تنفيذ مشروع متكامل لبعثها..

حتى لا تنقرض اللغة الأمازيغية من السجن إلى فضاء الكتابة

مشكلة اللغة الأمازيغية لا تحل بمجرد الإعلان عن النيات الحسنة

أزراج عمر
لندن

في نهاية الثمانينات من القرن العشرين جمعتني الصدفة، بمدينة لندن، بأكاديمي إنكليزي كان يعمل في ذلك الوقت أستاذا للغة الأمازيغية وثقافتها بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، وتشعب بنا الحديث حول العقبات الكبرى التي تعترض هذه اللغة في منطقة شمال أفريقيا، وأذكر أنه قد أبدى تخوفه من أن تتعرض الأمازيغية للموت في حالة عدم الاعتراف بها سياسيا، وتدريسها في مختلف أطوار التعليم، وترقيتها لتصبح قادرة على مواكبة واستيعاب وتوظيف النظريات والمفاهيم العلمية والتقنية والفكرية التي تفتقر إليها.

 بعد عقدين ونيف من الزمن حصل أن أشرفنا أنا والإعلامي الجزائري السيد مولود علاق على إنتاج حصة ثقافية فكرية أسبوعية باللغة الأمازيغية لفائدة الإذاعة الأمازيغية بالجزائر العاصمة، وكان هدفنا الأساسي من ذلك البرنامج هو اختبار مدى قدرة هذه اللغة الشفوية على التلاؤم مع المفاهيم والنظريات ذات الصلة العضوية بالعلوم الإنسانية وخاصة النقد الفكري والثقافي والأدبي.

على مدى عامين من العمل الدقيق والمضني لم نجد أي مساندة أكاديمية وأي تحفيزي معنوي من السلطات المسؤولة عن الشأن الثقافي والتعليمي بالجزائر كوزارات الثقافة، والتعليم الأساسي، والتعليم العالي، فضلا عن المجالس العليا ذات الصلة بالشأن الثقافي والهوية اللغوية، كما أننا لم نتلق حتى التشجيع الشكلي من طرف ما يسمى بالحركة الثقافية الأمازيغية ومن المحافظة السياسية للأمازيغية أو من قبل حزبي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والقوى الاشتراكية اللذين ما فتئا يلوحان في مواسم الانتخابات بشعار الدفاع عن اللغة الأمازيغية وثقافتها.

 ولقد تعلمنا من التجربة أنه يمكن أن تخرج اللغة الأمازيغية من سجن الشفوية إلى فضاء الكتابة والمفاهيم والمصطلحات الفكرية والعلمية رغم أن تحقيق هذا الهدف المركزي يتطلب وضع ثم تنفيذ مشروع متكامل لبعثها، وتطويرها، واستثمار الكفاءات العالمة التي تنهض بالجوانب البيداغوجية والتقنية والاصطلاحية، وتخصيص الميزانيات الضخمة لتمويل العمل العلمي الشاق في مخابر البحث اللساني والنحوي والصرفي والبلاغي والفكري والعلمي.

وفي الحقيقة فإن مشكلة اللغة الأمازيغية لا تحل بمجرد الإعلان عن النيات الحسنة أو بواسطة إصدار قوانين ومراسيم الاعتراف بها كلغة وطنية ورسمية بل إن إخراج هذه اللغة المدفونة في “قفص الشفوية” على مدى قرون من الزمان وعبر حقب الاستعمار الأجنبي مشروط بثورة حقيقية في مجالي تكوين الإطارات القادرة على تفجير طاقاتها بواسطة إحياء وتنقية وإثراء قاموسها والقيام بترجمة النصوص والمفاهيم والمصطلحات الفلسفية، والفيزياء، وعلم الفلك، والنظرية السياسية، وعلم الاجتماع، والنقد الأدبي، وعلم النفس وغيرها من اللغات الحية إليها، فضلا عن إعادة بناء المحيط اللغوي بشكل راديكالي.