جماعات الإسلام السياسي..

إخوان ليبيا يفقدون شرعية الشارع

الفشل يدفع جماعات الإسلام السياسي في ليبيا لمحاولة التحصّن بالنموذج التونسي

الحبيب الأسود

عكس ما يذهب إليه الكثير من متابعي المشهد الليبي من خارجه، فإن الإسلام السياسي لا وزن شعبيا له في هذا البلد الذي لا يزال يعاني من أزمة مستفحلة منذ 2011، بل إن عدد المنتمين العقائديين لجماعة الإخوان التي تعتبر نفسها الأقوى، لا يتجاوز بعض المئات، في حين لم يبق من الجماعة المقاتلة سوى بعض الأفراد الذين غادر أغلبهم إلى دول أخرى على رأسها تركيا.

عقيدة فاسدة
ظهور الإخوان في ليبيا يعود إلى نهاية الأربعينات، عندما لجأ 3 من إخوان مصر إلى إقليم برقة بعد تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء المصري محمد فهمي النقراشي في 28 ديسمبر 1948، وقد وجدوا مأوى لدى الأمير إدريس في ذلك، حيث رفض تسليمهم إلى السلطات المصرية ما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين وإغلاق الحدود بين البلدين.

لكن أول اغتيال سياسي تشهده ليبيا وكان في 1954، أدى إلى إعلان الملك إدريس السنوسي عن حل الجماعة، وملاحقة عناصرها نتيجة شبهة في وجود علاقة بين القاتل وبين قياداتها. تبين للنظام الملكي آنذاك أن للجماعة عقيدة فاسدة تهدف إلى التمكن من مفاصل الدولة الوليدة.

وما زاد في محاصرة الإخوان، أن النظام الملكي كان قد قرّر في العام 1952 إلغاء الأحزاب السياسية وحظر نشاطها، ما ضيق الخناق على الجماعة ومنعها من التحرك تحت أي غطاء حزبي، إضافة إلى مرحلة المد القومي التي كانت آنذاك قد أطاحت بشعارات الإسلام السياسي، وأفقدتها أي شرعية كانت تحاول اكتسابها، غير أن نظام القذافي سعى إلى استقطاب قيادات الجماعة وإدماجهم في مؤسسات الدولة، سيرا على خطى الرئيس المصري أنور السادات الذي أخرج الإخوان من السجون وترك لهم حرية النشاط في ظل حربه المعلنة على ميراث سلفه عبدالناصر، وبعد صدور القانون رقم 71 لعام 1972 الذي نصّ على تجريم الحزبية، تم في العام 1973 ملاحقة الجماعة، وإجبار عناصرها على الظهور في التلفزيون لإعلان تبرؤهم من الفكر الإخواني.

من أجل السيطرة على الحكم، اتجه الإخوان إلى الميليشيات المدعومة بالمال المنهوب والأجنبي، لكن أول انتخابات كشفت ضعفهم

غير أن طلبة عائدين من الخارج في العام 1980 كانوا قد بدؤوا بالتحرك داخل البلاد، ليتم رصدهم من الجهات الأمنية واعتقالهم، قبل أن تظهر لاحقا موجة القطبيين من خلال الجماعة المقاتلة التي تم تشكيل نواتها الأولى في 1982، من بعض الشباب المندفع للمشاركة في الحرب ضد السوفيات في أفغانستان.

وبينما تورطت الجماعة المقاتلة في أعمال إرهابية خلال عقد التسعينات، تم في يونيو 1998 اعتقال أكثر من 152 من قيادات الإخوان، وفي فبراير 2002 صدر حكم قضائي بإعدام المراقب العام للإخوان المسلمين في ليبيا عبدالقادر عزالدين ونائبه وحُكم على 73 متهما آخرين بالسجن المؤبد، ولكن بعد إجراء الجماعة الليبية المقاتلة لمراجعاتها التي تخلت بعدها عن عداء الدولة، فإن الإخوان المسلمين تم اعتبارهم من قبل العديد من المصادر حلفاء للنظام الليبي السابق.

الأجندة القطرية التركية
خلال أحداث 2011، نفّذ إخوان ليبيا الأجندة القطرية التي كانت مدعومة من قبل أجهزة مخابرات أجنبية والتي تنص على التحالف مع تنظيم القاعدة من خلال الجماعة المقاتلة، وقد كان أول ما رصده المراقبون أن الجماعة غدرت بسيف الإسلام القذافي الذي عقد معها صفقة سياسية ضمن مشروع ليبيا الغد، كما أنها اتجهت للتحالف مع القوى الخارجية على حساب المصلحة الوطنية، مدفوعة بملامح وهم الربيع الإخواني الذي تبنته لاحقا تركيا إلى جانب قطر، وراهنت عليه الإدارة الأميركية في عهد أوباما.

