فظائع ووحشية..

"دعه يموت".. أبشع جرائم التعذيب في السجون الحوثية

دليل جديد على وحشية الحوثيين

مأرب

كشف تحقيق صحافي لوكالة أسوشيتد برس الأميركية جرائم بشعة ارتكبتها الميليشيات الحوثية ضد اليمنيين في السجون الخاضعة تحت سيطرتها، وتضمن التحقيق شهادات لسجناء يمنيين قضوا فترات في سجون مختلفة تابعة للحوثيين، وتحدثوا عن طرق التعذيب التي تعرضوا لها داخل تلك السجون.

وأعدت التحقيق ماغي ميشيل مراسلة الوكالة حيث تحدثت مع 23 شخصًا قالوا إنهم تعرَّضوا للعنف أو شهدوا التعذيب في سجون الحوثيين، فضلًا عن 8 من أقارب المعتقلين و5 محامين ونشطاء حقوقيين و3 من ضباط الأمن المسؤولين عن عمليات تبادل سجناء، وجميعهم شاهدوا آثار التعذيب على السجناء.

ويكشف التحقيق عن اختطاف الحوثيين لشخصيات مدنية من أماكن عملهم أو من الشارع العام لمجرد الاشتباه بهم، وجرى إخفاؤهم قسريا، وطلب مبالغ مالية مقابل الإفراج عنهم، كما حولت ميليشيات الحوثي الكثير من المباني والمقرات الحكومية بما في ذلك أندية رياضية وكليات إلى مراكز للتعذيب واحتجاز المختطفين، وبلغ عدد تلك الأماكن في العاصمة صنعاء لوحدها 30 سجنا.

وأكد رياض الدبعي، مسؤول وحدة الرصد والتوثيق في التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، ما جاء من شهادات الوكالة، وبيّن في تصريحات لـ“العرب”، أن الحوثيين مارسوا أبشع أنواع الانتهاكات بحق المعتقلين والمخفيين والمختطفين، ومن بين تلك الانتهاكات التعذيب الذي استخدمته الميليشيات مع معظم المتعقلين الذين زجت بهم في سجونها. مشيرا أن وحدة الرصد وثقت العديد من الانتهاكات.

126 سجيناً على الأقل قتلوا بسبب التعذيب منذ أن استولى الحوثيون على صنعاء

وأوضح الدبعي “تلقينا العديد من البلاغات من أسر الضحايا تفيد بانتهاكات خطيرة تمارسها الميليشيا ضد المعتقلين ووثقنا شهادات حيّة ومقابلات مع أسر الضحايا، وكذلك مقابلات مع معتقلين سابقين تم الإفراج عنهم واستمعنا لشهاداتهم المروعة من داخل سجون الحوثي. وأوضح أن “ميليشيا الحوثي استخدمت كافة أنواع تعذيب ضد معارضين”، وتسيطر الميليشيا المدعومة من إيران على عديد السجون في اليمن، وحسب الدبعي يعدّ “سجن مدينة الصالح في مدينة تعز من اكبر السجون التي مورست فيها الانتهاكات”.

وتابع “العديد من شرائح المجتمع المدني معتقلين لدى هذه الميليشيا هناك سياسيون وإعلاميون ورجال أعمال وأطفال ونساء وأكاديميون وطلاب جامعيين وغيرهم”.

شهادات صادمة

كان كل الخطأ الذي ارتكبه فاروق باعقر أنه أخذ صورة مع أحد مرضاه. كان الطبيب اليمني يعمل في مستشفى الرشيد في اليوم الذي تم فيه نقل رجل ينزف إلى غرفة الطوارئ مصابا بأعيرة نارية وعلامات تعذيب بادية عليه. أُلقي المصاب على جانب طريق سريع بعد احتجازه في سجن يديره رجال ميليشيا الحوثي الذين يسيطرون على منطقة شمال اليمن، تعرض للجلد على الظهر وكان معلقا من معصميه لعدة أيام.

