تجربة ورؤية المسرح العربي..

المسرح بالخليج العربي هو الطفل المدلل

مخرج يكتب النص المسرحي كعمل أدبي بعيدا عن الصيغة الإخراجية

محمد الحمامصي

تعد تجربة الكاتب والمخرج المسرحي العماني عماد الشنفري واحدة من التجارب المسرحية البارزة التي شكلت خصوصية للمسرح العماني والخليجي خاصة والعربي عامة، الأمر الذي كلّل بحصوله على وسام الاستحقاق بجائزة السلطان قابوس كأول مسرحي يمنح هذا الوسام بسلطنة عمان، وذلك بعد فوزه بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون “مجال الآداب” عن مسرحيته “سمهري”، الذي يتناول فيها حضارة سمهرم، وكيف وصلت الحضارة العمانية إلى مختلف أرجاء المعمورة من الفراعنة والسومريين والبابليين وكيف انتهت هذه الحضارة جراء الفتن، الأمر يحيل إلى ما يحدث اليوم في عموم العالم الإسلامي بعد أن انتشرت فيه الحروب والصراعات والفتنة والتي تقود العالم العربي إلى حالة من الانهيار والتخلف.

قدم الشنفري رئيس فرقة صلالة الأهلية للفنون المسرحية ومنظم مهرجان “البانتومايم المسرحي” في صلالة، عبر مسيرته الممتدة على مدار ربع قرن ما يربو عن 30 عملا مسرحيا تأليفا وإخراجا تستمد خصوصيتها من واقع المجتمع العماني وقضاياه وتراثه وموروثاته الشعبية، من أعماله “مهمة المزار”، “أبوسلامة”، “حمران العيون”، “صباح الخير”، “رجل بثياب امرأة”، “العاصفة”، “أوراق مكشوفة”، “الندبة” و”مملكة النحل”، وقد حصدت أغلب أعماله جوائز عربية مهمة منها جائزة المسرح الخليجي وجائزة الشارقة للتأليف المسرحي وجائزة الهيئة العربية للمسرح.. وفي هذا الحوار معه نتعرف على جوانب خاصة في مسيرته ورؤاه المسرحية.

الكتابة والإخراج
بداية وحول البدايات التي شكلت الشنفري ثقافيا وإبداعيا وانعكست على رؤيته كاتبا ومخرجا مسرحيا يقول “بدأت من المدرسة عام 1976 في الصف الأول الابتدائي على يد أساتذة من جمهورية مصر العربية حيث كان لهم الفضل في تعريفنا بالمسرح، ومن ثم توالت التجارب، فأتى مسرح الشباب ليصقل هذه التجربة ومن ثم أتى دور الفرق الأهلية وهي أكثر احترافية، ولكن يعود الفضل الأكبر للبروفيسور الراحل دكتور عوني كرومي حيث عملت معه عملين مسرحيين هما ‘غيث السماء’ الذي قُدم بمهرجان برلين بألمانيا ومسرحية ‘اللبانه’، وقد استغرقت هذه الأعمال ما يقارب الخمس سنوات من إعداد وتحضير مما جعلني قريبا منه، وهو الذي نقل لي خبرته المسرحية بالكامل، وكنت قد اتخذت منذ بدايتي الخط المسرحي المعتمد على التاريخ والتراث، فنحن بالسلطنة لدينا مخزون من التاريخ والفنون والتراث والموسيقى ولا يمكن لأي فنان يعيش بين هذا الموروث إلا أن يستلهم أعماله منها”.

عماد الشنفري: الراوية عالم آخر من الصعب اختزالها على خشبة المسرح
عماد الشنفري: الراوية عالم آخر من الصعب اختزالها على خشبة المسرح
وكشف الشنفري أن تجربته المسرحية قطعت حتى الآن ثلاث مراحل مهمة، الأولى المسرح المدرسي والثانية مسرح الشباب وأخيرا مسرح الفرق الأهلية المحترفة، مؤكدا “دائما أسعى بكل مرحلة للتطوير والابتكار والبحث عن آفاق جديدة تكون أمامي كتحد أستطيع أن أحقق من خلاله إنجازا أكون راضيا عنه”.

