دفع بتأجيل الانتخابات..

تراجع حظوظ الولاية الخامسة لبوتفليقة

الوضع الصحي لبوتفليقة يفاقم الأزمة

الجزائر

تقاطعت تصريحات وتلميحات تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية المنتظر بعد أربعة أشهر في الجزائر، بين أطياف المعارضة السياسية وبين أحزاب الموالاة، لكن تنافي النوايا والأهداف بين التمديد لبوتفليقة وبين حلحلة الأزمة، وتعارض المسعى مع الدستور، يجعلان خيار التأجيل صعب المنال إلا في حالة الاستنجاد بالسيناريو الأقل سوءا وضررا.

وجدّد رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري، دعوته إلى تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية إلى العام 2020، على أن تكون المرحلة الحالية فرصة للوصول إلى توافق وطني، ومراجعة عميقة لمفاصل الدولة، من أجل طي صفحة المرحلة والذهاب إلى شرعية جديدة تترجم إرادة الشعب.

وقال مقري في ندوة صحافية على هامش فعالية سياسية نظمتها الحركة بالعاصمة، إن “النظام السياسي ليست له رؤية سياسية ولا اقتصادية، وغير قادر على مواجهة الأزمات المقبلة بسبب الغموض وغياب الرؤية الواضحة، وهو ما يستوجب ضرورة فتح حوار لإيجاد الحلول والبحث عن الأطر القانونية والاتفاق الذي يخدم الجميع، بعيدا عن فرض الإكراه ونسج الصفقات”.وأضاف “الهدف من دعوتنا إلى تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية إلى العام 2020، هو الخروج بحل وتحقيق المصلحة العامة”.

وحذّر مقري من وجود “أطراف (لم يسمّها) داخل السلطة تريد منصب الرئاسة بوسائل غير ديمقراطية”. وتابع “نصارحكم ونصارح الجزائريين بأننا خائفون من أن تسيطر على رئاسة الجمهورية شخصية مهيمنة تصل بالإكراه والتزوير، ولذلك نحن نناضل لتحسين المنافسة وإعطاء ضمانات أكثر للمنافسة النزيهة”.

وجاءت دعوة حمس، أياما قليلة، بعد دعوة مبطنة أطلقت من داخل معسكر الموالاة، وتكفّل بها رئيس حزب تجمع أمل الجزائر (تاج)، والوزير السابق عمار غول، الذي دعا إلى ندوة وطنية مفتوحة بعنوان “معا من أجل إجماع وطني لجزائر جديدة”، تنتظم قريبا وتشارك فيها جميع القوى السياسية والجمعيات المدنية والنخب مهما اختلفت مرجعياتها ومواقفها وأيديولوجياتها، وتكون تحت إشراف الرئيس بوتفليقة، وهو ما يعني تأجيل الانتخابات الرئاسية آليا.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن مبادرة عمار غول بمثابة جسّ نبض للشارع السياسي قياسا بارتباط الرجل بدوائر ظل في السلطة، وإجادته لعبة التماهي مع الإيحاءات السياسية، منذ أن كان أحد المؤسسين في حركة حمس قبل أن ينشق لتحقيق طموحاته السياسية.

عبدالرزاق مقري: النظام السياسي ليست له رؤية سياسية ولا اقتصادية، وغير قادر على مواجهة الأزمات المقبلة
عبدالرزاق مقري: النظام السياسي ليست له رؤية سياسية ولا اقتصادية، وغير قادر على مواجهة الأزمات المقبلة

ويضيف هؤلاء أن الرسالة المثيرة للرئيس بوتفليقة خلال الأسبوع الماضي، بقدر ما أبانت عن توتر حقيقي في هرم السلطة وصل إلى حد اتهامه لمعارضيه بـ”الكائدين والمغرضين والحاقدين والمتربصين بالبلاد”، بقدر ما ترجمت حالة التخبط في محيط الرئاسة حول تداعيات وارتدادات المغامرة بترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، لأسباب شخصية (الوضع الصحي) وردود الفعل الداخلية والخارجية.

ولم تستبعد مصادر سياسية أن تكون صعوبة الرهان على خيار الولاية الخامسة لبوتفليقة قد حتّمت على محيط قصر المرادية، الإيحاء لإحدى الأذرع السياسية بإطلاق مبادرة الندوة الوطنية المفتوحة كاختبار، ورصد ردود الفعل حولها وإمكانات تمرير ورقة التمديد لرئيس البلاد، بدعوى الإشراف على نتائج الندوة.

وفي جميع الحالات ومهما كانت نوايا التأجيل، فإن العائق الأكبر أمامه هو التنافي مع دستور البلاد، الذي يحصر حالات التمديد لرئيس الجمهورية في حالة واحدة تتعلق بالحرب، الأمر الذي يجعل الأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها دعاة التأجيل، إلا إذا تم التعاطي بمنطق سياسة الأمر الواقع، التي رجحها رئيس الوزراء أحمد أويحيى، لما سُئل عن إبعاد رئيس البرلمان سعيد بوحجة من منصبه، رغم عدم دستورية الخطوة التي نفذتها أحزاب السلطة.

ويذكر البند رقم 110 من دستوري البلاد، أنه يتم “توقيف العمل بالدستور مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات، وإذا انتهت المدة الرئاسية لرئيس الجمهورية تمدّد وجوبا إلى غاية نهاية الحرب”.

ويرى الخبير الدستوري عمار ارخيلة أن “النص الدستوري واضح في هذا الشأن، وأي نية لتحقيق الانسجام مع مضامينه تتطلب المرور عبر تعديل طفيف يدعو إليه رئيس الجمهورية ويتم طرح المسألة على نواب البرلمان، كما حدث في تعديل العام 2008″، وهو ما يجعل الخيار ليس مستحيلا.

ويشير التحوّل الأخير المسجل في هرم حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، بتعيين رئيس البرلمان معاذ بوشارب كمنسق عام للحزب بعد إبعاد جمال ولد عباس واستقدام الأمين العام السابق عبدالعزيز بلخادم للاضطلاع بما سمّي بـ”تصويب مسار الحزب”، إلى مخطط احتياطي لإخراج الاستحقاق الرئاسي من المأزق.

وتكون بداية خفوت صوت الولاية الخامسة في خطاب الحزب، لا سيما وأن بلخادم لم ينف ولم يؤكد في أول عودة له للواجهة ترشحه للانتخابات، وحتى المنسق العام الجديد لم يردد خطاب سلفه ولد عباس، مؤشرا على عودة الموقف إلى مربع غامض، يستشف من قوله “بوتفليقة سيعلن عن موقفه في الوقت والمكان المناسب”، ولم يشر إلى أي من مفردات الدعاية أو التأييد، الأمر الذي يتقاطع مع خيار التأجيل أو يؤسس لمخطط بديل بعد تراجع حظوظ الولاية الخامسة.

ومن المرجح أن تجرى انتخابات الرئاسة الجزائرية المقبلة في أبريل أو مايو 2019، فيما يلتزم بوتفليقة الصمت إزاء دعوات من أحزاب ومنظمات موالية من أجل الترشح لولاية خامسة في وقت تدعوه قوى معارضة للرحيل. وقبل أسابيع، أكد رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي، أن الاقتراع سيجري في موعده دون تأجيل في رده على سؤال للصحافيين بشأن موقف السلطات من معلومات متداولة بشأن إمكانية تأجيلها.