ظهوره في التسعينات..

عاصي الحلاني يواكب العصر دون المساس باللون والمضمون

23 ألبوما غنائيا في مشواره الفني

سارة محمد

يظل الفنان اللبناني عاصي الحلاني صاحب مكانة خاصة وسط الكثير من أبناء بلده، الذين طافوا يبحثون عن الحداثة الموسيقية، ما جعلهم يتخلون عن الكثير من هويتهم العربية في أعمالهم التي قدموها خلال السنوات الماضية كنوع من مواكبة العصر.

ويبقى عاصي الحلاني محلقا في أفق مختلف يميزه عن غيره، فمنذ ظهوره في التسعينات من القرن الماضي، وهو يحرص على تطوير أسلوبه الغنائي، ويمزجه بالعديد من الألوان الموسيقية التي لم يتخل فيها عن مقاماته الشرقية، بخلاف دقته في اختيار ما يناسبه من كلمات تتوافق مع ثقافته الفنية التي تربى فيها على مدارس الكبار، مثل المدرسة الرحبانية، ويتلخص مشواره الفني في تقديم رسالة فنية هادفة، تحرص على عدم الانسياق خلف الثقافة الغربية الجذابة وإضفاء ملمس عربي مميز.

وأكد عاصي الحلاني لـ“العرب” أن الفنان الحقيقي يجب أن يؤمن بموهبته وباللون الذي سيصل من خلاله إلى قلب الجمهور، وهو شخصيا يؤمن بمنهجيته في العمل التي وضعها لذاته، منذ انطلاق أغنيته الشهيرة “أنا مارق مريت” وقامت على طريقة اللون واللهجة التي يصفها بالـ“بيضاء” القريبة من قلوب الجماهير العربية، لأنها تحمل كلمات سهلة ومحملة بإحساس صادق.

وأضاف الحلاني، الذي يقترب من عامه الـ30 في تجربته الفنية الغنائية المميزة، متحدثا عن اهتمامه بتقديم فن عربي تراثي أصيل، “لا أستطيع التخلي عن هويتي ووجداني العربي نهائيا، لكن أواكب العصر وأجتهد دون المساس باللون والمضمون، ورغم تنوع الألحان واللهجات، سوف أظل مهتما في كل عمل بالمحافظة على الطابع والهوية، لأن منظومة النجاح والاستمرار لا يمكن تحقيقها إلاّ إذا كنت مختلفا عن الآخرين”.

وسألته “العرب” عن فكرة الجمع بين مفهوم الهوية والحداثة التي أدت إلى خلط لدى الكثير من العاملين في مجال الغناء والموسيقى ما تسبب في ضعف شكل الأغنية العربية وتشوهها في الكثير من الأحيان، فقال “لا شك أن الجمع بينهما أمر صعب للغاية، وأحاول معالجة ذلك عبر الموازنة بينهما، كي لا يأتي شيء على حساب شيء آخر، ومن ضمن ذلك التركيز على جانب التلحين، وهي ملكة خاصة تحتاج إلى مراجعة دقيقة ليتم الحفاظ على توازن الأغنية وتماسكها”.

واعترف عاصي الحلاني، الذي قدم 23 ألبوما غنائيا في مشواره الفني، خلاف العديد من الأغنيات المنفردة، بتأثره منذ البداية بالمدرسة الرحبانية والفنانة فيروز، واصفا إياهما بأنهما “تراب وتاريخ لبنان الذي قدما له تراثا فنيا خاصا، ما جعلهما علامتين للفن العربي بأكمله وليس للبنان فقط”.

وأضاف “من منا لم يتأثر بالمدرسة الرحبانية، والكبار مثل وديع الصافي وصباح فخري وغيرهما من العمالقة الذين تربينا على موسيقاهم وفنهم الخالد، والفلكلور الشامي باق بقاء الزمن، مهما حدث من تطور وحداثة، والدليل أنني أغنّي الفلكلور في كل حفلاتي وهذا يسعدني لأن جمهوري يرحب به، ولا يوجد خوف على تراثنا الشرقي لأنه هويتنا”.

وقال “أتمنى أن يكون ما قدمته وأقدمه امتدادا لهؤلاء الكبار فنحن نحاول جاهدين أن نتطور، لكن مع ضرورة الاحتفاظ بالطعم والهوية، وهما لا يتنافيان مع فكرة مواكبة العصر”.

ويبحث الفنان عن الجرأة في أعماله ما جعل الكثير من المطربين في الفترة الأخيرة يلجأون إلى استخدام المزيد من الألحان والكلمات الجديدة والغريبة على آذان المستمع العربي، وهو ما يراه الحلاني نوعا من التحرر المطلوب، طالما لم تخرج كلمات العمل عن الذوق والتقاليد، الأمر الذي يجعل المغني مطالبا باقتناء كل كلمة ولحن بحرص.

واستكمل الحلاني قائلا “الفنان لا بد أن يكون جريئا في الاختيار ومتجددا في العطاء حتى يستمر تألقه، فمثلا عندما قدمت أغنيتي ‘جن جنون’ عرضتها بجرأة واقتناع، فنالت الرضا، ما يضيف لرصيدي الفني والجماهيري، فالجرأة لديّ تشمل الكلمة أولا لأنني أهتم بالكلمات قبل اللحن وهي أساس العمل، وكم من أعمال نجحت من كلمة واحدة والعكس صحيح”.

الحلاني يرى أن منظومة النجاح والاستمرار لا يمكن تحقيقها، إلاّ إذا كان الفنان مختلفا عن الآخرين في اختياراته الموسيقية

ويشير البعض إلى تراجع مكانة الأغنية اللبنانية وسط بعض الأزمات السياسية والمجتمعية التي عاشتها الدولة، كحال معظم البلدان العربية، باعتبار أن الفن انعكاس للواقع، لكن الحلاني يختلف مع ذلك الرأي ويشدّد على احتفاظ الأغنية اللبنانية بمكانتها لكون لبنان دولة “حضارة وفن وثقافة وإبداع”.

وأوضح “الفنان والفن مرآة للمجتمع بكل ما فيه، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذا أمر لا خلاف عليه، والفنان الذي لا يتأثر بما يدور في وطنه مزيف، وبالتأكيد أنا أتأثر وأتفاعل بما يدور في وطني وأغني له”.

وأكد ضرورة أن يفصل الفنان بين الدور السياسي والفني، لأن الفنان “لا بد أن ينأى بنفسه عن أي صراعات ويعمل ويغني للوطن الذي لا يمتلكه حزب أو طائفة، ويغني لكل الانتماءات دون تفضيل لفصيل معيّن”.

ويبدو الحلاني، صاحب الـ47 عاما، من أكثر النجوم العرب الذين غنوا في محبة الأوطان العربية بإحساس صادق، ويحمل رصيده الغنائي في الأعوام الأخيرة عددا من الأغنيات التي قدمت الكثير من عبارات المحبة للدول العربية، وهنا يقول “الغناء للأوطان العربية واجب مقدّس وشرف، لذلك أغنّي لكل العالم العربي من مشرقه إلى مغربه بداية من لبنان”.

ويرى النجم اللبناني عاصي الحلاني أن لمصر رصيدا وفيرا من أعماله في هذا الاتجاه، وقدم لها أغنيات مثل “ست الستات يا مصرية”، و“مصر العظيمة”، و“كبيرة يا مصر” وأخيرا “نسايم حرية”، وقام بتلحينها بنفسه، وهي من كلمات الشاعر المصري غانم جاد شعلان.