قضى باعقر ساعات في إزالة الرصاصات وإخاطة أمعاء المصاب التي تمزقت، أشرف على حالة هذا المريض حتى شُفي لمدة وصلت إلى 80 يوماً، وفي النهاية، قرر أن يأخذ معه صورة بواسطة هاتفه الشخصي للذكرى. لكن، بعد أسابيع، ألقى مسؤولو الأمن الحوثي القبض على الطبيب، وفتشوا هاتفه ووجدوا الصورة.

وفاء الوليدي: ميليشيات الحوثي تمارس أبشع الجرائم ضد البشرية والوجود الإنساني في اليمن
وفاء الوليدي: ميليشيات الحوثي تمارس أبشع الجرائم ضد البشرية والوجود الإنساني في اليمن

اقتحم رجال الميليشيا المستشفى في مدينة الحديدة الساحلية، وعصبوا عيني باعقر وألقوا به في شاحنة صغيرة. ولأنه قدم مساعدة طبية لعدو الحوثيين، أخبروه أنه تحول أيضا إلى خصم لهم. وبعد اعتقاله في منتصف عام 2016، أمضى 18 شهرًا في السجن. وكشف إنه خلال تلك الفترة، قاموا بإحراقه وضربه وقيدوه بالسقف من معصميه.

وكان باعقر ومريضه من بين الآلاف الذين سجنهم المتمردون الحوثيون خلال الحرب الأهلية التي استمرت أربع سنوات في اليمن. وكثير من هؤلاء، كما وجد التحقيق، الذي أجرته وكالة أسوشيتد برس، تعرضوا للتعذيب الشديد حيث تلقوا ضربات عنيفة بواسطة العصي في وجوههم، وتم تعليقهم في السقف من معاصمهم أو أعضائهم التناسلية لأسابيع، وتم نثر الأحماض الحارقة على أجسادهم.

وقال الطبيب باعقر إنه بعد اعتقاله علقه رجال الميليشيا من السقف وجردوه من ملابسه وقاموا بجلد جسده العاري ثم أزالوا أظافره ومزقوا شعره. بعد ذلك فقد باعقر وعيه. وذكر من ضمن ممارسات التعذيب التي تعرض لها، كيف كانوا يحضرون الزجاجات البلاستيكية التي يذيبونها باستخدام ولاعة فوق رأسه وظهره، وبين فخذيه.

وفي نهاية المطاف، تم نقل باعقر إلى قلعة الحديدة، وهي قلعة تعود إلى 500 عام من العهد العثماني. وفي قبو قذر يعرف باسم “غرفة الضغط”، تم تعليقه من معصميه لمدة 50 يومًا، حتى ظن آسروه أنه مات. قاموا بإنزاله، وعندما أدركوا أنه ما زال على قيد الحياة، سمحوا لبقية السجناء الآخرين بإطعامه وتنظيفه. وبينما كان يتعافى، طلب معتقلون مُعذبون آخرون مساعدته. وفعلا حاول علاج إصاباتهم، حتى أنه كان ينفذ بعض العمليات الجراحية البسيطة، دون تخدير واستخدم الأسلاك الكهربائية، الأداة الوحيدة التي كانت لديه.

دعه يموت

تذكر باعقر، الذي أطلق سراحه في ديسمبر 2017 بعد أن دفعت عائلته ما يعادل ثمانية آلاف دولار، مساعدة لرجل كان قد تم تعليقه في السقف من أعضائه التناسلية. وتذكر أيضاً عندما أُصيب رجل آخر بحروق شديدة حين قام الحوثيون بصب حامض حارق على ظهره، مما أدى إلى إذابة جلده وإغلاق فتحة الشرج. وقام باستخدام عقار الأسلاك لفتح الشرج مرة أخرى، وأزال البراز بأصبعه.

