البورجوازي وعقليته، ورؤيته للحياة وللمجتمع. لكن لا يعني ذلك أن لغة مورافيا كانت الأفضل، أو أنها الوحيدة الصالحة لكتابة روايات، فلو أن مورافيا اختار مثلا أن يروي قصصا عن أناس من الطبقات الفقيرة في نابولي، أو في صقلية التي تسمى “إيطاليا الأفريقية” لكان عليه أن يتخلى عن اللغة التي كتب بها قصصه وروايته عن بورجوازية روما.

وأظن أن بازوليني لَمَسَ قضية مهمة جدا شغلت كبار الروائيين في القرن العشرين خصوصا بعد أن اكتشفوا أن الرواية ليست فقط أحداثا وشخصيات، وإنما أيضا لغة وتقنيات أسلوبية وفنية.

ففي رائعة “الصخب والعنف” لويليام فوكنر التي نقلها إلى العربية جبرا إبراهيم جبرا، نلاحظ منذ الفصل الأول منها أن هناك مستويات مختلفة في اللغة، فلغة بينجي المعتوه الذي لا يفرق بين الماضي والحاضر، والذي يكنّ لأخته كاندي حبا غريبا، لا يتكلم اللغة التي يستعملها أخوه كونتون الطالب الذي يدرس في جامعة هارفارد العريقة، والذي يختار الانتحار في النهر بعد أن تيقن من أن خلاص عائلته الأرستقراطية من الانهيار سوف يكون مستحيلا.

وفي روايته “تيفون” التي تروي قصة بحارة يواجهون إعصارا استوائيا في بحر الصين، يشعرنا جوزيف كونراد من خلال اللغة التي اختارها، بقوة الإعصار وضراوته، وبتأثيراته المرعبة على البحارة حتى أننا نصاب بالغثيان والدوار.

ونددت فيرجينيا وولف بلغة جيمس جويس في أثره ذائع الصيت “يوليسيس” باعتبارها لغة “سوقية”، و”بذيئة”، و”قذرة مثل صاحبها”، وواضح أنها، أي فيرجينيا وولف، لم تدرك أن الهدف الأساسي لجيمس جويس هو إبراز المستويات اللغوية في الأثر الروائي، ففي الفصل الذي خصصه لمتابعة نقاش ساخن حول شكسبير في إحدى مكتبات دبلن، اختار جيمس جويس لغة رفيعة سرعان ما تخلى عنها عندما تابع جولة ليوبولد بلوم في مواخير المدينة في أواخر الليل وهو سكران حد التلف.

وكان صاحب “صورة الفنان في شبابه” يحب منذ بداية مسيرته الأدبية أن يتحدث عمّا كان يسميه بـ”لغة النهار”، و”لغة الليل”، و”لغة الحلم”، و”لغة اليقظة” في العمل الروائي