أي مقاربة ممكنة؟

هل تتشابه احتجاجات فرنسا مع "ربيعنا العربي"؟

الربيع العربي واحتجاجات فرنسا:

وكالات

عبّرت احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا، منذ إنشائها في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، عن مطالب اقتصادية بالأساس، دون أن تتوسع تلك الاحتحاجات وتأخذها الحماسة لتطالب بإسقاط النظام على طريقة الربيع العربي.

فالفرنسيون الذين يعيش في وجدانهم ثورة 1789 -باعتبارها أم الثورات وحققت شعار “حرية، مساواة، أخوة” بين الفرنسيين، ورسخّت النظام الجمهوري في السياسة- هم في الوقت ذاته أصحاب مقولة “إذا كنت في الثلاثين ولست ثوريًا، فأنت بلا قلب، وإن كنت فوق الثلاثين وما زلت ثوريًا، فانت بلا عقل”.

ظلت الاحتجاجات المطلبية في نطاق المعقول، والنظيف من الدم، إذ يمكن لوسائل الإعلام أن تتداول الاحتجاجات دون خجل، ودون أن تحذّر المتابعين من دموية المشاهد.

بعكس الطريقة العربية في الثورات، التي أصبحت مشاهدها تُعرض “للكبار فقط”، بعدما دخل على المشهد المُلثّم أبو مصعب الداغستاني الذي يحمل “بلطة”، والسلفي أبو دجانة الشيشاني الفنّان في قطع الرؤوس. لم نر في فرنسا تكرارًا للطريقة العربية في صعود السلفية الجهادية والإخوانية بثياب قصيرة وأعلام سوداء وهم يبايعون أبا بكر البغدادي، ومن ينافسه من الخلفاء الأتراك والعثمانيين!

ظل طموح الفرنسيين من أفراد السترات الصفراء في نطاق تحسين الأوضاع وإصلاحها، ويفصل بينه وبين الربيع العربي مئات المفكرين والشعراء العظام، من فكتور هوغو صاحب روية “البؤساء”، ومنتسكيو مؤلف “روح القانون”، وفولتير، وجان جاك روسو وكتابه “العقد الاجتماعي”، وغيرهم.

كل هؤلاء ما زالوا يعيشون في وجدان الشعب الفرنسي في الشانزليزيه، وتحت قوس النصر؛ فتيات يتظاهرن بحريّة وهن يفكرن بالاقتصاد والسياسة، دون أن يخشين من صعود الظلاميين الذين قد يفرضوا عليهن الحجاب بالقوة، أو المفتين الذين قد يفتوا بسبيهن لأنهن من طائفة بروتستانتية أو كاثوليكية أو حتى ملحدات.

بينما سُرق ربيعنا العربي بفتوى من شيخ معمم، يستقي من أفكار ابن تيمية التكفيرية، ويتخذ من انغلاق القرضاوي وتعصبّه وظلامية اتحاده العام لعلماء المسلمين مبررًا للقتل والتفجير!

المسافة بين “الربيع العربي” و”الستر الصفراء” هي المسافة ذاتها بين من يناهض أفكار فرانسيس فوكوياما حول نهاية التاريخ، ويكتب على إحدى اللافتات “قبل نهاية العالم، ما يشغلنا هو نهاية الشهر”، ليعطي الأولية لموعد الراتب قبل تزمت الأيديولوجيا، وبين الربيع العربي الذي يعبّر عن أفكار فوكوياما بصورة أخرى موازية، ولكنها من أفكار ما وراء الطبيعة؛ أفكار تطبيق الشريعة بحد السيف، ومحطات انتظار الخليفة، وقطار الذهاب إلى مكمن الحوريّات والجنان السماوية التي شُيّدت على أنقاض الأوطان!

أن يصبح ربيع الطموح العربي قدوة للعالم، يعني أن نرى باريس مثل مدينة حلب أو البصرة أو بنغازي، حيث يستفيق المواطن على صرخات تكبير يعقبها دوي انفجار لانتحاري أو سيارة مفخخة، وأن يُهدم قوس النصر وبرج إيفل مثلما هُدمت متاحف العراق ودُمرّت آثار تدمر بفؤوس داعش، وأن تفجر كنائس باريس مثلما فُجرّت كنائس مصر، باسم الحرية!

وفعلًا صار الربيع العربي درسًا مهمًا للعالم أكثر منه قدوة، درسًا مؤلمًا يسعى “العالم المتحضّر” إلى تفادي المرور فيه، وهو ما عبّرت عنه متظاهرة فرنسية صارخة برجال الشرطة: “كل ما نطلبه منكم هو أن تكونوا معنا.. من أجل الشعب، من أجل فرنسا”.