ويقول باعقار “عندما طلبت من حراس الحوثي المساعدة وقلت لهم أن الرجل يحتضر، كان جوابهم الوحيد ’دعه يموت’”.

وأكدت وفاء الوليدي مستشارة وزارة حقوق الإنسان لـ“العرب” صحة ومصداقية شهادات الوكالة الأميركية، وأشارت الوليدي إلى أن “الميليشيات تستخدم أسلوب التعذيب على نطاق واسع ومريع بحق المعتقلين وتمارس أبشع الجرائم ضد البشرية والوجود الإنساني في اليمن بقوة السلاح وبانعدام تام للضمير والقيم، حيث تعتقل المواطنين والمدنيين دون أدني حق وتقوم باعتقالات تعسفية نتج عنها تهجير ونزوح الآلاف من الأسر التي باتت تخشى هذه الممارسات الوحشية الممنهجة”.

يضاف ذلك إلى قائمة طويلة من الانتهاكات من أبرزها زرع أكثر من نصف مليون لغم تسبب في الكثير المآسي وإعاقة الآلاف من اليمنيين من بينهم نساء وأطفال.

وفي شهادة أخرى، تتحدث الأسوشيتد برس عن منير الشارقي الذي يظهر في صورة بتاريخ 25 يوليو 2018 وهو يذهب إلى فراشه بعد أن قامت الممرضات بتغيير الضمادات على حروقه، في مستشفى مأرب العام في اليمن.

اختفى الشارقي، وهو فني مختبر تحاليل، لمدة عام، حتى تم الإلقاء به في مجرى مائي، نصف عار، هزيلاً ويحمل علامات مروعة من التعذيب. كان يعاني من حروق في رأسه وظهره وكتفيه شديدة لدرجة أن ملابسه التي كان يرتديها كان ملتصقة بجلده الذائب. ويعتقد بعض أفراد عائلته أنه تم اعتقاله وتعذيبه من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن بسبب نشاطه السياسي السابق. كان تعذيب الشارقي شديدًا جدًا لدرجة أنه فقد الذاكرة وبالكاد يستطيع أن يتحدث، ويتمتم بشكل غير واضح عند طرح الأسئلة عليه.

أما أنس السرارى الذي يجلس على كرسيه المتحرك في منزله في مأرب منذ 29 يوليو 2018، فقد أكد أنه أصيب بالشلل جراء التعذيب الذي تعرض له على يد المتمردين الحوثيين في اليمن. وقد تم تعليقه من السقف من معصميه دون توقف تقريباً لمدة 60 يوماً وتعرض للضرب المبرح.

كما سجن رجل رفض الكشف عن هويته لعدة أشهر في سجون الحوثيين، حيث قال إنه تعرض للضرب والتعليق من السقف من معصميه المقيدين بالأصفاد.

وتؤكد هذه الشهادات على أهمية التوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء الخميس في بداية محادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في السويد بين المتمردين الحوثيين والحكومة اليمنية الشرعية.

وقد وثقت رابطة أمهات المختطفين وهي جمعية لأقارب النساء المحتجز ذويهن في سجون الحوثيين أكثر من 18 ألف محتجز في السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك 1000 حالة تعذيب في شبكة سجون سرية وفقاً لصباح محمد ممثلة الرابطة في مدينة مأرب. وتقول رابطة الأمهات إن 126 سجيناً على الأقل ماتوا بسبب التعذيب منذ أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014.

وأوضح الدبعي أن هناك 18750 مختطفا ومعتقلا في السجون التابعة للحوثيين كما تم رصد عدد 3188 مخفيين قسرا ووثقنا عدد 730 حالة تعذيب تعرّض لها المعتقلين داخل سجون هذه الجماعة.

