سياسات القمعية في تركيا..

ماذا تخفي خطابات أردوغان الناعمة ؟

في أي لحظة سيسقط القناع

أنقرة

يواصل الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان المضي قدما في سياساته الانتقامية والقمعية ضدّ الآلاف من الموظفين الأتراك بقطاعات مختلفة في إطار عملية تطهير ضد كل من يشتبه في علاقته برجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بالتخطيط لمحاولة انقلاب الفاشلة في عام 2016. ومع اقتراب الاستعدادات للانتخابات البلدية (مارس 2019)، كثّف الرئيس التركي من هذه السياسة كما صعّد من نبرة خطابه “العاطفي” بشأن دور تركيا في الذود عن حقوق الإنسان والمسلمين مقابل سياسات الغرب المدمرة والمذكية للصراعات، في تعارض كبير بين خطابه ووقائع موثّقة في الداخل والخارج، سواء بخصوص حملات التعذيب والاعتقال ووضع البلاد الاقتصادي الهش، أو على مستوى السياسة الخارجية حيث تواجه تركيا عزلة إقليمية، وتوترا مع الأوروبيين والأميركيين.

وبينما كان أردوغان يستذكر في يوم حقوق الإنسان المضطهدين في العالم، كان رجال أمنه ومخابراته يواصلون حملة الاعتقالات وتطهير كل المؤسسات، حيث أمر ممثلي الادعاء الجمعة بالقبض على 267 شخصا، معظمهم جنود في الجيش وموظفون في قطاع صناعات الدفاع، ليصل العدد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة إلى سجن أكثر من 77 ألفا إلى حين محاكمتهم ولا تزال عمليات الاعتقال متواصلة في حين تمّ إيقاف أو إقالة 150 ألفا من موظفي الحكومة والعاملين في الجيش.

تأتي هذه الخطوات القمعية القديمة الجديدة، تزامنا مع تسريع الرجل في الأسابيع الأخيرة من وتيرة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية استعدادا للمحطة الانتخابية البلدية التي تحظى بأهمية كبيرة لدى أردوغان، ذلك أنّ نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية الحاكم انخفضت من قرابة 49 بالمئة إلى 42.56 بالمئة، في الانتخابات الأخيرة، ما يعني خسارته لعدد كبير من أصوات ناخبيه.

ويمكن أن تلعب الانتخابات المحلية القادمة دورا كبيرا في التهيئة لتوحيد الصفوف من قبل المعارضة، وإمكانية الاتفاق على مرشح واحد يواجه أردوغان، أكثر العارفين بأهمية هذه الانتخابات وهو الذي بدأ يمهد لصعوده منذ أن كان رئيسا لبلدية إسطنبول.

ويعتبر المراقبون أن أردوغان الذي يريد جلب أنظار العالم إليه من جديد استعمل كل الحيل الخطابية لضمان الفوز في المحطة الانتخابية القادمة ولدرء كل ما يتّهم به وحكمه من قمع داخلي وتدخل سافر في شؤون العديد من الدول.

وكعادته حاول أردوغان المحافظة على نفس تقنيات الخطاب القائمة أساسا على شحذ همم المسلمين في مسعى مألوف للظهور في شكل القائد الأوحد للعالم الإسلامي عبر الخوض في العديد من الملفات ومن أهمها تكرار الحديث عن وضع المسلمين في العالم وفي فلسطين وخاصة غزة.

وفي حركة لا تنمّ إلا على تناقضات مواقف الرئيس التركي، أطل أردوغان بكل ثقة ليوظف هذه المرة الجدل الذي أحدثته احتجاجات السترات الصفراء متهما منظمات حقوق الإنسان بالتقاعس وعدم انتقاد السلطات الفرنسية رغم أن آلته القمعية مازالت تصر على توظيف محاولة الانقلاب الفاشلة لتصفية الخصوم في كل القطاعات بتركيا.

واتهم الرئيس التركي المدافعين عن حقوق الإنسان بالتقاعس عن انتقاد ما يتعرض له المشاركون في تظاهرات “السترات الصفراء” في فرنسا، في حين أنهم سارعوا في المقابل إلى انتقاد أنقرة بسبب قمع تظاهرات في إسطنبول.

