إخوان مصر..

لماذا انسحبت “الجماعة الإسلامية” من التحالف مع الإخوان؟

ما هو السبب؟

القاهرة

بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، أظهرت كل الجماعات الإسلامية وحدتها. وعلى الرغم من اختلاف توجهاتها ومنابعها، إلّا أنها شكلت حلفًا واحدًا معاديًا لباقي تيارات الثورة من العلمانيين والليبراليين واليساريين.

وبرغم الاختلاف الظاهر في الأدوات، إلّا أن جميع تلك الحركات اشتركت في تاريخ واحد، دموي، وتكفيري، ومتطرّف، مؤمنة بالعنف كوسيلة وحيدة من أجل الوصول إلى السلطة.

ولولا ثورة 30 يونيو/حزيران الشعبية، لتحوّل اتحاد الجماعات الإسلامية إلى قوة مناهضة لجميع التيارات المختلفة معها، إذ ضم ذلك التحالف إضافة إلى الإخوان المسلمين، أخطر الحركات الإرهابية في مصر، أي “الجماعة الإسلامية” التي مارست الإرهاب منذ السبعينيات، وتورطت في عمليات قتل ضد السياح الأجانب في مدينة الأقصر (75 سائحًا)، ناهيك عن مهاجمتها لمراكز الشرطة وقتلها لأفراد الأمن بدم بارد، بغية الاستيلاء على الأسلحة واستخدامها لقلب نظام الحكم بالقوة المسلحة!

ولكن ثورة يونيو/حزيران الشعبية، كشفت بصورة أعمق عن ذلك الاتحاد بين الحركات الإرهابية، لتسقط مقولات الاعتدال والوسطية عن بعضها. فالأحزاب التي تدعي ممارسة السياسة كوسيلة للتغيير مثل جماعة الإخوان المسلمين، تحالفت مع القوى التكفيرية الأخرى، وهو ما ظهر بعد الإطاحة بحكم الإخوان في 30 يونيو/حزيران 2013، عندما شكّلت تلك القوى ما يسمى بـ”التحالف الوطني لدعم الشرعية” الساعي إلى إعادة الرئيس المخلوع محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم.

وبعد الإطاحة بالإخوان، هرب الكثير من رموز “الجماعة الإسلامية” إلى تركيا وقطر، وتم تصنيفهم مصريًا على قوائم الإرهاب، منهم طارق الزمر، ومحمد شوقي الإسلامبولي، وصفوت عبد الغني، والقيادي عاصم عبد الماجد، المسؤول الرئيس عن مجزرة الأقصر، الذي تفاخر بشكل علني بمسؤوليته عن المجازر الدمويّة للجماعة في فترات مختلفة.

إلّا أن ما يسمى تحالف الشرعية أخذ بالترهل، بعد أن استطاعت مصر وقف الداعم الخارجي للإرهابيين، وحسم جبهة سيناء التي كان الإرهابيون يراهنون عليها كمنفذ لنقل السيناريو السوري إلى مصر. وظلّ تحالف دعم الشرعية مجرد “كليشيه” إعلامي يستخدمه الإخوان دون أن يُحقق أي نتائج على أرض الواقع.

وربما هذا ما شعرت به “الجماعة الإسلامية” مؤخرًا، وهي أقوى حلقات ذلك التحالف مع الإخوان، إذ أكد رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، أسامة حافظ، انسحاب جماعته من التحالف الذي تقوده جماعة الإخوان، مبررًا تلك الخطوة بالقول: “إن الزمن قد تجاوز مرحلة تكوين التحالف، وصار للأزمة أبعاد أكبر من التحالفات والكيانات، ما استدعى تفكيرًا جديدًا في التعامل مع الأزمة، وبالتالي لم يعد ثمة جدوى من التواجد في هذا التحالف، ولم يعد للجماعة وجود فيه”.

وكانت الجماعة الإسلامية قد أجرت في التسعينيات مراجعات لأفكارها التكفيرية، ووافقت على مبادرة وقف العنف، فاستفاد قادتها من أحكام القضاء المصري بالإفراج عن قياداتها من السجون. إلّا أنه اتضح بعد ثورة يونيو/حزيران التزام الجماعة بأفكارها الإرهابية، خصوصًا مع دعوات قياداتها للعنف كوسيلة لمحاربة الدولة.

وتؤمن الجماعة، مثل غيرها من الجماعات الإرهابية، بما يسمى بـ”فقه الأسير”، أي أن فتاوى وأفكار ومراجعات قيادتها داخل السجون، لا تمثّل باقي عناصر الجماعة، بوصفها تمت في ظروف غير شرعية.

ومع سقوط النظام المصري في يناير/كانون الثاني 2011، ظهر ما بداخل نفوس الجماعة من انقلاب على مراجعاتهم، وعداوتهم لأفكار “تكفير الحاكم”، وفرض الشريعة على الناس بالجهاد المسلّح بعد تكفير المجتمع استنادًا إلى أفكار سيد قطب.

وإضافة لتشكيلها مجموعات مسلّحة موالية لداعش والقاعدة في سيناء، قدّمت الجماعة الإسلامية الدعم لباقي الحركات الإرهابية في سوريا وليبيا، وعمل قادتها كمحرضين على الجهاد إلى جانب حركات النصرة وداعش والجيش الحر، وشاركت بتسفير الشباب إلى معسكرات التدريب في تلك الدول.

إلا أن الجماعة الإسلامية حاولت امتصاص غضب الدولة بعد سقوط الإخوان، عندما طرحت نفسها كوسيط للصلح بين الإخوان والدولة المصرية. وغاية الجماعة في طرح مبادرات للصلح مع الإخوان، فسرّها مراقبون بأنها وسيلة لإعادة الدفع بحركات الإسلام السياسي للصعود إلى المشهد، خصوصًا أن تلك المبادرات جاءت بشروط الإفراج عن قيادات الإخوان، وإعادة إجراء انتخابات تُعيد للإخوان شرعيتهم التي سحبها الشارع.

وتأتي خطوتها الأخيرة، بالانسحاب عن تحالف الإخوان، بمثابة اعتراف وعجز عن الصمود في وجه الدولة، بعد عمليات تجفيف منابع التطرف والإرهاب التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، وقيام المحكمة الجنائية في القاهرة يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، بإدراج الجماعة الإسلامية و164 من عناصرها على قوائم الإرهاب.

وهو ما فسره خبراء بشؤون الجماعات الإسلامية بالقول إن الدافع لأخذ قرار بالانسحاب يعود إلى سببين تضمرهما الجماعة:

– انتهاج الأسلوب الناعم في التغلغل داخل الدولة، وأخذ مكاسب إعلامية ودعوية للاستقطاب مقابل التخلي الظاهري عن الإخوان.

– طرح الجماعة نفسها كقوة سلمية، مثلما فعلت في التسعينيات عندما استفادت من الإفراجات عن قيادتها.

وبات التقلّب في المواقف علامة من علامات الجماعات الإسلامية بشكل عام، والجماعة الإسلامية المقاتلة بشكل خاص، إذ سرعان ما تعتمد على مخارج فقهية لتبرير فعلتها، مثلما استخدمت “فقه الأسير” بعد مراجعاتها الشهيرة التي ظلّت حبرًا على ورق.

المصدر