من ضمن ممارسات التعذيب التي تعرض لها المعتقلون اليمنيون على يد الحوثيين أنهم تلقوا ضربات عنيفة بواسطة العصي على وجوههم، ونثر الأحماض الحارقة على أجسادهم

وقد كانت المساجد والقلاع القديمة والكليات والنوادي وغيرها من المباني المدنية بمثابة منشآت أولية للآلاف من المعتقلين قبل نقلهم إلى السجون الرسمية، ووفقاً لشهادات الضحايا ووكالات حقوق الإنسان تم إحصاء 30 من المواقع السوداء التي يحتجز فيها المختطفين في صنعاء فقط.

وحسب مسؤول وحدة رصد وتوثيق الانتهاكات تصدّرت مدينة تعز المدن اليمنية من حيث الاختطافات والاعتقالات التي قامت بها مليشيا الحوثي. كما تطابقت أرقام تقرير الأسوشيتد برس مع ما نشرته وحدة الرصد السنوات الماضية.

واعتبرت مستشارة وزارة حقوق أن التقرير الوكالة الأميركية إضافة جديدة لمسلسل الجرائم الحوثية المستمرة ضد المدنين وانتهاكهم لحقوق المعتقلين الذي تم اعتقالهم وتلفيق تهم كيدبة مختلفة لهم لأنهم رفضوا توجهاتهم”.

وأضافت “استخدمت الميليشيات في تعذيبها مختلف الوسائل منها الضرب المبرح وتحطيم الوجه والتعليق بالسلاسل وتقليم الأظافر، وكل أنواع ووسائل التعذيب الوحشية وهناك الكثير من المعتقلين ماتوا في سجون الحوثي نتيجة للتعذيب المبرح، ومنهم من أصيب بإعاقات وفقدان للذاكرة والجنون، وهناك حالات تعرضت لحروق شديدة نتيجة استخدام مادة الأسيد الحارقة”.

إدانة صارخة للحوثيين

نفى زعماء جماعة الحوثيين في ​​السابق أنهم متورطون في عمليات التعذيب هذه، لكن شهادات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد عكس ذلك. وقد أقر فصيل معتدل من الحوثيين بالإساءات المرتكبة وسعى لإنهائها، إذ أسس يحيى الحوثي، شقيق زعيم المجموعة الأعلى، لجنة في عام 2016 للتحقيق في أنباء التعذيب، والتي ساعدت في تحرير 13 ألفًا و500 سجين في الأشهر الثلاثة الأولى.

وأرسلت اللجنة تقريرًا مصورًا للزعيم عبدالملك الحوثي، يظهر فيه مشاهد عنابر السجون المكتظة بالإضافة إلى شهادات من الحوثيين الكبار في اللجنة التي تقول، إنهم رأوا آثار التعذيب على السجناء، ورغم عدم نشر الفيديو، إلا ان الوكالة حصلت على نسخة منه، والتي قال فيها أحد أعضاء اللجنة “ما رأيناه سوف يجعلك تبكي دموعًا من الدماء”.

ومن جانبه لم يرد عبدالملك الحوثي على الفيديو، وبدلًا من ذلك قامت الميليشيا بإغلاق اللجنة واحتجزوا اثنين من أعضائها لفترة وجيزة.

وأكدت وفاء الوليدي مستشارة وزارة حقوق الإنسان اليمنية أن التحقيق الاستقصائي الذي نشرته الوكالة الأميركية أسوشيتد برس يضاف إلى جملة التقارير الحقوقية والصحافية التي تدين الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران وتؤكد ارتكابها للكثير من جرائم تعذيب ضد أكثر من 1000 مواطن يمني.

وقد استخدمت الميليشيات الحوثية ضد الأبرياء من اليمنيين أساليب مختلفة من التعذيب بسبب مخالفتهم لتوجهاتها ورفضهم لانقلابها على الدولة والنظام والقانون.

 وأردفت بقولها هي “ثقافة الموت ما تحمله هذه الميلشيات فحياة الإنسان بالنسبة لهم لا تعني شيئا إطلاقا”.