ويأتي هذا الموقف لأردوغان غداة انتقادات وجهتها إليه وزيرة الصحة الفرنسية أنياس بوزين التي اتهمته بـ”التدخل” بعدما أعرب عن أسفه إزاء “تمادي” قوات الأمن الفرنسية في استخدام العنف لاحتواء تظاهرات “السترات الصفراء”.

وأكد أردوغان أن “الذين كانوا يدافعون عن حقوق الإنسان خلال تظاهرات غيزي في إسطنبول في 2013 أصبحوا عميانا وصما وبكما حيال ما يحصل في باريس”.

ويرى مراقبون أنه ليس من حق أردوغان الذي أعلن في عام 2013 أن رجال الشرطة الذين قمعوا احتجاجات حديقة غيزي هم أبطال أن ينتقد السلطات الفرنسية أو منظمات حقوق الإنسان في إطار تصفية حسابات مردها أن تواصل انتقاد نظامه وسياساته القمعية كان عائقا كبيرا لتسهيل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

ويشدد العديد من المتابعين أن الرئيس التركي الذي يوظف كل الملفات خدمة لمستقبله والتي لا تتسق على أرض الواقع مع ما تلعبه أنقرة من أدوار قذرة ساهمت في تخريب دول ومنها دول مسلمة يريد الإيهام بأنه قائدها الأوحد. وكشفت آخر معطيات تقرير بحثي بداية الأسبوع أن شركات سلاح تركية، وردت ضمن تصنيف أكبر 100 شركة عالمية من حيث حجم صادرات السلاح.

وأفاد معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام – سيبري” ومقره السويد، في تقريره السنوي، أن شركات السلاح التركية سجلت زيادة في المبيعات نسبتها 24 بالمئة في 2017، مقارنة بالعام السابق له.

وقال بيتر ويزمان، الباحث في المعهد، إن هذا التطور “يعكس طموحات تركيا لتطوير صناعة السلاح بها، من أجل الوفاء بالطلب المتزايد على السلاح لديها، وأن تصبح أقل اعتمادا على الموردين الأجانب”.

ورغم أن التقرير لم يحدد المركز الذي احتلته الشركات التركية، أو قيمة مبيعاتها خلال العام الماضي، إلا أن العديد من المراقبين أكدوا أن مثل هذه الأرقام هي حجة ضد نظام أردوغان الذي يدّعي في خطاباته المعلنة أنه من بين الدول الراعية للسلام في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتكشف هذه الأرقام بحسب العديد من المراقبين مدى انخراط تركيا في إغراق العديد من البلدان بالسلاح خاصة مع تواصل موجة اتهامها بدعم العديد من الأطراف والجماعات المتشددّة في عدة دول كالصومال وليبيا.

ويرتكز منتقدو النظام التركي على ما وقع في يناير 2018، حيث أعلنت اليونان عن ضبطها لسفينة تركية محملة بالسلاح كانت في طريقها إلى ليبيا. وأشارت البحرية اليونانية إلى أن السفينة التي كانت ترفع العلم التنزاني وتم ضبطها اقتيدت إلى ميناء “هيراكليون” في جزيرة كريت.

من جهة أخرى، فإن محاولات أردوغان للظهور في صورة البطل الحامل لشعارات السلام تأتي أيضا متناقضة تماما مع ما فعلته أنقرة في الصومال بعد أن حولتها منذ عام 2010 إلى ما يشبه أفغانستان القارة الأفريقية.

ودخلت تركيا إلى القرن الأفريقي في إطار خطة تسويق لصورتها مستغلة ما تسميه “الروابط الدينية والتاريخية بين تركيا والصومال”. وتعتبر أنقرة، الصومال من المناطق الرئيسية في سياساتها الناعمة، وعلى مدى سنوات طويلة استغلت الأوضاع الإنسانية في البلاد، لترسخ قدمها هناك وذلك عبر سياسة بدأت بالمساعدات الإنسانية ومشاريع خيرية وانتهت ببناء قاعدة عسكرية.