وحول قضية الجمع بين التأليف والإخراج ورؤية العرض وموقف المؤدين، يقول الشنفري “عندما أكتب نصا مسرحيا فإنني أكتبه كنص مسرحي أدبي، وبالتالي أبتعد عند كتابته عن فكر المخرج بداخلي، ومثل هذه النصوص يمكن لأي مخرج آخر تقديمها، ولكن هناك نصوصا مسرحية أكتبها لنفسي وتكون الخطة الإخراجية مرسومة بالكامل أثناء كتابة النص، وبالتالي تجد هذه النصوص مفككة في بعض جوانبها، وغير مكتملة لأنها مختزنة بداخلي إخراجيا، ومثل هذه الأعمال تنجح جماهيريا وإخراجيا، ولكن تكون هناك ملاحظات كثيرة على النص، وعليه أجد أن النص المسرحي يجب أن يكتب بعيدا عن الفكر الإخراجي للمؤلف لأن مثل هذه الأعمال يمكن أن تشكل تجارب أخرى لمخرجين آخرين”.

وردا على سؤال حول العقبات التي تواجه الكاتب المسرحي أو المخرج في تحويل الرواية إلى نص مسرحي أكد الشنفري أن “الراوية عالم آخر من الصعب اختزالها على خشبة المسرح نظرا إلى تنوع الأماكن والأحداث وتداخل شخوص العمل، ولكن يمكن للنص المسرحي أن يتحول إلى رواية ويمكن للراوية أن تتحول إلى عمل درامي، ولكن من الصعب أن تتحول الراوية إلى عمل مسرحي”.

المسرح العربي
يشير الشنفري إلى أن “العالم من حولنا يتطور وكذلك التقنيات ويجب على المسرح أن يطور من أدواته أيضا ليواكب هذا العالم، والجمهور الآن يختلف عن جمهور الجيل السابق، ومعه تختلف القضايا والهموم وحتى الفكر وعلى المسرحيين البحث عن تلك الآليات التي تستقطب الجيل الحالي لخشبة المسرح سواء من حيث النص أو الإخراج أو التقنية الحديثة، ولكن رغم هذا سيظل المسرح يحمل رسالة التنوير والفكر المتجدد مهما اختلفت الرؤى في تقديم هذا الفكر”.

ويلفت الشنفري إلى أن المسرح في الوطن العربي لا تنقصه الإبداعات الفكرية أو الفنية، ولكن ما ينقصنا هو تلك المؤسسات التي تؤمن بدور المسرح وتدعمه وتقف خلفه، متابعا “نحتاج إلى خشبات مسارح نحتاج إلى تقنيات حديثة، ونحتاج إلى احترافية بمعنى الكلمة للفنان، فالوطن العربي ممتلئ بالمبدعين، ولكن أين تلك المؤسسات التي تأخذ بأيديهم”.

وطالب الشنفري للخروج بالمسرح العربي مما يعانيه “يجب علينا أولا كفنانين أن نغير أنفسنا لنستطيع في ما بعد أن نغير ما حولنا”. مشيرا إلى أن المسرح بالخليج العربي هو الطفل المدلل، فهناك دعم مالي يقدم بمعظم دول الخليج لهذا الفن مما ينعكس على ضخامة العمل من حيث الإعداد والديكور، ومما استطاع أن يشكل له معالم خاصة مختلفة عن تلك العروض التي تقدم ببقية الوطن العربي، ويلفت محدثنا إلى أن هناك سعيا جادا من الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة لتطوير الحركة المسرحية بكل أرجاء المعمورة، ونحن كمسرحيين محظوظين بوجود رجل مثله يحمل هموم المسرح ويدعم هذا الفن بمختلف الأشكال.

يؤكد الشنفري أن هناك حضورا متميزا للاتجاهات الحداثية في الممارسة المسرحية العمانية، كما هناك حضور مميز للمرأة العمانية في خضم التجربة المسرحية، موضحا “توجد تحديات حقيقية يواجهها المسرح العماني وهناك اهتمام من الجهات الحكومية بتذليل الصعوبات التي تواجه المسرحيين العمانيين، ولكن للأسف أن هذا الحراك الحكومي ما زال بطيئا جدا، ولا يلامس طموح الفنان العماني. للأسف إن المسرحي العماني يبذل من الجهد أضعاف ما يبذله قرينه بالخليج العربي نظرا لقلة الإمكانيات ودور العرض، ولكن الشغف والمحبة لدى هؤلاء المسرحيين يجعلهم يتخطون العقبات وينجحون في تذليلها”.

ويشدد الشنفري أن علاقة المسرح العماني بالمشهد المسرحي العربي هي علاقة الجزء من الكل فمثلا ما يؤثر في المغرب العربي يؤثر على المسرح العماني، وبالتالي هناك تواصل دائما بين المسرحيين العمانيين والمسرحين في مختلف أرجاء الوطن العربي، ونتلاقي في المهرجانات ونتبادل الحوار والنقاش فنجد أنفسنا جميعا في نفس القارب نحمل نفس الهموم والتوجهات.