ومن أجل السيطرة على الحكم، اتجه الإخوان إلى الميليشيات المدعومة بالمال المنهوب والمسلوب والقادم من الخارج، غير أن أول انتخابات كشفت عن ضعفهم، إذ ورغم الإمكانات المرصودة لهم إعلاميا وماليا وأمنيا، لم يحصل حزبهم إلا على 17 مقعدا من جملة 200، في حين كان الفوز الأبرز لتحالف القوى الوطنية الفائز بـ39 مقعدا، إلا أن شراء النواب المستقلين والتحالف مع قادة الميليشيات، أحدث انقلابا داخل المؤتمر الوطني العام، من خلال جملة تحالفات فاشلة، قبل أن تأتي انتخابات 2014 التي فاز فيها الإسلاميون بـ30 مقعدا فقط، ما دفع بهم إلى الانقلاب على النتيجة من خلال الحرب الأهلية المعلنة من قبل منظومة فجر ليبيا، والتي أدت إلى ترحيل البرلمان إلى مدينة طبرق في شرق البلاد، في حين كان الجيش الوطني قد بدأ في حربه الشاملة على الإرهاب انطلاقا من بنغازي. ولا ينسى الليبيون أن بلادهم كانت أول بلد يصل فيه تنظيم القاعدة للحكم من خلال التحالف مع الإخوان بعد انتخابات 2012، وأن الإرهاب الذي قتل الأبرياء وتسبب في ظهور تنظيم داعش، كانت تقف وراءه قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان وحليفتها الجماعة المقاتلة، ولو كان ذلك بأيدي المرتزقة من عناصر العصابات المسلحة.

فقدان الشرعية

المشهد في ليبيا اليوم يبدو مختلفا على ما كان عليه في 2012، فالإسلام السياسي لم يعد له وجود في المنطقة الشرقية وخاصة بعد تحرير درنة من عصابات القاعدة المدعومة من الإخوان، كما لا يكاد يوجد له أي صوت في منطقة الجنوب وفي المنطقة الوسطى، وكذلك بالنسبة لقبائل المنطقة الغربية، وهو يكاد يكون محصورا في بعض مدن الساحل الغربي، وخاصة مصراتة وطرابلس وزليتن والزاوية، ولكن في إطار ضيق، وقد اختار عناصر الجماعة المقاتلة الفرار من طرابلس إلى تركيا وقطر، وتم سحب بساط السلطة من تحت أقدام الإخوان باستثناء وجود بعضهم في القطاع المصرفي والاقتصادي، أو وجود الإخواني خالد المشري على رأس المجلس الأعلى للدولة الاستشاري الذي يمثل بقايا المؤتمر الوطني العام وفق ما جاء به اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015.

وفي حين يبحث إخوان ليبيا وبقية من معهم من الجماعة المقاتلة عن منفذ لهم عبر وساطات مع أنصار النظام السابق لإحداث توافقات يرفضها سيف الإسلام القذافي والكثيرون ممن هم حوله، وخاصة زعماء القبائل، لا يزال لديهم أمل في اختراق الفضاء السياسي من خلال مسودة الدستور التي يشبّهها البعض بالدستور التونسي للعام 2014، وكذلك بالعمل على طريقة إخوان تونس في التلاعب بالتوازنات السياسية عبر التحالف مع رجالات النظام السابق أو استقطاب المستقلين، غير أن هذا الاتجاه لا يجد قبولا لدى جانب كبير من الليبيين الذين دفعوا غاليا ثمن هيمنة الإخوان على السلطة في طرابلس خلال السنوات الأولى بعد إسقاط نظام القذافي، وبعد اكتشافهم الدور الكبير الذي لعبته الجماعة ومن ورائها كل من قطر وتركيا في دعم الإرهاب وخاصة في المنطقة الشرقية، وكذلك في الفساد.

وعكس دول أخرى، فإن الشعب الليبي يبدو أكثر ذكاء في تهميش الإسلام السياسي وقطع الطريق أمامه، ما إرباك صفوف الإخوان، وأنهى حضور الجماعة المقاتلة، كما أن الجيش الليبي قضى على مجالس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية، وهي التي كانت تمثل مشروع التنظيم الإخواني بأدوات الإرهاب متعدد الجنسيات وتراجع دور الميليشيات.

ولم يعد خافيا، أن الإسلام السياسي في ليبيا بات يفتقد إلى أي شرعية شعبية، فالليبيون لديهم حساسية بالغة إزاء التدخل الخارجي أو التبعية للأجنبي وخاصة عندما يكون قطريا أو تركيّا، كما أن الدور الثقافي القبلي المؤثر في الحياة الاجتماعية بشكل كبير، يضمن عدم الانسياق وراء أي مشروع خارجي حتى وإن كان على أيدي ليبيين، ويحصّن القيم الثقافية للمجتمع بما فيها القيم الدينية التي تنقسم غالبا بين المنهج الصوفي والمنهج السلفي العلمي، وهما تياران داعمان للجيش والقوات المسلحة، ويخوضان معه الحرب ضد الإرهاب.